المراهقة مرحلة صعبة مررنا بها جميعًا، ويمر بها أولادنا. فجأة تحدث التحولات فيتغير ذاك الطفل الوديع الذي كنا نعرفه إلى شخص آخر عصبي، ومزاجي، ومندفع، ولا يقدر العواقب، وأيضًا لا يحتمل النقد والتوجيه، إذ يعتقد أن الجميع ضده.
لكن على الجانب الآخر، يشتكي كثير من المراهقين من شعورهم بأن الآخرين لم يفهموهم، أو أساؤوا فهمهم. ربما كانوا على حق، فقد كانت تفسيراتنا التقليدية لسلوك المراهقين فجّة ومحبطة، ونستسهل إلقاء اللوم عليهم واتهامهم بالتمرد والاندفاع، وسوء التقدير والجهل، أو نلقي اللوم على هرموناتهم الجنسية “الهائجة“.
وغالبًا ما كانت شكاواهم من الألم العاطفي تدعو إلى السخرية، كما قالت عالمة الأعصاب سارة جين بلاكمور، مؤلفة كتاب “ابتكار أنفسنا: الحياة السرية لدماغ المراهق” (Inventing Ourselves: The Secret Life of the Teenage Brain): “ ليس من المقبول اجتماعيا الاستهزاء بالقطاعات الأخرى من المجتمع وشيطنتها… لكن الاستهزاء بالمراهقين وشيطنتهم يُعد أمرًا مقبولًا وعاديا في مجتمعنا“.
واللافت أن النظريات العلمية السابقة رسمت صورة غير متعاطفة، إلى حد ما، عن المراهقين وحياتهم، فأشعرهم ذلك بمزيد من الغربة؛ ففي الخمسينيات من القرن الماضي -مثلًا- اقترحت المحللة النفسية آنا فرويد أن المراهقين يحاولون “تطليق” والديهم، وقطع روابطهم بالعائلة حتى يتمكنوا من المضي قدمًا في حياتهم، وفق منصة “بي بي سي” (BBC).
ماذا لو حاول ابنك المراهق التلاعب بعقلك؟
تُرى، كيف يعمل عقل أولادنا المراهقين؟ وكيف يصبح لهم هذا الدماغ المتوهج والشديد الاحتراق؟ وما أسباب تقلبات المزاج التي يصعب السيطرة عليها، والجوع للقبول الاجتماعي، والرغبة في المخاطرة والمغامرة؟ وكيف يمكننا استخدام هذه التحولات لمساعدة المراهقين على تحقيق ذواتهم واكتشاف إمكاناتهم؟
كان يُنظر إلى دماغ المراهق، طوال سنوات، من قبل الباحثين وصانعي السياسات والجمهور، على أنه عبء أكثر من كونه مصدر قوة؛ فالمراهقون كانوا عبارة عن “آلات خطرة” تفتقر إلى صلاحيات اتخاذ القرار، ومن المحتمل أن يؤذوا أنفسهم والآخرين نتيجة لذلك.
لكن هذه النظرة النمطية بدأت تتغير أخيرًا، فهناك اعتراف متزايد بأن ما كان يُنظر إليه سابقًا على أنه عدم نضج هو في الواقع مرونة معرفية وسلوكية وعصبية، تسمح للمراهقين بالاستكشاف والتكيف مع عالمهم الداخلي والخارجي المتغير.
يتبنّى علماء الأعصاب التنمويون هذه الطريقة الجديدة في التفكير والبحث، من خلال استخدام منهجية علمية عصرية، وبحوث تجريبية ذات صلة مباشرة بالواقع الحقيقي للإجابة عن أسئلة حول المراهقين، وكيف تعمل عقولهم ضمن سياقهم الاجتماعي.
وفي هذا الإطار، قالت البروفيسورة إيفا تيلزر، الأستاذة المساعدة في علم النفس ومديرة مختبر علم الأعصاب الاجتماعي التنموي في جامعة نورث كارولينا: “تم تصوير دماغ المراهق على مدى وقت طويل على أنه غير ناضج، ويؤدي إلى سلوكيات إشكالية. لكن في السنوات الخمس الماضية، كان هناك تحول كبير نحو رؤية الدماغ النامي على أنه مرن وطيع وقابل للتشكيل، ويعزز العديد من الجوانب الإيجابية للتطور في مرحلة المراهقة”، حسب ما ذكرت “الجمعية الأميركية لعلم النفس” (APA) في تقرير لها أخيرًا.
حقائق تجب معرفتها عن دماغ المراهق
قبل الدخول في مزيد من التفاصيل، لا بد لنا أن نعرف مجموعة من الحقائق حول “دماغ المراهق” كما ذكرها ” المعهد الوطني للصحة النفسية” (NIMH)، وهي:
– يصل الدماغ إلى حجمه الأكبر في بداية المراهقة:
لدى الفتيات يصل الدماغ إلى أكبر حجم له في عمر 11 عامًا، أما لدى الصبيان فيصل الدماغ إلى أكبر حجم له في سن 14 عامًا. لكن هذا الاختلاف لا يعني أن الأولاد أو الفتيات أذكى من بعضهم بعضًا!
– يستمر الدماغ في النضج حتى بعد اكتمال النمو:
على الرغم من أن الدماغ يكتمل حجمه مع بدايات المراهقة، فإنه يستمر في التطور والنضج حتى منتصف العشرينيات أو أواخرها من العمر. والجزء الأمامي من الدماغ -المسمى بـ”قشرة الفص الجبهي”- هو آخر مناطق الدماغ نضجًا، وهذه المنطقة مسؤولة عن مهارات، مثل التخطيط وتحديد الأولويات والتحكم بالدوافع. ولأن هذه المهارات لا تزال تتطور، فمن المرجح أن ينخرط المراهقون في سلوكيات محفوفة بالمخاطر من دون تفكير في النتائج المحتملة لقراراتهم.
– عقل المراهق جاهز للتعلم والتكيف:
يمتلك دماغ المراهق كثيرا من المرونة، وذلك يعني أن بإمكانه التغير والتكيف والاستجابة لبيئته.
– الكثير من الاضطرابات النفسية تبدأ في الظهور خلال المراهقة:
التغيرات المستمرة في الدماغ، إلى جانب التغيرات الجسدية والعاطفية، يمكن أن تجعل المراهقين عرضة لمشكلات الصحة العقلية المختلفة، كالفصام والقلق والاكتئاب، وهو أمر يحتاج إلى عناية خاصة من قبل الأهل والمدرسة.
– يحتاج المراهقون إلى النوم أكثر من الأطفال والبالغين:
تظهر البحوث أن مستويات “الميلاتونين” (هرمون النوم) في الدم تكون أعلى بشكل طبيعي في وقت متأخر من الليل، وتنخفض في الصباح عند المراهقين مقارنة بالأطفال والبالغين، ويفسر هذا الاختلاف سبب بقاء كثير من المراهقين مستيقظين حتى وقت متأخر من الليل.
فهم دماغ المراهق
بالعودة إلى السؤال الذي طُرح في بداية التقرير: كيف يعمل عقل المراهق؟
يخضع دماغ المراهق لعملية تجديد كبيرة، ويمكن أن تكون عملية فوضوية ومرهقة. وفي هذا السياق تقول ليزا دامور، المتخصصة علم النفس العيادي في أوهايو، “على الرغم من أن دماغ ابنك المراهق ينمو ويتطور، فإن هذه العملية الطبيعية تمامًا يصعب على كثير من العائلات فهمها وإدارتها”، حسب ما ذكرت منصة “سي إن إن“.
وخلال هذه السنوات، يمكن أن يسبب المراهقون صداعًا شديدًا لمن يحبونهم، لأنهم يجربون صبر عائلاتهم من خلال الجدل، فهم يجادلون في كل شيء تقريبًا، ويبدون للوهلة الأولى أنانيين ولا يقدرون مخاطر الأمور. ويشير جون دافي، عالم النفس العيادي في شيكاغو، إلى أن ذلك “غالبًا ما يدفع عائلاتهم إلى فرض مزيد من القيود عليهم“.
إن الصورة النمطية التي تقول إن سنوات المراهقة هي السنوات الأسوأ في عمر الإنسان صورة خاطئة، لأن المراهقة فترة تجريب واكتشاف للذات، والتعثر وارتكاب الأخطاء هو المفتاح لنمو المراهقين بنجاح ليصبحوا بالغين راشدين، حسب “سي إن إن“.
فإذا تمكن أفراد الأسرة من فهم ما يحدث في رأس المراهق على نحو أوضح أمكنهم ذلك من الاعتماد على هذه التغييرات، ومساعدة أطفالهم على الانتقال إلى مرحلة البلوغ والنضج بصورة أكثر فاعلية.
فالمراهق حين يجادل أبويه في كل شيء تقريبًا فهو لا يكره أباه، لكنه يريد أن يثبت نفسه أولًا ضمن بحثه عن مكان له في هذا العالم.
والسمة المميزة لسنوات المراهقة هي التفرد والبحث عن الذات بعيدًا عن الأبوين، وغالبًا ما تتضمن هذه العملية تعريف المراهقين أنفسهم أولًا بأنهم لا يشبهون من حولهم، بل لهم شخصيتهم الخاصة والمتفردة، الأمر الذي يجب أن نفهمه تمامًا كي نساعد أولادنا على النضج بسلام وأمان.
—–
* المصدر: الجزيرة.نت