استقبل الفلسطينيون خطوة مجلس الشورى العُماني، ونقاشه تعديل المادة الأولى من قانون مقاطعة “إسرائيل” وإحالته إلى اللجنة التشريعية والقانونية لاستيفاء الجوانب الإجرائية، بحالة من الترحيب والإشادة الكبيرة.
وينظر الفلسطينيون إلى المناقشات التي أجراها مجلس الشورى العُماني إلى أنها تأتي ضمن خطوات تعكس الدعم الشعبي والرسمي العُماني للقضية الفلسطينية، وقطع الطريق أمام محاولات دولة الاحتلال الإسرائيلي التطبيع مع السلطنة.
ويأمل الفلسطينيون أن تتخذ جميع البرلمانات العربية ذات الخطوة العُمانية، والعمل على تجريم التطبيع مع الاحتلال “الإسرائيلي”، والوقوف أمام محاولات اختراقها للشعوب العربية.
وناقش “الشورى العماني”، يوم 26 ديسمبر 2022، مقترحاً بتعديل المادة الأولى من القانون بهدف تغليظ عقوبة التعامل مع دولة الاحتلال، بحسب وسائل إعلام عُمانية.
ومن المقرر أن يجري مجلس الشورى العماني تصويتاً على التعديل المقترح من 7 نواب، بعد إعادته من اللجنة القانونية؛ لإقراره أو رفضه.
وأكد نائب رئيس مجلس الشورى العماني، يعقوب الحارثي، عقب انتهاء الجلسة الاعتيادية، أن المقترح يوسع نطاق المقاطعة التي نصت عليها المادة المذكورة، ويفضي إلى “توسع في التجريم وتوسع في مقاطعة هذا الكيان”.
وبين الحارثي، في تصريح نشرته وكالة الأنباء العُمانية، أن القانون في صيغته الحالية “يحظر التعامل مع الكيان الإسرائيلي، سواء للأفراد أو الشخصيات الاعتبارية”.
لكن أعضاء مجلس الشورى المتقدمين بالطلب “نظروا إلى التطور الحاصل، سواء كان التقني أو الثقافي أو الاقتصادي أو الرياضي، واقترحوا تعديلات إضافية تتضمن قطع أي علاقات؛ اقتصادية كانت أو رياضية أو ثقافية، وحظر التعامل بأي طريقة أو وسيلة كانت، سواء كان لقاء واقعياً أو لقاء إلكترونياً أو غيره”، بحسب الحارثي.
تأكيد عُماني..
كما اعتبر وزير الخارجية العُماني، بدر البوسعيدي، أن قرار مجلس الشورى العماني القاضي بتوسيع تجريم التطبيع مع “إسرائيل”، يعبر عن تطلعات شعب بلاده ودول المنطقة.
وأضاف، في تصريحات لوكالة أنباء “إرنا” الإيرانية، أن قرار المجلس يهدف أيضاً إلى دعم التوصل إلى حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية، وفقاً للمعايير الدولية ومبادرة السلام العربية.
وإلى جانب حديث وزير الخارجية، أعلن مفتي سلطنة عُمان، الشيخ أحمد بن حمد الخليلي، مساندته للمشروع الذي طرح في مجلس الشورى حول تعديل المادة الأولى من القانون المتعلق بمقاطعة “إسرائيل”.
وقال “الخليلي”، في تغريدة له على حسابه في موقع “تويتر”: “إنا لنساند بكل قوة المشروع الذي طرح في مجلس الشورى العُماني الموقر، وهو إحكام مقاطعة الكيان الصهيوني مقاطعة مطلقة في التجارة وغيرها؛ لأجل تماديهم في العدوان وعدم مبالاتهم بحقوق الشعب الفلسطيني المظلوم، وهذا مما يدخل في الأُخوَّة الواجبة بين المسلمين”.
ولم تنضم عُمان إلى اتفاقيات التطبيع التي أبرمتها الإمارات والبحرين، وقالت -في أكثر من مناسبة- إنها مسألة سيادية، لكنها أكدت مراراً ضرورة حل قضية فلسطين وفق المقررات الدولية تبعاً لحل الدولتين.
إشادة فلسطينية
حركة المقاومة الفلسطينية (حماس) أشادت بمشروع القانون العُماني الذي يستهدف توسيع نطاق مقاطعة دولة الاحتلال الإسرائيلي.
وقالت الحركة، في بيان لها، يوم 30 ديسمبر 2022: إن مشروع القانون يعد “تعبيراً عن أصالة المواقف التاريخية للسلطنة، الداعمة لشعبنا الفلسطيني وقضيته العادلة”.
ودعت الحركة البرلمانات والمجالس الشورية العربية والإسلامية إلى “اتخاذ ما يلزم من خطوات لتجريم التواصل والتطبيع مع الاحتلال، الذي يهدّد مصالح الأمة، ويرتكب المزيد من الجرائم والانتهاكات بحق الشعب الفلسطيني ومقدساته الإسلامية والمسيحية”.
بدوره، يرى الكاتب والمحلل السياسي، طلال عوكل، أن خطوة مجلس الشورى العُماني، تشكل خدمة للقضية الفلسطينية والتزاماً بالقرارات العربية الجامعة التي قضت بمقاومة التطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي.
ويقول عوكل إن “التوجه العُماني لمقاطعة دولة الاحتلال يعد قراراً إيجابياً من قبل سلطنة عُمان، ويحمل رسالة من إحدى دول مجلس التعاون الخليجي للدول التي طبعت علاقاتها مع “إسرائيل” بضرورة مراجعة سلوكها”.
ويوضح أن سلطنة عُمان من خلال ما ناقشه مجلس الشورى، أوصلت رسالة أيضاً إلى “إسرائيل” بأنها لن تنجح في تطبيع علاقاتها مع مزيد من الدول الخليجية والعربية بحسب الخليج أون لاين.
الخبير في الشأن الإسرائيلي عامر أبو خليل، يرى أن المناقشات التي أجراها مجلس الشورى العُماني من شأنها إغلاق الطريق على نتنياهو في توسيع التطبيع مع السلطنة ودول المنطقة.
ويعتقد أبو خليل أن “أهمية خطوة مجلس الشورى العُماني، تكمن في أنها جاءت مع قدوم الحكومة الإسرائيلية الجديدة برئاسة نتنياهو، الذي سبق أن زار سلطنة عُمان حين كان رئيساً للوزراء”، في إشارة إلى زيارته في عهد السلطان الراحل قابوس بن سعيد.
ويضيف قائلاً: إن “الخطوة العُمانية وضعت عصا في دواليب التطبيع مع الأطراف العربية أيضاً” بحسب الخليج أون لاين.
ويبين أن أهمية مناقشات “الشورى العُماني” كونها جاءت أيضاً في توقيت مهم جداً، تزامناً مع “وجود حكومة إسرائيلية متطرفة ومنبوذة عالمية، لذلك تعكس الخطوة وعي العُمانيين تجاه القضية الفلسطينية”.
من ناحيته، قال خميس بن عبيد القطيطي، الكاتب والباحث السياسي، إن “خطوة مجلس الشورى تعبر عن الشارع العُماني الذي يرفض التطبيع مع الكيان الإسرائيلي”.
وأضاف أن الأصوات الشعبية في السلطنة ترفض التطبيع بقوة، موضحا: “كذلك موقف المؤسسة الدينية المعارض لأي تطبيع مع الاحتلال، كما أن الشعب العماني قدم رسائل واضحة سابقة عبرت عن موقفه الرافض”.
ويرى أن “خطوة الشورى يمثل صفعة لإسرائيل، بعد أن حاولت تمرير التطبيع عبر ضغوطات للاستفادة من الأجواء العمانية في تقصير الرحلات الجوية، لكن الموقف العماني كان ثابتا وراسخا”.
يمثل خطوة الشورى مساندة للحكومة في رفضها للتطبيع، هذا ما يؤكده الكاتب العماني، مشيرا إلى أن “موقف سلطنة عمان لم ولن يتغير تجاه القضية الفلسطينية”.
ولفت إلى أن وزير الخارجية العماني بدر بن حمد البوسعيدي، تحدث من على منبر الأمم المتحدة في وقت سابق، عن مساندة السلطنة لحقوق الشعب الفلسطيني، وبالتالي فإن أي حديث عن العلاقات مع إسرائيل بلغة المنطق مرتبط بعودة الحقوق الفلسطينية، وعدم التفريط في أي مبدأ يخص القضية وتحقيق مبدأ حل الدولتين والالتزام بمرجعيات السلام مع إسرائيل، بدءا من القرار (242) والمبادرة العربية للسلام.
فشل مسار التطبيع
وشدد على أن تحرك الشورى يؤكد أن السلطنة بعيدة كليا عن مسار التطبيع، وما يسمى “اتفاقيات إبراهام” وأن موقف السلطنة الثابت تجاه فلسطين ومع جميع القضايا العربية، لن يتغير وأنها مع العمل العربي المشترك والتضامن العربي بحسب سبوتنيك.
توجهات شعبية
فيما قال الكاتب العماني زاهر بن حارث المحروقي، إن اقتراح بعض أعضاء مجلس الشورى العماني جاء بـ”تغليظ التعامل مع الكيان الإسرائيلي متواكبا مع توجهات الشعب العماني والشعوب العربية الأخرى، الملتزمة بالقضية الفلسطينية”.
وأوضح أن الخطوة لم يكن مفاجئا خاصة أن أعضاء مجلس الشورى صوتوا عليه بالإجماع، وأنه يعبر عن مواقف العمانيين تجاه الشعب والقضية الفلسطينية.
ويشير إلى أن ما أقدم عليه الشورى “صفعة في وجه الحكومة الإسرائيلية التي ضغطت على الحكومة العمانية، للسماح للطائرات الإسرائيلية للمرور فوق الأجواء العمانية باتجاه الشرق الأقصى”.
ما جدوى الاتصالات
حول طبيعة الاتصالات بين المسؤولين في السلطنة والجانب الإسرائيلي، يشير الكاتب العماني إلى أن هذه الاتصالات لا تعني لكن أن عمان ستنضم إلى ما عرف بـ”الاتفاقيات الإبراهيمية”، كما روج لذلك الإعلام الإسرائيلي أكثر من مرة.
وتابع: “رغم أن هناك ضغوطات أمريكية شديدة على الحكومة العمانية، بدأها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وصلت إلى ذروتها باتصاله الهاتفي مع السلطان هيثم بن طارق، وواصلت الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة جو بايدن تلك الضغوطات، إلا أن الحكومة العمانية استطاعت أن تعبر إلى بر الأمان حتى الآن”.
وبشأن تصويت أعضاء الشورى بالإجماع على الإحالة، قال الكاتب العماني إن “تصويت أعضاء المجلس بالإجماع مساندة كبيرة للحكومة في توجهاتها” بحسب سبوتنيك.
فشل الضغوط الأمريكية
وأوضح أن الضغوطات جاءت عن طريق الحكومة الأمريكية عبر سلسلة لقاءات أجراها وزير الخارجية العماني بدر بن حمد مع المسؤولين الأمريكيين في واشنطن، بحجة أن السعودية وافقت على العبور فوق أجوائها، لكن الحكومة العمانية كان لها تحفظاتها في هذا الشأن، وفرضت عدة شروط، منها عدم الهبوط في المطارات العمانية، وعدم استخدام الأجواء العمانية لأي غرض عسكري.
وأوضح أن عمان لا ترتبط بأي علاقة اقتصادية مع إسرائيل، ما يعني عدم استفادة السلطنة حال السماح لإسرائيل بالمرور، في حين تستفيد إسرائيل من العبور فوق الأجواء العمانية.
تفاعل الشارع العماني بالخطوة بشكل غير مسبوق، وهو ما يوضحه الكاتب بقوله “على مستوى الداخل لقي الخطوة ترحيبا واسعا تجلى ذلك في صفحات وسائل التواصل”.
صفعة لـ”إسرائيل”
إسرائيلياً، استقبل الإعلام العبري مشاورات مجلس الشورى العُماني بكثير من الغضب، حيث وصف موقع “تايمز أوف إسرائيل” الخطوة العُمانية بأنها تمثل صفعة لرئيس الحكومة الجديدة بنيامين نتنياهو، الذي أكد عزمه على توسيع التطبيع مع “تل أبيب” وضم المزيد من الدول العربية والإسلامية.
كما أكدت صحيفة “إسرائيل اليوم” أنه “في حال تم تمديد قانون المقاطعة، فهذه إشارة مزعجة لـ”إسرائيل” فيما يتعلق بفتح المجال الجوي للرحلات الجوية وتقصير وقت الرحلة إلى الشرق الأقصى، وهذا يعني منع إمكانية الاستفادة من فتح المجال الجوي السعودي أمام الرحلات الجوية الإسرائيلية لتقصير مسارات الرحلات”.
وكانت وسائل إعلام عبرية قد كشفت مطالبة “تل أبيب” بفتح الأجواء العُمانية أمام طائراتها المدنية، بعدما وافقت الرياض على قرار مماثل خلال زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن في يوليو الماضي.
يشار إلى أن حكومة نتنياهو الجديدة أولت ملف التطبيع اهتماماً بالغاً؛ بوصفه إحدى ركائز برامجها السياسية القادمة، وذلك من خلال تعيين إيلي كوهين، المعروف بأنه مهندس إقامة العلاقات مع الإمارات والبحرين ودول عربية أخرى، وزيراً للخارجية.