في وقتٍ تحتفل فيه الشعوب الحرة بمختلف البلدان باليوم العالمي لحقوق الإنسان وتدعم الجهود المبذولة لتعزيز ذلك وحماية الحريات، تُواصل فيه سلطات الاحتلال الإسرائيلي انتهاكاتها ضد الفلسطينيين وتحرمهم من أبسط حقوقهم الإنسانية.
ويحتل هذا اليوم (10 ديسمبر) مكانة مهمة عند المؤسسات سواء الحكومية والأهليّة التي تهتم بحقوق الإنسان، وفي هذا اليوم تعلن الأمم المتحدة منح جائزتها في مجال حقوق الإنسان.
إضافة لجائزة “نوبل” للسلام التي تُعطى عادة لمن يبذل جهدًا في سبيل نشر روح الإخاء بين الأمم وفي تسريح الجيوش، أو خفض أعدادها، أو يساهم في إنشاء هيئات، أو مؤتمرات تروّج للسلام.
الكيان الصهيوني يواصل خطها الإجرامي
ومحلياً، تأتي هذه المناسبة في الوقت الذي تواصل سلطات الاحتلال انتهاكاتها لحقوق الإنسان الفلسطيني، عبر سلسة طويلة من الإجراءات، ابتداءً من القتل المباشر، مرورًا بالإصابة والاعتقال، وليس انتهاءً بمصادرة الأراضي وهدم المنازل وتقييد حرية التنقل والتعبير.
وتمارس “إسرائيل” هذه السلوكيات في ظل عدم قدرة المجتمع الدولي على توفير الحماية الحقيقية للشعب الفلسطيني.
كما تشعر “إسرائيل” أنها دولة فوق القانون وبعيدة عن المسائلة القانونية، لما تملكه من إسناد منقطع النظير من طرف الولايات المتحدة الذي تمتلك حق النقض الفيتو في مجلس الأمن.
جهود تبذل ولكن
ووسط هذه الحالة السوداوية لواقع حقوق الإنسان في فلسطين، تبذل بعض الجهات القانونية جهوداً، لإلزام “إسرائيل” بحقوق الإنسان
وعن ذلك، يقول رئيس منظمة “القانون من أجل فلسطين” في بريطانيا إحسان عادل: “هناك الكثير من الجهود التي تبذل في هذا السياق، وللمفاجأة، هناك جهود إسرائيلية هائلة تُبذل أيضاً لمنع مساءلتها عن انتهاكاتها لحقوق الإنسان”.
ويُضيف “عادل”: “فعلى المستوى الفلسطيني الرسمي يُمثل انضمام فلسطين للمحكمة الجنائية التي تقوم الآن بإجراء تحقيق، بارقة أمل، ربما قد تفضي لإصدار مذكرات اعتقال بحق المسئولين الإسرائيليين”.
ويشير إلى وجود توجه فلسطيني رسمي لطلب فتوى من محكمة العدل الدولية، تتعلق بمسؤولية دول العالم عن الدفع لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي المستمر للأراضي الفلسطينية.
ويتحدث باحث الدكتوراه المختص في التنمية الدولية، عن جهود أخرى تبذلها المنظمات الحقوقية والمدافعين عن حقوق الإنسان، من خلال توثيق الانتهاكات الإسرائيلية وتقديمها للجهات الدولية والمحاكم المحلية والإقليمية.
الفصل العنصري
ويوضح أن حركة “مقاطعة إسرائيل” تعتمد على هذه المواد في دعوتها للجامعات والمؤسسات والشركات للتوقف عن ممارسة أعمال تساعد في تثبيت الاحتلال، وهو ما أدى في عشرات الحالات إلى انسحاب تلك الجهات من اتفاقيات مع نظيرتها الإسرائيلية.
ويُتابع أنه في العام الماضي، كان هناك تطور كبير في هذا السياق من خلال تبني أكبر منظمتين دولتين غير حكوميتين وهما “العفو الدولية” و”هيومن رايتس ووتش” لفكرة أن “إسرائيل” تمارس الفصل العنصري، وهو الأمر الذي أصبح يلقى صدى أوسع على المستوى الدولي، باعتبار هذا الفعل جريمة ضد الإنسانية.
وبعيداً عما يجري في أروقة المؤسسات والمنظمات الدولية الحقوقية، يبدو أن نسبة كبيرة من الفلسطينيين فقدت الثقة بالمجتمع الدولي ومؤسساته المختلفة، فهم يعتقدون أنها جهات لا تملك أي صفة إلزامية لإسرائيل، هذا في حال صدر عنها أي قرار ايجابي لصالحهم.
ازدواجية المعايير الغربية
وفي ذات الإطار، يتحدث أستاذ القانون الدولي في جامعة الأزهر في غزة عبد الرحمن أبو النصر، عن ازدواجية المعايير الدولية والكيل بمكيالين عند الدول الغربية عند الحديث عن حقوق الإنسان.
فيقول: “في الوقت الذي دعمت فيه بعض الدول الأوروبية والولايات المتحدة فتح تحقيق مباشر من قبل المحكمة الجنائية في جرائم الحرب التي تُرتكب في أوكرانيا، عارضت ذات الدول قيام المحكمة بالتحقيق في فلسطين”.
ويُشير في حديثٍ إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية فرضت عقوبات على أشخاص أساسيين في المحكمة الدولية؛ بسبب انخراطهم في بذلك.
حكومة متطرفة.. الأسوأ قادم
ويرى “أبو النصر” أن هناك خشية حقيقية من تدهور حقوق الإنسان الفلسطيني بشكل أكبر خلال الفترة القادمة خاصة بعد استلام الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة والتي تضم وجوها من أقصى اليمين عُيّنت وفق اتفاقات ائتلافية في مناصب أمنية حساسة، ومُنحت صلاحيات واسعة على قوات الأمن الإسرائيلية بالضفة.
ويُكمل: “هذا واضح حتى قبل تشكيل الحكومة من خلال الوعود والاتفاقيات التي تم الإعلان عنها كالاعتراف بالبؤر الاستيطانية واعتبار منظمات حقوق الإنسان تهديداً لإسرائيل، وإخضاع حرس الحدود والإدارة المدنية لسلطة المتطرفين إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش”.
وفي نهاية العام الماضي، صنفت سلطات الاحتلال 6 مؤسسات حقوقية فلسطينية كـ “منظمات إرهابية”، هي: “الضمير” و”الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال”، و”الحق” و”اتحاد لجان العمل الزراعي”، و”اتحاد لجان المرأة”، و”مركز بيسان للبحوث والإنماء”، بداعي ارتباطها بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
وحسب “أبو النصر” فإن الحكومة الإسرائيلية المرتقبة ستظهر الوجه الحقيقي لدولة الاحتلال التي تمارس العنصرية بكل صورها، مشددًا على أن القانون الدولي سلاح حقيقي يجب استخدامه وعدم إهماله من طرف الجانب الفلسطيني.
اعتقال 6500 فلسطيني خلال 2022
قال نادي الأسير الفلسطيني، إن الكيان الصهيوني اعتقل منذ مطلع 2022 حوالي 6500 فلسطيني، بينهم نساء وأطفال، وبحسب النادي، من بين حالات الاعتقال “153 من النساء، و811 طفلاً”، بعضهم جرى الإفراج عنهم.
وخلال الفترة نفسها، صدر 2134 أمر اعتقال إداري بحق معتقلين فلسطينيين، وفق المصدر نفسه، وحاليًا ما زال 4700 أسير وأسيرة يقبعون في 23 سجنا ومركز توقيف وتحقيق إسرائيلي، بينهم 34 أسيرة، و150 طفلاً وقاصراً، و835 معتقلاً إداريًا”، بحسب البيان.
والاعتقال الإداري قرار حبس بأمر عسكري صهيوني بزعم وجود “ملف سرّي” للمعتقل دون توجيه لائحة اتهام، ويمتدّ 6 أشهر قابلة للتجديد مرّات عديدة، أما الأسرى القدامى المعتقلين منذ ما قبل توقيع اتفاقية “أوسلو” بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل عام 1993 التي بموجبها نشأت السلطة، فيبلغ عددهم 25 أسيرًا.
وأوضح التقرير، أن “أقدم هؤلاء الأسيران كريم يونس وماهر يونس المعتقلان بشكلٍ متواصل منذ عام 1983، وتنتهي محكوميتهما الشهر المقبل (يناير)”، وأشار إلى أن “551 من بين الأسرى الذين يستمر اعتقالهم، صدرت بحقّهم أحكام بالسّجن المؤبّد، في حين بلغ عدد شهداء الحركة الأسيرة 232 شهيداً منذ عام 1967”.
ولفت نادي الأسير، إلى “وجود 600 أسير مريض، بينهم 24 مصابون بالسرطان وبأورام بدرجات متفاوتة، فيما يتواصل احتجاز جثامين 10 أسرى فلسطينيين قضوا داخل السجون”، وفي 10 ديسمبر من كل عام يحيي العالم “يوم حقوق الإنسان”، وهو اليوم الذي اعتمدَت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في العام 1948.