أرسل الله سبحانه لعباده الرسل مبشرين ومنذرين، وجعل معهم ومن بعدهم مصلحين يقيمون كل معوج، ويصلحون كل فاسد؛ فهم كالشموع التي تحترق لتضيء طريق الحق للناس، وكلما انطفأت شمعه قامت أخرى حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
وفي يناير، انطفأت العديد من الشموع التي أنارت للناس طريق الخير، منهم:
عبدالعظيم الديب.. صاحب إمام الحرمين
وُلد عبدالعظيم محمود الديب في قرية كفر إبري التابعة لمركز زفتى بمحافظة الغربية بمصر، عام 1929م، وحفظ القرآن الكريم منذ صغره في كُتَّاب القرية؛ ما أهَّله للالتحاق بالأزهر الشريف، وكان درجة نبوغه عالية، فالتحق بكليتين في آن واحد، هما: كلية أصول الدين بجامعة الأزهر، ودار العلوم، إلا أن إدارة دار العلوم علمت بذلك فخيَّرته بين إكمال تعليمه بالأزهر أو دار العلوم، فاختار دار العلوم وتخرج فيها عام 1956م، ثم حصل على كلية التربية، وبعدها حصل على الماجستير عام 1970م، ثم حصل على الدكتوراة عام 1975م، وبعدها انتقل إلى دولة قطر واستقر بها؛ وأصبح عضواً في لجنة جائزة الشيخ علي بن عبدالله آل ثاني الوقفية العالمية لسنوات طويلة، ورئيس قسم الفقه والأصول بكلية الشريعة بجامعة قطر، ومدير مركز بحوث السيرة والسُّنة بها بالنيابة، وعضو لجنة إحياء التراث بوزارة الأوقاف.
انضم إلى جماعة الإخوان المسلمين، وتربى على يدي العالم البهي الخولي، كما كان رفيق درب للشيخ يوسف القرضاوي، وشارك منذ التحاقه بالأزهر في المظاهرات ضد الاحتلال البريطاني لمصر، كما كانت قضية فلسطين في سلم أولوياته والدفاع عنها سواء بالجهاد على أرضها عام 1948م أو في المحافل والمؤتمرات الدولية.
اشتهر العلاَّمة عبدالعظيم الديب بملازمته لكتب ومؤلفات الإمام الجويني، حتى كانت رسالتا الماجستير والدكتوراة حول مؤلفات الإمام الجويني.
اختار د. الديب منذ وعيه طريقاً للعلم وعرة وصعبة لا يُقْدم عليها إلا الأفذاذ من أولي الهمم العالية؛ فاختار طريق التحقيق العلمي، متسلحاً بالفهم والوعي لما يحقق وينشر من علم، فأخرج العديد من الكتب، منها «البرهان في أصول الفقه لإمام الحرمين»، وكتاب «نهاية المطلب في دراية المذهب» الذي يعد أكبر كتاب مطبوع في الفقه الشافعي، وغيرها من الكتب.
ولم يقتصر على ذلك، بل كان من أكبر المعادين للماركسية والشيوعية، وظل على جهاده بالكلمة والقلم حتى توفاه الله صباح الأربعاء 20 المحرم 1431هـ/ 6 يناير 2010م، وقد تقدم المصلين عليه بالدوحة د. يوسف القرضاوي، والشيخ عبدالمعز عبدالستار، وعدد من كبار العلماء والمحبين، ودفن بها.
سليمان حمد.. بين الجهاد والدعوة
ولد سليمان حسن إسماعيل الحمد في قرية المغار قضاء الرملة في 28 مايو 1929م، وهاجر إلى قطاع غزة بعد نكبة عام 1948م، التحق بمراحل التعليم الأساسية والثانوية عام 1948م، حتى أنهى درجة البكالوريوس في اللغة العربية ودرجة الماجستير في العلوم العربية والإسلامية من جامعة لندن (بالانتساب)، ثم عمل مدرساً في عدة مدارس بقطاع غزة قبل أن ينتقل إلى دولة الكويت عام 1953م للعمل بها مدرساً، ثم مراقباً للشؤون الإدارية في الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية.
انتمى في بداية حياته لعصبة التحرر الوطني، لكنه ما لبث أن تركها والتحق بجماعة الإخوان المسلمين عام 1950م، وكان له دور رئيس في تأسيس شعبة الإخوان في النصيرات، كما كان له الفضل في تأسيس العمل الإسلامي الفلسطيني بالكويت، وتولى قيادة الإخوان الفلسطينيين في الكويت من عام 1975 حتى نهاية عام 1989م.
وهو صاحب فكرة العمل العسكري في الخارج بالتوازي مع غزة والضفة، كما وقف وراء إنشاء قسم الطلاب في الحركة الإسلامية، وهو صاحب فكرة إنشاء مؤتمر لفلسطين يؤسس لمسيرة «حماس» ويضع البذرة لنشأة الحركة، كما تتلمذ على يديه جيل من الشباب المسلم.
ظل مخلصاً لدينه ودعوته ووطنه الذي عاش فيه الكويت، كما ظل عاملاً مجاهداً مخلصاً لوطنه فلسطين وقضيتها، حيث لم ير إلا الكفاح المسلح ضد الصهاينة خير سبيل، حتى توفاه الله يوم الأحد 30 جمادى أول 1441هـ/ 26 يناير 2020م.
سبال.. الريادة بالعمل الخيري بالسودان
ولد محمد محمد مدني (سبال) بالخرطوم، يوم 31 يوليو 1930م، والتحق بمراحل التعليم التي استكملها في كلية التجارة بجامعة الملك فؤاد الأول (جامعة القاهرة حالياً)، ودرس المحاسبة وتخرج فيها عام 1950م، وحينما عاد للسودان عمل مراجعاً قانونياً في مكاتب المحاسبات ومدققاً حسابياً قبل أن يتفرغ للعمل الخيري والإنساني.
وأثناء دراسته بالقاهرة تعرف على جماعة الإخوان المسلمين، والتقى بالشيخ حسن البنا وبايعه وحمل فكرة الإخوان مع عدد من طلاب السودان.
تعرض للاعتقال في مصر في محنة الإخوان بعد حادثة المنشية عام 1954م، إلا أنه أفرج عنه وعاد للسودان؛ والتقى بكل من علي طالب الله، وصادق عبدالماجد وبقية إخوانه للعمل على نشر فكرة الإخوان المسلمين.
كان واحداً من الذين حافظوا على منهج دعوة الإخوان الوسطي في السودان، فقد ابتعد عن مجموعة حسن الترابي وأعاد هيكلة الجماعة مرة أخرى بصحبة محمد صالح عمر، وصادق عبدالماجد، وجعفر إدريس، وغيرهم، وقد انتخب عضواً بمجلس الشورى العام لجماعة الإخوان المسلمين بالسودان، وظل كذلك حتى عام 2016 حينما تم اختياره رئيساً له.
يعد سبال أحد رواد العمل الخيري في السودان، فهو من أوائل المؤسسين لمنظمة الدعوة الإسلامية عام 1980م؛ فحينما ضرب الجفاف مناطق كثيرة في السودان ووسط أفريقيا عام 1984م أدت لنزوح الكثيرين إلى الخرطوم؛ كان له دور كبير في رعايتهم وتلبية احتياجاتهم تحت رعاية منظمة الرحمة الإسلامية، وامتد نشاط الشيخ سبال إلى خارج السودان؛ فكان عضواً مؤسساً مع إخوانه للهيئة الخيرية الإسلامية العالمية.
ظل الشيخ سبال صابراً مرابطاً محتسباً على طريق دعوته، عاملاً وسط إخوانه حتى ثقل عليه المرض؛ فكان آخر شيء حضره انتخابات المكتب التنفيذي للإخوان بالسودان التي جرت عام 2017 بمدينة الشباب، وظل كذلك حتى رحل يوم الإثنين 20 جمادى الأول 1442هـ/ 4 يناير 2021م عن عمر ناهز 94 عاماً.
_________________________________________
1- موقع الشيخ عبدالعظيم الديب: لقطات من حياته،
2- محسن محمد صالح: سليمان حمد.. رائد العمل الإسلامي الفلسطيني في الكويت، 29 يناير 2020،
3- محمد محمد مدني سبال رئيس مجلس شورى الإخوان بالسودان: إخوان ويكي، 7 أغسطس 2021،