تعود إلى دائرة الضوء من جديد قضية محاولة جهاز الموساد اختطاف شابين فلسطينييْن أثناء وجودهما في ماليزيا، وذلك بعد قرار القضاء الماليزي تأجيل الجلسة الأولى لمحاكمة الخلية المتهمة بالتخطيط وتنفيذ العملية التي كشفت تفاصيلها في أكتوبر الماضي.
ويوم الخميس قررت محكمة البداية بالعاصمة كوالالمبور تأجيل الجلسة الأولى لمحاكمة 11 فردا من الخلية إلى منتصف الشهر القادم.
وللاقتراب أكثر من تفاصيل هذه العملية -خصوصا في ظل الكشف عن اعتقال الأمن التركي خلية مماثلة بإسطنبول- تابعت “الجزيرة.نت” ما ورد في الإعلام المحلي وسجلات الشرطة الماليزية، وتحدثت لمصادر موثوقة مطلعة على تحقيقات القضية، لكشف أساليب الموساد في تجنيد عناصره.
مسؤولة الخلية
البداية، من نيداراهايو زينال (34 عاما) مسؤولة الخلية، والتي تعمل كمحقق خاص بشركة أمنية، ويعتقد أن الموساد تمكن من تجنيدها عام 2018 الذي شهد اغتيال العالم الفلسطيني فادي البطش في كوالالمبور.
ويذكر مصدر مطلع على التحقيقات -طلب عدم الإشارة لاسمه- أن زينال تلقت تدريبات خاصة على يد خبراء الموساد بدول أوروبية، وتم تكليفها بتنفيذ عمليات سابقة لصالح الجهاز “الإسرائيلي” في عدة دول.
وفي حديثه للجزيرة نت، أضاف المصدر ذاته مزيدا من التفاصيل فقال إن زعيمة الخلية كانت على اتصال دائم مع مشغلها “الإسرائيلي” الذي يقيم بدولة أوروبية، وكانت تتلقى راتبا شهريا من الموساد، بالإضافة لتأمين المسكن والسيارة.
وأفادت وسائل إعلام محلية أن الموساد طلب من زينال تشكيل فريق من عناصر محلية لمتابعة “أنشطة حركة حماس في ماليزيا، وتعقب كوادرها“.
تكليف الموساد
وتمكن جهاز الموساد -من خلال عمليات المراقبة والتتبع التي يقوم بها- من معرفة أن الشابين الفلسطينيين “المستهدفين” -اللذين يزعم الجهاز أن لهما علاقة في وحدة السايبر التابعة لحماس- قد انتقلا من تركيا إلى ماليزيا، فأعطى تعليماته لاختطافهما من كوالالمبور بأسرع وقت ممكن.
وكما ورد بسجلات التحقيق، فإن مسؤولة الخلية لم تقم بنفسها باختيار فريق الاختطاف، وإنما اعتمدت على عميل متعاون وأوكلت له تنفيذ المهمة، وقد أشارت وسائل الإعلام إلى اسم هذا العميل المتعاون، لكن التحقيقات لم تثبت حتى الآن علمه المسبق بأن العملية تخص جهاز الموساد.
وقام العميل المتعاون باختيار فريق مكون من 22 شخصا -معظمهم كوادر بعصابات جرائم ليس لها ارتباط بالموساد- وتم تقسيمهم لمجموعات، بعضها للمراقبة والتتبع وتأمين الدعم اللوجستي للعملية، بينما كلف 4 منهم بتنفيذ عملية الاختطاف.
وهنا يشير المصدر إلى أن الموساد لجأ إلى هذه العناصر ليبقى بعيدا عن دائرة الضوء والشبهات، خصوصا أنه قد سبق له تنفيذ عمليات على الأرض الماليزية.
ويبدو أن “الإسرائيليين” -يتابع المصدر- كانوا يهدفون إلى رفع الدعم عن هذه العناصر بعد إنجاز المهمة التي كان يخطط أن تنتهي بالتخلص من الشاب المختطف.
صيد ثمين خارج القفص
وكما يقال “من مأمنه يؤتى الحذر” فقد أشارت سجلات التحقيق إلى أن واحدا من أهم الأسباب التي أدت لاكتشاف الخلية، هو الاعتماد على هذه العناصر المحلية لتنفيذ عملية الاختطاف.
ولم يدُر في خلد الخاطفين أن مهمتهم القادمة ستكون تحت السمع والبصر، ولم يدركوا أهمية الصيد الثمين الذي ينتظرهم إلا بعد حين؛ فتوجهوا يوم 28 سبتمبر الماضي لتنفيذ العملية دون أخذ أدنى الاحتياطات، حتى إنهم لم يغطوا وجوههم، ولم يخفوا لوحة سيارتهم، ولم ينتبهوا إلى أي من أساليب التمويه والتخفي.
وبالفعل، تم تنفيذ العملية برعونة في شارع حيوي وسط كولالمبور، بعد أن تناول الشابان المستهدفان العشاء بمركز تجاري، وقد نقلت مواقع صهيونية أن العملية احتوت على إخفاق عملياتي واضح، وانتهت بطريقة مختلفة عن تلك التي خطط لها.
فقد فشل الخاطفون في تحديد هوية الشخص المطلوب، فقام 4 منهم بتوقيف سيارة الشابين الفلسطينيين واعتدوا على سائقها بالضرب وأرغموه على ركوب سيارتهم “ظنا منهم أنه الشخص المطلوب” وقالو له “رئيسنا يريد التحدث معك“.
وطلبوا من الشخص المطلوب الابتعاد بهدوء عن مكان الحادث، فقام بدوره بإبلاغ الشرطة مباشرة، والتي تمكنت من تحديد مكان الخاطفين ومداهمتهم خلال أقل من 24 ساعة.
في قبضة عملاء الموساد
وقد نُقل الشاب المختطف إلى غرفة بمنتجع هادئ يقع في ولاية سيلانغور، على بعد نحو 20 كيلومترا من وسط العاصمة، ويبدو أن العزلة التي تتمتع بها المنطقة هي التي أغرت الخاطفين لاختيار هذا المنتجع مكانا لتنفيذ عمليتهم.
ووفق سجلات التحقيق، فقد أفاد المختطف أنه تم تقييده إلى كرسي وهو معصوب العينيين، ثم بدأت عملية الاستجواب عبر مكالمة فيديو، شارك فيها “إسرائيليان” يعتقد أنهما ضابطا موساد.
“أنت تعرف سبب وجودك هنا”.. كانت أول كلمة سمعها المختطف من المحققين، قبل أن يتعرض للضرب من أجل الحصول على اعترافات بشأن أنشطة حماس السيبرانية ونقاط قوتها بهذا المجال.
لحظة فارقة
وهنا كانت لحظة فارقة -حيث يشير المصدر المقرب من التحقيقات- إلى أن الخاطفين أدركوا أن لديهم صيدا دسما، وأنهم في خضم عملية دولية كبيرة.
فبدأت عملية تفاوض لكن من نوع آخر بين الخاطفين ومشغليهم في الموساد، وطالبوا خلالها برفع أجرهم على العملية وتأمين مغادرتهم من مسرح العملية، وإنهاء علاقتهم بها بعد إنجازها.
وقد استغرقت هذه المفاوضات وقتا، وربما كان لها أثر بالغ في إطالة أمد التحقيق مع المختطف، وهو ما مكّن الشرطة من الوصول إلى المكان قبل التخلص من الضحية.
ونقلت وسائل إعلام محلية أن الشرطة داهمت الغرفة في عملية أطلقت عليها اسم “العقرب” وكان التحقيق لا يزال جاريا مع المختطف، وكان آخر سؤال وجه له “أي من قيادات حماس التقى بهم صديقه الذي كان من المفترض أن يكون هو المختطف؟“.
ويعتقد على نطاق واسع أن الموساد قد وضع عددا من الفلسطينيين الذين يعيشون في ماليزيا على قوائم الاستهداف.