صفعة قوية تلقاها الانقلاب في تونس، في الذكرى الثانية عشرة للثورة، حيث فشل في إقناع التونسيين للمشاركة في الانتخابات التشريعية المبكرة، التي ستحسب نتائجها، التي وصفت من قبل صحفيين أثناء الندوة الصحفية لهيئة الانتخابات بـ”المهزلة والضعيفة”، ستحسب لصالح دعوات المقاطعة التي أعلنتها المعارضة، حيث لم تتجاوز نسبة المشاركة 9%؛ أي أقل من 900 ألف صوت، في حين بلغت في انتخابات عام 2019 أكثر من 41%.
وقد أضيفت نتائج الانتخابات “الهزيلة والفضيحة”، بتعبير البعض، إلى سلسلة الهزائم التي مني بها الانقلاب منذ 25 يوليو، حيث لم تزد نتائج الاستشارة الإلكترونية عن نسبة 5%، المتعلقة بمطالب مهدت للاستفتاء على الدستور الذي لم يتجاوز نسبة المشاركين فيه 25%، وهو ما لا يسمح ببناء عقد اجتماعي (دستور)، لكن قيس سعيّد مضى ولم يبال.
وحتى العدد الذي شارك في الاستفتاء تبخّر في الانتخابات؛ مما يكشف عن تراجع مهول في شعبية قيس سعيّد وتحوّل كبير في الرأي العام بتونس سيكون له ما بعده.
النتائج الرسمية
ما أن أعلن رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس فاروق بوعسكر، مساء أمس السبت 17 ديسمبر، عن نتائج الانتخابات شبه النهائية، حتى شعر بقايا أنصار الانقلاب بخيبة أمل كبيرة، ستزيد من متاعب الانقلاب في الداخل والخارج، إذ بلغت النسبة 8.8% إلى غاية الساعة السادسة مساء بتوقيت تونس أي 803 آلاف و638 ناخباً فقط، وما سيضاف للرقم والنسبة المعلنة هزيل جداً بتعبير بوعسكر.
وتفاصيل الانتخابات تشير إلى أن 34% من النساء أي 272 ألفاً و630 امرأة شاركت، وهناك 66% من الرجال عددهم 530 ألفاً و8 من العدد الإجمالي للمصوتين، أما نسب الإقبال حسب الفئات العمرية فهناك 5.8% من الفئة العمرية 18.25 سنة، و26.7% 26.45 سنة، و32.7% 40.60 سنة، و34.8% من المقترعين من الفئة العمرية التي تتجاوز 60 سنة.
تجاوزات بالجملة
إلى جانب مواطنين تحدثوا عبر وسائل التواصل الاجتماعي عن رشى وشراء الأصوات مقابل 10 دنانير تونسية، أكدت جمعيات مراقبة ورصد الانتخابات وجود إخلال في العملية الانتخابية، منها ما أشار مرصد “شاهد” لمراقبة الانتخابات ودعم التحولات الديمقراطية إلى أنّ عمليّة الاقتراع أظهرت تواصل ضعف الإقبال وخرق الصمت الانتخابي وتسجيل ارتكاب مخالفات متنوّعة خاصّة في محيط مراكز الاقتراع.
وأفاد مرصد شاهد، في بيان، أنه رصد عديد الخروقات، منها توزيع الأموال على الناخبين، من ذلك ما تم تسجيله في محيط مركز غرة جوان بمركز اقتراع توزر المدينة، وكذلك في مركز بئر الحفي بسيدي بوزيد، وكذلك تسجيل نقل الناخبين لمكاتب الاقتراع بواسطة سيّارات إدارية وخاصّة على غرار ما تم تسجيله في محيط مركزي بوعبدلله و2 مارس بسوق الأحد قبلي ومركز حي السعادة بالفحص ومركز غرة جوان بتوزر ومنطقة هيشر بالنفيضة، فضلاً عن تواصل الدعاية الانتخابية من طرف ممثلي المترشحين في محيط مراكز الاقتراع.
دعوة لانتخابات رئاسية مبكرة
بعد النتائج الهزيلة وغير المسبوقة لانتخابات 17 ديسمبر، دعا عبدالرزاق الخلولي، رئيس المكتب السياسي لحراك 25 يوليو، الداعم لسعيّد، إلى انتخابات رئاسية سابقة لأوانها، بعد تسجيل نسبة مشاركة ضعيفة في الانتخابات التشريعية.
فيما قال محمد المسليني، القيادي بحركة الشعب المؤيدة لسعيّد: إنّ نسبة المشاركة في الانتخابات ضعيفة جداً، ولا تفرح أي أحد، على حد تعبيره، مضيفاً، في تصريحات للصحفيين، أنّ مسألة عزوف الناخبين والقطيعة تتعمّق، مشيراً إلى أنّ هيئة الانتخابات أدت دوراً في ذلك، لكنّه يرى بأنّ انفراد الرئيس بالقرار أدى لهذه النتائج.
وطالبت جبهة الخلاص الوطني بعزل الرئيس سعيّد، وتولي هيئة انتخابات مستقلة مشهود لأعضائها بالنزاهة الإشراف على انتخابات رئاسية مبكرة.
وقال رئيس جبهة الخلاص الوطني أحمد نجيب الشابي، خلال مؤتمر صحفي، مساء أمس السبت: إن النتائج تؤكد أن الشعب خاب أمله في هذا الانقلاب، والعزوف بنسبة 92% يمثل زلزالاً بدرجة 8.8% بمقياس ريختر.
صفعة مدوية للانقلاب
وقالت حركة “النهضة”، عبر حسابها على “فيسبوك”: شكراً للشعب التونسي العظيم ويسقط الانقلاب.
واعتبر حزب العمّال أنّ الشعب التونسي وجّه صفعة مدوّية وطعنة قاتلة لسعيّد وللمجلس النيابي القادم الذي اعتبره الحزب مجلس دمى أراد بعثه سعيّد لتشريع انقلابه ونظامه الشعبوي الاستبدادي والاستيلاء على ذكرى انطلاق الثورة التونسية.
ودعا الحزب الشعب التونسي والقوى التقدمية السياسية والاجتماعية والمدنية إلى اعتبار نظام سعيد “خارج الشرعية ومنتهياً”، مشدّداً على ترحيله فوراً باعتباره خطراً على تونس وشعبها لاحتكامه لنفس خيارات التبعية والتفقير والاستبداد التي ثار ضدها شعبنا في مثل هذا اليوم من عام 2010.
سعيّد فقد الشرعية
وقال أستاذ القانون الدستوري أمين محفوظ: إنّ نسبة 92% من الشعب التونسي قاطعت الانتخابات، معتبراً أنّ الشعب بذلك أجاب سعيّداً بعدم رضائه على الانتخابات وعلى الخيارات التي انتهجها.
واعتبر محفوظ أنّ سعيّداً افتقد الشرعية واليوم فقد المشروعية، وأجابه الشعب عن خياراته ومراسيمه بمقاطعة الانتخابات، مشدّداً على ضرورة تنظيم انتخابات سابقة لأوانها.
وقال أستاذ القانون الدستوري: إنّ سعيّداً التزم بنظام ديمقراطي في الأمر (117) ولكنه لم يحترم الالتزام.
يذكر أنه في أكتوبر 2011 وصلت نسبة المشاركة بانتخابات المجلس الوطني التأسيسي إلى 54.1%، وفي عام 2014 كانت نسبة المشاركة بالانتخابات التشريعية 69%، وفي عام 2019 بلغت نسبة المشاركة 41.3%، في حين انحدرت النتائج في الانتخابات التشريعية 2022 إلى 8.8% فقط، وهو ما لا يحتاج لأدلة أكبر من ذلك على تدهور شعبية سعيّد الذي نسج المسار بمفرده، فأورد الشعب المهالك، وفق معارضيه، ومن زرع الشوك لن يحصد العنب.