اتهامات متكررة بوجود حملات مموَّلة ومدروسة لهدم الأسرة في الوطن العربي، لكن عززها في الأيام الأخيرة تصريحات من العيار الثقيل لشيخ الأزهر د. أحمد الطيب الذي صرح، في مؤتمر كازاخستان الأخير لرموز الأديان، بأن هناك حملات ممولة ومدروسة لهدم الأسرة.
وقد أكدت تلك التصريحات وجود المؤامرة لرافضي نظرية المؤامرة، وكشفت ظهر مدبري تلك الحملات، بحسب مراقبين وخبراء حددوا، في تصريحات لـ”المجتمع”، بعض تلك الأطراف الممولة والمحركة لتلك الحملات السلبية.
بداية، يرى المتخصص في العلوم السياسية والحركات الإسلامية د. كمال حبيب أن من يقف وراء الحملات الممولة والمدروسة لهدم الأسرة، هم: اليمين الأمريكي المتطرف وبرامجه الإعلامية الممولة ضد الإسلام ومؤسسة الأسرة، وبعض العاملين في مجال حقوق الإنسان، والحركة النسوية المتطرفة، ومجموعات من العلمانيين لا ترى في منظومة الأسرة خيراً.
وقال د. حبيب، في تصريحات لـ”المجتمع”: أول المتهمين البرامج التي يقدمها مذيعون مصريون وعرب في قناة «الحرة» التي أصبح معلوماً أنها ممولة من اليمين الأمريكي المتطرف لنقد الدين الإسلامي بكل ثوابته، بدءاً من التشكيك في الكتاب العزيز والسُّنة المطهرة الصحيحة خاصة صحيح البخاري، وما يعتبر أساساً لقيام الحضارة الإسلامية والعمران البشري وتحقيق الاستخلاف في الأرض، وأهمها الأسرة التي تعتبر عماد الوجود والبقاء، وهي خط الدفاع الأخير والرئيس للحفاظ على الإسلام وحمل أمانته.
واتهم د. حبيب مَنْ وصفهم بـ”مرتزقة حقوق الإنسان” بالمشاركة في حملات هدم الأسرة، قائلاً: مرتزقة حقوق الإنسان الذين يبحثون عن الشهرة هم ضمن شبكة نسوية عابرة للحدود تنفق عليها جهات مشبوهة لهز مبدأ القوامة وإثارة معركة متوهمة بين الرجال والنساء، وإغراء النساء بالطلاق والخلع والتمرد تحت عنوان زائف هو المساواة بين الرجل والمرأة.
وقال: هناك أجندة للحركة النسوية في العالم وهي التمركز حول الزوجة بحيث تضنّ المرأة بنفسها حتى على أولادها وزوجها بحقوقهم؛ فهي لا تبحث إلا عن حقوقها هي، وهذه الحركة النسوية بدلاً من البحث عن مشكلات المرأة الحقيقية، فإنها توظف تلك المشكلات لتحطيم الأسرة.
وأضاف د. حبيب: هناك قبيلة العلمانيين التي وظفت جهدها عبر قنوات تفتح لهم أبوابها وبرامج يقدمونها ويتبجحون بإعلان الهجوم على ثوابت الدين الإسلامي وحده، منتهزين فرصة توظيفهم من قبل بعض النظم السياسية والأجنحة داخل هذه النظم لتوهين الإسلام ونظامه الاجتماعي في نفوس المسلمين، وهؤلاء العلمانيون المتطرفون بدلاً من مناقشة قضايا حقيقية ذهبوا إلى تبني النسوية من أجل تحقيق أهدافهم بضرب الأسرة؛ حيث إن العلمانية فشلت وأفلست؛ فاتجهوا للنسوية باسم العلمانية لضرب الأسرة وقيمها وتهديد السلم الاجتماعي وإثارة القلق في المجتمع حتى داخل البيت الواحد.
طائفة من اللادينيين
ويؤكد وكيل وزارة الصحة المصرية الأسبق الخبير السكاني والمجتمعي د. مصطفى جاويش، في حديث لـ”المجتمع”، أن الأمة العربية والإسلامية واجهت حملات ممنهجة ضد الأسرة منذ فترة طويلة، وأتت تصريحات شيخ الأزهر لتكشف النقاب عن حقيقة تلك الحملات، وأنها ممولة من جهات معينة، وهذا يوضح لغز استمرارية تلك الحملات واتساع نطاقها، وقوة تأثيرها على أرض الواقع.
ويشير د. جاويش إلى أن مؤسسة الأسرة هي الحاضنة الأولى التي تهتم بنمو ورعاية الفرد المسلم وتنشئته على الفطرة الإسلامية والسلوكيات القويمة، وتعتبر مؤسسة الأسرة هي الركيزة الأولى والأساسية في بناء المجتمع ونموه وتطوره، وتشمل الأسرة المكونات العددية من الأفراد، وما يتبعها من مخرجات إيمانية مع الله، وأخلاقية مع النفس، وسلوكيات مع أفراد المجتمع والبيئة المحيطة المادية والمعنوية، ومن هنا كان الاستهداف لجميع تلك المكونات بصورة شاملة.
ويوضح د. جاويش أنه من حيث أفراد الأسرة، كانت الدعوات إلى جوهر تحديد نسل الأسرة المسلمة الذي اتخذ صوراً عديدة وأشكالاً متعددة؛ تحت مسميات كثيرة خادعة بداية من تنظيم الأسرة، إلى المباعدة بين مولود وآخر انطلاقاً من حق الطفل في الرضاعة الطبيعية، وصولاً إلى فكرة الصحة الإنجابية وتحجيم عدد أفراد الأسرة بزعم تحسين الصحة الجسمانية والنفسية والعاطفية.
ويضيف أن هذه الموجة تصاعدت لتصب السهام نحو المطالبة بالحق في الإجهاض، ثم في تمييع تعريف الزواج كما تم عرضه في توصيات مؤتمر القاهرة الدولي للسكان عام 1994م، والذي تصدى له بكل قوة د. جاد الحق، شيخ الأزهر الأسبق، ومعه جميع مؤسسات وهيئات المجتمع المدني بقيادة نقابة أطباء مصر، وتم بالفعل تعديل التوصيات لتتناسب مع العقيدة حسب كل مجتمع، وكانت الفكرة وقتها هي إصدار الوثيقة من القاهرة بلد الأزهر الشريف لما لها من دلالات مهمة في جميع دول العالم، وخابت المحاولة وفشلت، ولكنها عادت حالياً من جديد تحت مسميات أخرى مدعومة من الإعلام الغربي، وكان أشهرها دخول مؤسسة «والت ديزني» بأفلامها الكرتونية المبهرة لتزييف وجدان الطفل المسلم واستهداف القيم الإسلامية حول فكرة الزواج في جوهرها وغاياتها.
ويشير د. جاويش إلى أنه وبالتوازي، انتشرت دعوات ما يسمى بمجتمع التاء المربوطة أو الحركة النسوية، وتهدف إلى تعظيم مكانة المرأة في مواجهة عدو هلامي أطلقوا عليه اسم «الذكورية» أو «المجتمع الذكوري»، وبدأت الندوات وحوارات الفضائيات حول طلب المساواة في أنصبة المواريث، وحول قوانين الأحوال الشخصية وحق المرأة في طلب الطلاق، وتطور الأمر إلى تحريض سافر للزوجة على عدم طاعة الزوج في أدق الخصوصيات والواجبات الأسرية، وكانت النتيجة هي ارتفاع نسب الطلاق من ناحية، وزيادة نسبة العنوسة في مجتمعاتنا من ناحية أخرى.
ويرى د. جاويش أن تلك الحملات تصدر عن طائفة من اللادينيين تحت اسم العلمانية والحداثة وحرية الفكر، وبنظرة شاملة يبدو واضحاً للعيان أنها تتجمع داخل إطار منهجي لهدم الهوية الإسلامية للمجتمع، ويستهدف بصورة مباشرة مؤسسة الأسرة.
«لوبيات» داعمة للشذوذ
أما عضو مجلس أمناء ثورة 25 يناير النقابي ياسر صديق حسين، فيرى أن هناك «لوبيات» في كل دول العالم العربي تدعم التفكك الأسري، وتتمتع ببعض الحماية الرسمية في بعض الدول أو غض الطرف عنها، بسبب حماية الغرب لها؛ لتمرير مخططاتها التي أعلنها بوضوح في مؤتمرات أممية دعمت الشذوذ والأسرة ذات اللون الواحد والعلاقات خارج إطار الشرع كالمساكنة وغيرها.
ويضيف، في حديث لـ»المجتمع»، أنه بعد هدم الحياة السياسية والقضاء على الحريات وطموحات الشباب بعد «الربيع العربي» في الحرية السياسية والاستقلال الوطني، بات ظاهراً مساعي إذلال المجتمعات العربية وفي القلب منها الأسر اقتصادياً، بحيث تمضي تفكر في العوز فقط، وتتصاعد في داخلها المشكلات الاقتصادية التي قد تفتك بها؛ وهو ما حدث، استغلالاً للأزمات العالمية المدبرة، وبالتوازي مع ذلك بدأ اللعب على تفكيك الأسر العربية.
ويثمن حسين يقظة الأزهر وشيخه في فضح تلك المخططات، التي بدت تتحرك في العلن ودون استحياء، بضرب الثوابت والتلاعب بالألفاظ الدينية، ومحاولة اختراق السياج الأسري تحت مبررات حل الأزمات الأسرية بطرق تؤدي إلى زيادة أزماتها عبر زيادة تضخيم الذات واللعب على وتر استقلال المرأة وإثارة الصراع بين الرجال والنساء، لعلم تلك «اللوبيات» أن تفكك الأسرة يعني تفكك المجتمعات والدول.
وضرب حسين المثال بما يحدث في تونس، من إصرار على استهداف كل مكتسبات «الربيع العربي» فيها، وصولاً إلى محاولات تمرير قوانين مخالفة للثوابت في مجال الأسرة، وما يتوازى مع ذلك في إنهاك المجتمع والأسر بضغوط اقتصادية تدفع إلى تفكك بنية العائلات وتأخر سن الزواج.