يستغرب كثيرون؛ أحزاباً ومنظمات وناشطين، من التكتم الشديد على محاولة الانقلاب التي تتم فيها التحقيقات في سرية تامة، وتتساءل الساحة السياسية والأوساط الشعبية عما جرى ويجري وسط تسريبات عن تورط أطراف في السلطة في عملية الانقلاب التي يتزعمها، وفق التسريبات حتى الآن، رجل الأعمال وليد البلطي، الناشط في مجال القمار فيما يعرف بـ”الرهان الرياضي”، والمستشار الاقتصادي في الوقت نفسه للرئيس قيس سعيّد، المعروف بكثرة صور ذهابه إلى المساجد والصلاة فيها منفرداً، وما يقال عن علاقة البلطي بالمخابرات الصهيونية والفرنسية وأطراف مالية داخلية وخارجية، فضلاً عن فنانين وإعلاميين بينهم الخبير الاقتصادي حكيم بن حمودة، وضابط في الأمن الرئاسي، وآخرون.
المتهم الرئيس في القضية هو وليد البلطي، وهو عضو سابق في حزب المؤتمر من أجل الجمهورية الذي غادر حزب الرئيس السابق منصف المرزوقي في الوقت المناسب لركوب قارب “التيار الديمقراطي” بقيادة محمد عبو، وهو من ممولي “التيار” ثم فيما بعد موجة الرئيس الحالي سعيد.
الجديد في القضية
الجديد في القضية هو وجود مخطط يستهدف حركة النهضة من قبل الأخطبوط المذكور، حيث عثر داخل هاتف البلطي على أسماء 331 قيادياً من حزب حركة النهضة مع عناوين منازلهم ومواعيد دخولهم وخروجهم من بيوتهم ورسوم بيانية لمقار سكناهم.
الأمر الخطير الذي تحدثت عنه التسريبات ولم تجرؤ أي وسيلة إعلام محلية على الصدع به والحديث عنه، هو وجود محاولة لاعتقال رئيس البرلمان زعيم حركة النهضة الشيخ راشد الغنوشي، ثم اغتيال الرئيس سعيّد واتهام حركة النهضة بذلك، كرد فعل منها على اعتقال زعيمها.
وتقول مصادر داخل حزب حركة النهضة: إن رئيس مجلس نواب الشعب رئيس حركة النهضة سيمتنع عن حضور جلسات المحاكمات الصورية وغير المستندة لملفات حقيقية التي هدفها التنكيل برئيس حركة النهضة وإلهاء الرأي عن قضاياه الحقيقية، وتشويه الحركة وزعيمها.
لا سيما في ظل سكوت وسائل الإعلام والسلطة الحاكمة عن الخوض في قضية التآمر على أمن الدولة التونسية والتخابر مع أطراف أجنبية واستهداف مواطنين، التي شغلت الرأي العام التونسي، علاوة على ما جرى ويجري في تونس، حيث امتنعت السلطة حتى الآن عن أي توضيح، فلا وزارة الداخلية تحدثت ولا وزارة العدل وضحت!
وقد تحدث رئيس جبهة الخلاص الوطني التونسية أحمد نجيب الشابي، في كلمته أمام الجماهير المشاركة في مسيرة 10 ديسمبر بالعاصمة التونسية، عن بعض ما كشفته التحقيقات، ومن ذلك العمل على الانقلاب على رئيسة الحكومة نجلاء بودن، وتنصيب حكيم بن حمودة مكانها، وتسريب الملف الصحي للرئيس سعيّد للخارج، وتناول المؤسسة العسكرية في علاقات تخابر مع الخارج، وفق قوله.
ويتساءل كثيرون، من بينهم نائب رئيس حركة النهضة رئيس الحكومة الأسبق علي العريض عمّا إذا كان هناك من يريد طمس الحقيقة؟ وما تفسير هذا الصمت المريب من السلطة؟
في الوقت نفسه الذي تم فيه تجنيد بعض الإعلاميين هذه الأيام للافتراء على النهضة وإثارة أكاذيب تكررت على امتداد سنوات وتجاهلوا قضية التآمر على أمن الدولة وكأنها غير موجودة.
ويرى العريض، في تدوين له على صفحته بـ”فيسبوك”، أنهم تجندوا لصرف الجمهور عن متابعة هذه القضية الجديدة التي تحمل عنوان التآمر على تونس والتونسيين، ولا يريدون ظهور الحقيقة للمواطنين؛ ولذلك امتنعوا عن تناولها في إعلامهم وسعوا جاهدين لشغل أذهان التونسيين بقضايا أخرى تصرفهم عنها، بتعبير العريض.
وكان أحد الإعلاميين الذي عرف بكتابة التقارير الأمنية في زملائه منذ كان طالباً في الجامعة قد زعم أنه تعرض لـ4 محاولات اغتيال لم يسمع بها أحد، وأن حركة النهضة حزب مسلح، على حد زعمه.
ويبدو أن الحملة المتجددة جاءت لصرف الأنظار، لكن المحاولة فشلت، خاصة وأن البعض يتحدث عن تورط أولئك السياسيين والإعلاميين في قضايا أمن دولة، ويريدون إرسال بالونات حرارية، مثل دعوة النائب الثاني لرئيس حركة النهضة وزير العدل الأسبق نور الدين البحيري للتحقيق في قضايا الإرهاب، لكن القضاء أجّل ذلك إلى يناير القادم وهو ما أسقط في أيديهم.
ويبدو أن من اتهم حركة النهضة بامتلاك جهاز سري قد كشفه هاتف البلطي، بل كشف جهازه السري، وحبله السري المرتبط بجهات استخباراتية إقليمية ودولية، كما تشير التسريبات.
لكن العريض أورد الاتهامات الموجهة لهذه الأطراف في شكل تساؤلات، مثل: هل هو تورط بعض أصدقائهم أو شركائهم فيها؟ هل لأن هذه القضية قد تكشف الجهاز السري الحقيقي والغرف المظلمة الفعلية؟
العريض يؤكد التسريبات
الأسئلة التي طرحها العريض تؤكد، وفق مراقبين، صحة التسريبات، فالرجل يطرح أسئلة هو متأكد من أجوبتها، لا سيما عندما يقول: لماذا كل هذا التعتيم وكل هذه الجهود لإلهاء المواطنين عن قضية بهذا الحجم وهذه الخطورة؟ وأن كشف الحقيقة واجب على السلطة، وحق للمواطنين.
ودعوته لمعرفة حقيقة التآمر؟ وحقيقة التخابر؟ وحقيقة استهداف قيادات حركة النهضة المشار إليها آنفاً دون غموض؟
ثم ما الجرائم المرتكبة أو التي تم التخطيط لارتكابها؟ (تم وضع النقاط على حروف الأسئلة آنفاً) من هم الضالعون فيها؟ ما وظائفهم اليوم؟ وهل ما زالوا يشغلونها (يشير لأطراف نافذة جداً داخل السلطة الحاكمة اليوم)؟ ما أهدافهم؟ من معهم؟ ومن وراءهم في الداخل، وفي الخارج؟
ثم أكد أنه لا بد للحقيقة أن تظهر مهما حاولوا إخفاءها أو طمسها.
صراعات داخل السلطة
لا شك أن هناك صراعات ظاهرة للعيان في رأس السلطة، وهناك حرب شقوق حقيقية في قصر قرطاج، أدت إلى ملف قضائي خطير جداً، حيث تم استدعاء شخصيات سياسية بارزة للمثول أمام قاضي التحقيق.
وهناك شخصيات عامة تم استدعاؤها أيضاً للمثول أمام القضاء بتهم قد تصل عقوبتها إلى السجن المؤبد وحتى الإعدام، في وقت يتم الحديث فيه عن استقالات بالعشرات داخل القصر الرئاسي، وفرار إلى الخارج.
ومن بين المتهمين فاضل عبدالكافي، وزير التعاون الدولي الأسبق الرئيس الحالي لحزب آفاق تونس، وحكيم بن حمودة، وزير المالية الأسبق الخبير الاقتصادي في عدة هيئات دولية، ومفدي مسدي، المستشار السابق المسؤول عن الاتصال لثلاثة رؤساء حكومات رئيس مجلس النواب، ومايا قصوري، ناشطة يسارية وإعلامية، وسوسن معالج، ممثلة، ونادية عكاشة، رئيسة ديوان رئيس الجمهورية السابقة، وشهرزاد عكاشة، محامية وناشطة إعلامية، وملاك بكاري، مقدمة برامج في قناة التاسعة المعروفة بانتماء ملاكها لنظام بن علي، وتشيعها لفرنسا، ثم ركوبها موجة سعيّد، أو ما يعرف بالموالاة المنافقة، إلى جانب إعلاميين آخرين ورجال أعمال، لم يكشف عن أسمائهم حتى الآن.
ويتم الآن التحقيق في جرائم “تكوين وفاق بغاية الاعتداء على الأملاك والأشخاص والتآمر على أمن الدولة الداخلي، وربط اتصالات مع أعوان دولة أجنبية، الغرض منها الإضرار بحالة البلاد التونسية من الناحية الدبلوماسية، والتدليس ومسك واستعمال مدلس وارتكاب فعل موحش في حق رئيس الدولة قيس سعيّد”، وهو ما يصفه البعض بمحاولة الاغتيال.
لكن مصادر كثيرة كشفت عن أن السرية التامة التي تجري فيها التحقيقات وعدم اعتقال بعض المشتبه بهم يوحي بأن الملف في طريقه للغلق؛ لأن المدبر الرئيس فرنسا التي تملك كل الوسائل لركنه في زاوية النسيان، اللهم إذا كانت هناك قوى دولية أخرى ستستغل القضية لضرب النفوذ الفرنسي بشكل مؤثر ولو إلى حين.