كان 2022 في تونس عاما لم تهدأ فيه الساحة السياسية، إذ شهدت محطات مفصلية في مسار الرئيس قيس سعيد الذي بدأه منذ 25 يوليو/تموز 2021 بإقرار إجراءات استثنائية.
فمنذ مطلع العام، بدأ سعيد بتركيز مؤسسات نظامه الجديد عبر تصفية الهيئات القديمة التي نصبت بمقتضى دستور 2014 واستحداث أخرى جديدة.
مراحل تركيز مؤسسات النظام الجديد مرت عبر إجراء استشارة إلكترونية (استفتاء)، ثم حل المجلس الأعلى للقضاء وهيئة الانتخابات والبرلمان، فإحداث لجنة استشارية لصياغة الدستور.
كذلك شهد العام 2022، تنظيم حوار وطني ووضع قانون انتخابي جديد وتركيز دستور جديد، وانتهت بتنظيم انتخابات تشريعية في 17 ديسبمبر/كانون الأول.
** الاستشارة الإلكترونية:
في منتصف يناير/كانون الثاني، انطلقت الاستشارة الإلكترونية (استفتاء) عبر موقع إلكتروني يضم مجموعة أسئلة، وقيل آنذاك إنها تهدف إلى “إشراك المواطن في عملية التحول الديمقراطي بالبلاد”، وسط دعوات قوى المعارضة لمقاطعتها.
وكان سعيد قد أعلن، في أكتوبر/تشرين الأول 2021، أنه سيتم إطلاق استشارة شعبية ستنطلق منتصف يناير 2022 وتنتهي في 20 مارس/آذار (ذكرى يوم الاستقلال).
وستتولى لجنة يتم تحديد أعضائها وتنظيم اختصاصاتها لاحقا، التأليف بين مختلف الآراء والأفكار، قبل يونيو/حزيران.
وتزامنا مع انطلاق الاستشارة، دعت أحزاب عديدة معارضة لإجراءات سعيد التونسيين إلى الخروج للشارع يوم 14 يناير احتفالا بالذكرى 11 للثورة ورفضا لإجراءات سعيد.
وفعلا تظاهرت في العاصمة أحزاب “تنسيقية القوى الديمقراطية” التي كانت مؤيدة في البداية لإجراءات 25 يوليو 2021، بالإضافة إلى أحزاب وشخصيات أخرى رافضة منذ البداية لإجراءات سعيد.
وشارك في هذه الاستشارة أكثر من نصف مليون تونسي (من أصل أكثر من 12 مليون نسمة)، ووافق 86.4 بالمئة من المشاركين فيها على التحول إلى نظام رئاسي في البلاد.
** حل “الأعلى للقضاء”
أما عن أولى خطوات سعيد لحل الهيئات القديمة، فبدأها بالإعلان يوم 2 فبراير، عن حل المجلس الأعلى للقضاء، قائلا: “فليعتبر هذا المجلس نفسه في عداد الماضي من هذه اللحظة”.
وأعقب سعيد هذه الخطوة بتوقيع مرسوم يوم 13 فبراير، يقضي باستحداث “المجلس الأعلى المؤقت للقضاء”؛ مما أثار احتجاجات ورفض من هيئات قضائية وقوى سياسية عديدة في البلاد وانتقادات دولية واسعة ودعوات له بالتراجع عن قراره.
وأعرب “الأعلى للقضاء” عن رفضه المطلق لحله “في غياب آلية دستورية وقانونية تجيز ذلك”، وتمسكه بأنه “المؤسسة الدستورية الشرعية الوحيدة الممثلة للسلطة القضائية”، ورفضه لاستحداث مجلس قضاء مؤقت، معتبراً ذلك القرار “انحرافاً دستورياً”.
و”الأعلى للقضاء” هو هيئة دستورية مستقلة من مهامها ضمان استقلالية القضاء ومحاسبة القضاة ومنحهم الترقيات المهنية، وأُجريت أول انتخابات له في 23 أكتوبر/ تشرين الأول 2016.
وكان سعيد اعتبر، في تصريحات سابقة، أن القضاء “وظيفة من وظائف الدّولة”، كما لمح في مناسبات سابقة إلى احتمال حل المجلس الذي سبق وأن أعلن رفضه إصلاح القضاء بمراسيم رئاسية.
** البرلمان.. من التجميد إلى الحل
ورغم تجميد اخصاصاته وعضوية نوابه ضمن إجراءات 25 يوليو 2021، أقدم الرئيس التونسي، في 30 مارس، على حل مجلس النواب (البرلمان)، معللا قراره بأن البرلمان قام ب”محاولة انقلابية فاشلة”، وذلك بعد ساعات من إقرار البرلمان، في جلسة عامة افتراضية قانونا يلغي الإجراءات الاستثنائية التي اتخذها سعيد.
ورفض البرلمان حله معتبرا أن البلاد تشهد أزمة غير مسبوقة.
** هيئة الانتخابات
إجراءات سعيد طالت أيضا هيئة الانتخابات، حيث أصدر الأخير، في 22 أبريل، مرسوما رئاسيا لتعديل القانون الأساسي وتركيبة الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، يشمل تعيين أعضائها السبعة من قبل رئيس البلاد.
وقام يوم 10 مايو، بتعيين أعضاء الهيئة الجديدة برئاسة فاروق بوعسكر أحد أعضاء الهيئة السابقة.
وجاءت قائمة أعضاء مجلس الهيئة الجديدة متضمنة أعضاء سابقين بالهيئة وهم فاروق بوعسكر رئيسًا، وسامي بن سلامة عضوًا، ومحمد التليلي منصري عضوًا.
واتهم سعيد، أكثر من مرة، الهيئة بأنها “غير مستقلة” على الرغم من فوزه بالانتخابات الرئاسية عام 2019 تحت إشرافها.
والهيئة العليا المستقلة للانتخابات، هي هيئة دستورية أشرفت على الانتخابات منذ أكتوبر/تشرين الأول 2011، وتتكون من 9 أعضاء “مستقلين محايدين من ذوي الكفاءة”، ينتخبهم البرلمان بأغلبية الثلثين، ويباشرون مهامهم لفترة واحدة مدتها 6 سنوات، ويجدد ثلث أعضائها كل سنتين.
** لجنة استشارية وحوار وطني
وتمهيدا لوضع دستور جديد للبلاد يعوض دستور 2014، أعلن الرئيس التونسي، في 20 مايو/أيار مرسوما رئاسيا يقضي بتشكيل “الهيئة الوطنية الاستشارية من أجل جمهورية جديدة” برئاسة أستاذ القانون الصادق بلعيد، ولجنتين استشاريتين وأخرى لـ”الحوار الوطني” غابت عن جميعها الأحزاب السياسية.
وانطلقت، في 4 يونيو، أولى جلسات “الحوار الوطني” الذي دعا إليه سعيد واستثنى منه الأحزاب المعارضة، تمهيدا لاستفتاء على مشروع دستور جديد، بهدف الخروج من الأزمة السياسية في البلاد وسط مقاطعة الأحزاب الكبرى.
** دستور جديد واستفتاء
في 30 يونيو، نشر سعيد في جريدة “الرائد الرسمي” مشروع الدستور الجديد ويتكون من 142 مادة،
إلا أن رئيس الهيئة الوطنية الاستشارية المكلفة بصياغة الدستور الصادق بلعيد تبرّأ، في رسالة نشرها لجريدة “الصباح” التونسية (مستقلة)، من مشروع الدستور المنشور في الجريدة الرسمية.
واعتبر بلعيد أن المشروع “ينطوي على مخاطر ومطبات جسيمة ويمهد لنظام دكتاتوري مشين”.
فيما اعتبرت قوى تونسية أن المشروع “يكرس الانقلاب والاستبداد والحكم الفردي المطلق” ويمثل “انقلابا” على دستور 2014 الذي تم إقراره عقب ثورة شعبية أطاحت بالرئيس زين العابدين بن علي (1987-2011).
ويمنح دستور تونس الجديد سلطات أكبر لرئيس الجمهورية خلافا لدستور 2014، الذي يتقاسم فيه الرئيس السلطات مع البرلمان، ما يُعيد إرساء النظام الجمهوري الذي كان قائما قبل ثورة 2011، الذي يضمن سلطات أوسع للرئيس مع دور أقل للبرلمان.
وعرض الدستور الجديد على الاستفتاء، في 25 يوليو، ونال ثقة المصوتين بنسبة 94.60 بالمئة.
وشارك في عملية التصويت 2 مليون و458 ألف و985 ناخبا داخل تونس بنسبة مشاركة بلغت 27.54 بالمئة من الناخبين المسجلين.
ورفضت عدة قوى سياسية تونسية نتائج الاستفتاء على الدستور الجديد، على غرار “جبهة الخلاص الوطني”، و”حركة النهضة”، “والحملة الوطنية لإسقاط الاستفتاء (ائتلاف لخمسة أحزاب يسارية)”، على اعتبار أن 75 بالمائة من الشعب لم يشاركوا في الاستفتاء عليه.
** قانون انتخابي جديد
وفي منتصف سبتمبر/أيلول، أصدر سعيد قانونا انتخابيا جديدا يحل محل القانون الانتخابي القديم (2014)، ويشمل الجديد الاقتراع على “الأفراد” على دورتين عوض الاقتراع على القائمات الانتخابية، إلى جانب سحب “الوكالة” من النواب المنتخبين.
وأثار القانون الانتخابي الجديد، عدة ردود فعل في الساحة السياسية بين رفض وقبول بتحفظ.
ففيما قبلت الأحزاب المؤيدة للرئيس القانون مثل حركة الشعب (ناصري 15 نائبا في البرلمان المُحل)، والتيار الشعبي (ناصري)، وحركة تونس إلى الأمام، عبرت الأحزاب المعارضة عن رفضها للقانون.
** انتخابات تشريعية
مثلت الانتخابات التشريعية التي جرى الدور الأول منها في 17 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، آخر محطة في سلسلة الإجراءات التي اتخذتها سعيد هذا العام.
وحسب النتائج الأولية للدور الاول، مثلت حركة “شباب تونس الوطني” وائتلاف “لينتصر الشعب” وحركة “الشعب” أبرز القوى الصاعدة في البرلمان المقبل الذي سيخلو من المعارضة لمقاطعتها الانتخابات ضمن رفضها لإجراءات الرئيس سعيد الاستثنائية.
وسيكون إعلان النتائج النهائية للدور الأول، بعد النظر في أي طعون محتملة، في 19 يناير/ كانون الثاني 2023، على أن يُجرى الدور الثاني بعدها بـ15 يوما، وسيتم إعلان النتائج النهائية للانتخابات التشريعية في 3 مارس/ آذار المقبل على أقصى تقدير، وفق هيئة الانتخابات.
واتسم الدور الأول بتسجيل نسبة مشاركة ضعيفة بلغت 11.22 بالمئة من أصل 9.2 مليون ناخب.
واعتبرت أحزاب تونسية أن تدني نسبة المشاركة يعكس رفضا شعبيا لسياسات سعيد، ودعت إلى إجراء انتخابات رئاسية مبكرة.