قال الله تعالى في كتابه العزيز: (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) (الشورى: 38)، وقال جل جلاله: (وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ) (آل عمران: 159).
المشاورة والاستشارة والمشورة ليست تخصصاً في الحروب والأزمات فقط، وخصوصاً في مثل أيامنا هذه، واقتحام الحروب الناعمة الميادين بتنوعها الاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية والإعلامية.. فمن الضروري الاستمرار والتأكيد على المشورة والاستشارة، ومن الضروري جداً حسن اختيار المستشار.
فالمسؤول الفطن الحريص على العباد والبلاد لا يختار مستشاراً إلا إذا كان ذا علم ودين وخبرة وأمانة وإخلاص، ولديه دقة في معرفة الحسن والأحسن، والسيئ والأسوأ، والمهم والأهم، ويحسن اختيار الأولويات.
فالاستشارة هي تلك النصيحة التي يقدمها ذلك المتخصص للوصول إلى النتيجة الأصلح والأفضل، هذا تعريف الاستشارة، في نظري.
أما المستشار، فهو الإنسان المتخصص الذي يستعين به المسؤول بعد الله تعالى، حيث يكون متخصصاً ومتميزاً، وذا خبرة وتجربة اكتسبها خلال مشواره الطويل في مجال عمله.
ولا يختلف اثنان على أن الشورى في الشريعة محور من محاور المسار السياسي للإسلام ودولته، ومن غير هذه الشورى تكون الدولة المسلمة بداية وقبل كل شيء وقعت في مخالفة شرعية، ومن ثم تكون الشخصيات السلطوية والدكتاتورية والاستبدادية هي صاحبة الحظ الأوفر في أخذ القرارات؛ ومن ثم فالنتيجة معلومة، إذا لم تكن هذه الدولة سريعة الانحدار، فمع الزمن، لا شك، سقوطها آتٍ لا محالة.
فالشورى في الشريعة الإسلامية أمر لا خلاف عليه، بل من فقدان الفطنة والكياسة عدم الأخذ بالمشورة والشورى، وحقيقة الأكثر فقداناً للكياسة سوء اختيار المستشار.
والمستشارون أنواع؛ فهناك المتخصص، كما ذكرنا آنفاً، حسب القضية المطروحة أو الموضوع؛ سياسياً، اقتصادياً، اجتماعياً، شرعياً.. إلخ، وهناك المشورة العامة، وهي التي تنضج، وتكون أكثر فائدة بحسن اختيار الشارع المسلم للمستشارين العامين؛ كاختيار أعضاء البرلمان، وهؤلاء يبدون رأيهم للمسؤول والشارع حسب لوائح القانون وتفاصيل الشريعة وموادها دستورياً في الموضوعات والقضايا المختلفة.
اختيار المستشار بالنسبة للمسؤول في الدولة المسلمة من أخطر المسؤوليات، فبحسب اختيار المستشار صاحب الخبرة والعلم والأمانة والتجربة يكون النجاح؛ عملاً وتطويراً مستقبلاً، فبمثله نكون إلى الحقيقة أقرب، وتحييد الفساد بشكل أسرع.
أما سوء اختيار المستشار فيكون سبباً في نفور كل منصف صاحب ضمير لا يرغب بالتعامل والعمل مع هذا المسؤول، والذين لم يقدموا إلا ما دون المستوى، والاقتصار على المصالح الشخصية، وهذا لا يؤذي المسؤولين السيئين الذين هم خلف الكواليس، ولكنه أكثر ما يؤذي ويسيء إلى المسؤول النظيف المنصف الظاهر للشارع.
أختم وأقول: الاستشارة موجودة في كل مكان، وفي كل موقع من مواقع الحياة؛ في العمل والعامل، في الأسرة وأفرادها، وفي المسؤولية الكبيرة والصغيرة، ولا يستغني عنها ويهملها إلا من فقَدَ الفطنة والكياسة.
_________________
(*) إعلامي كويتي.