رفع المنتخب المغربي العلم الفلسطيني بجانب علم بلاده بعد الفوز التاريخي الذي حققه مساء اليوم السبت على نظيره البرتغالي (1- 0) في دور الثمانية لنهائيات كأس العالم 2022، في خطوة رمزية من بلد كان واحداً من بين أربع دول، سارعت حكوماتهم للتطبيع مع إسرائيل قبل عامين.
الخطوة ورغم وبساطتها وما سبقها من حالة نبذ وكراهية لإعلام الكيان الصهيوني من المشاركين العرب والاحتفاء بفلسطين في مدرجات قطر وخارجها؛ يراها مراقبون أنها مؤشر هام على فشل الدعاية الصهيونية في تحقيق غاياتها.
وتولي دولة الاحتلال منذ نشأتها عام 1948 أهمية خاصة للداعية، ولها باع طويل في أساليبها وأدواتها المختلفة، وتخصص لذلك ميزانيات ضخمة تشرف عليها جهات محترفة في تطويع الرأي العام خدمة لأهدافها.
كما تُعتبر ممارسة الدعاية بالنسبة إلى الاحتلال سياسة استراتيجية ثابتة تمتاز بالنفس الطويل وليست عملاً تكتيكياً موسمياً ينتهي بانتهاء الحدث.
وتستند “إسرائيل” في الترويج لسرديتها إلى آلة دعائية ضخمة تقوم أساساً على تزييف الحقائق والوقائع التاريخية وتطويعها لخدمة الرواية الإسرائيلية، بما يحفظ لها صورة الدولة الديمقراطية المحبة للسلام وسط محيط عربي معادٍ ومتخلف.
وتستخدم دولة الاحتلال عدداً من الأدوات الإعلامية الناطقة بالعربية بهدف الترويج لروايتها الدعائية في المنطقة، خاصة في مواقع التواصل الاجتماعي كصفحتي الناطق باسم الجيش الإسرائيلي “افيخاي أدرعي” و”المنسق”.
يضاف إلى ذلك عددٌ الشخصيات والمتحدثين العرب والفضائيات العربية المتساوقة مع “إسرائيل” والحاجبة للرواية الفلسطينية، كل ذلك بهدف خلق رأي عام عربي جديد متقبل للاحتلال.
المونديال.. الصفعة الثانية لدعاية “إسرائيل”
ولأهمية حالة الرفض العربي للاحتلال الصهيوني في مونديال قطر، يقول الباحث في مجال الإعلام السياسي والدعاية حيدر المصدر: “للمرة الثانية خلال عامين، يتمكن الجمهور العربي من إبراز القضية الفلسطينية وينجح في إسنادها في مونديال قطر 2022”.
وأشار المصدر في تصريح له “إلى أن المرة الأولى كانت العام الماضي خلال عدوان الاحتلال على غزة في مايو/ أيار 2021، يوم انحازت الجماهير العربية وحتى الأجنبية للرواية الفلسطينية وأدارت ظهرها لأكاذيب “إسرائيل”.
وتابع: “يحظى خطاب جمهور كرة القدم بأهمية بالغة لنا كفلسطينيين، إذ يُنجز وظائف لم تستطع مؤسسات رسمية ووسائل إعلام إنجازها، مثل وظيفتي التأثير والعدوى”، على حد وصفه.
فضاءات جديدة
“وأضح أن هذه الخطابات، الفردية كانت أم جماعية، منظمة أم عفوية، التي تُسجل داخل الملاعب وخارجها، وبعلامات لغوية مثل الهتافات والشعارات، وغير لغوية مثل الصور والأعلام المرفوعة، تعكس عمق علاقة الجماهير العربية بالقضية الفلسطينية”، وفق “المصدر”.
وأشار إلى أن : “هذه الحالة التعاطفية مع فلسطين تبين حقيقة اتساع الرفض الجماهيري العربي لدولة الاحتلال بخلاف ما تروجه ماكينتها الدعائية.، كما تكشف استغلال الجماهير فضاءات كرة القدم كمواقع جديدة لدعم القضية الفلسطينية بعد أن تجمدت فترة داخل أماكن كلاسيكية كالشوارع والقاعات المغلقة”، يقول الباحث في مجال الدعاية.
وشدد المصدر أن “الجمهور العربي الذي ينطلق من خلفيات ثقافية تتراوح بين الرفض والكراهية لإسرائيل والدعم والتشجيع لفلسطين؛ لا يترك فرصة متاحة إلا ويستغلها لدعم الحق الفلسطيني، خاصة إذا تحررت هذه الفرص من هيمنة السلطة الحاكمة”.
تختلف الأدوات والهدف واحد
من جانبه، قال عضو اتحاد الأكاديميين العرب د. محمود الفطافطة، عن أدوات الدعاية التي تستخدمها “إسرائيل” لاختراق وعي الشعوب العربية، فيقول:” يتربع على هذه القائمة الأدوات الفكرية المرتبطة بالصورة الذهنية”.
واضاف “الدعاية تهدف بالأساس لتغير موقف الرأي العام من فكرة معينة، ضمن ما بات يعرف بكي الوعي مؤكداً على أن المحصلة النهائية التي ترغب “إسرائيل” بجنيها من وراء الداعية هو تحويلها في العقلية العربية من دولة معادية ومنبوذة إلى صديقة وجارة يمكن التعايش معها، وهي خطوة تسبق التعاطي الإيجابي معها”.
واستطرد “تؤمن إسرائيل أن التأثير الفكري والنفسي والإعلامي مهم جداً لتمرير مرتكزاتها وأهدافها في الوطن العربي وتعتبر ذلك موازياً ولا يقل أهمية عن العامل العسكري والاقتصادي”.
فيما شدد على أن “إسرائيل” حققت نجاحاً واضحاً بخصوص التطبيع مع الأنظمة، أما المؤسسات المدنية والأهلية والشعوب فالأمر يظل في إطار محدود ومنخفض جداً لافتاً إلى أن معظم الشعوب العربية تنظر لإسرائيل على أنها العدو الأوحد والأخطر في المنطقة ومن الواجب مواجهته ومحاربته”.
ورأى “الفطافطة” “أن مونديال قطر مثّل حالة جديدة في رفض الاحتلال من جهة ودعم القضية الفلسطينية ليس لدى العرب وحسب بل عند العالم الحر”.
وفي السياق أهدت شخصيات مغاربية ناشطة في مجال مناهضة التطبيع، فوز بلادهم وتأهله لنصفي المونديال، إلى القضية الفلسطينية، واعتبروه بمنزلة انتصار لها حيث قال رئيس المرصد المغربي لمناهضة التطبيع أحمد ويحمان، “إنّ اتفاقات التطبيع التي أبرمتها بلاده مع الاحتلال، لم تعبر عن ضمير ووجدان الشعب المغربي، “وكانت غريبة دائمة عنه”.
واكد ويحمان أنّ الفوز أظهر محبة الشعب المغربي وانتماءه للقضية الفلسطينية، وعبرّ عن ذلك عبر رفع المنتخب العلم الفلسطيني أكثر من مرة مشيراً إلى أنّ هذه المواقف لم ترق للبعض، وتحديدا دولة الاحتلال الإسرائيلي، التي حاولت تخريب المونديال.
ويعدّ “ويحمان” فرحة الشعب الفلسطيني لشقيقه المغربي في الفوز، “رسالة واضحة، أن الاحتلال وحده الغريب، وأنه لا يمكن أن يكون شقيقا في يوم من الأيام”.