تتكرر بين الحين والآخر في ألمانيا، وخصوصا في الشطر الشرقي، حوادث ذات طابع عنصري؛ ما جعل هذا الملف يحظى بالنقاش والبحث، ليس فقط في الفضاء العام، بل في أعلى المستويات السياسية.
وفي أحدث خطوة في هذا السياق، قدمت مفوضة الاندماج ومكافحة العنصرية في الحكومة الألمانية، ريم العبلي رادوفان، وهي ألمانية من أصول عراقية، تقريرا بعنوان “العنصرية في ألمانيا”، ألقت خلاله الضوء على هذه “الآفة” التي تطل برأسها في المجتمع الألماني مع ازدياد عدد الأجانب الوافدين إلى البلاد.
وقالت العبلي رادوفان في تقريرها، اليوم الخميس، إنه من المؤسف عدم تمكن المرء في ألمانيا ونحن في عام 2023 من النقاش حول هذا الموضوع دون الاستناد على الأحكام المسبقة العنصرية، داعية إلى “الحكم على المعتدين وفقا لأعمالهم وليس لأسمائهم”، بحسب ما ورد في موقع صحيفة “دويتشه فيله” الألمانية.
وأظهر التقرير وجود العنصرية في المدارس وسوق العمل والسكن.
وأشارت السياسية الألمانية، وهي نائبة في البوندستاغ (البرلمان) إلى أن مواجهة هذا الأمر يتطلب الدعم المالي لمبادرات حماية الضحايا وتقديم المشورة لهم.
ورصدت الحكومة الألمانية ميزانية في هذا العام تقدر بنحو 10 ملايين يورو لتحقيق هذا الهدف.
ورأى التقرير أن “التنوع صار حقيقة منذ أمد طويل في ألمانيا، لكنه يجب أن يتحول لأمر طبيعي في العديد من المجالات”؛ ما يعني بحسب العبلي رادوفان، ضرورة وجود فرص متساوية للجميع في مختلف قطاعات المجتمع وأيضا إنشاء المزيد من مكاتب الشكاوى المستقلة التي يمكن أن يلجأ إليها من يمر بتجربة عنصرية.
وكمثال على “العنصرية غير المباشرة”، يشير التقرير إلى إعلانات التوظيف التي تشترط إجادة المتقدم للألمانية بمستوى اللغة الأم حتى وإن لم يكن هذا ضروريا للوظيفة المطلوب شغلها.
وأشار التقرير إلى أن مثل هذا الشرط يستبعد بشكل ما المهاجرين.
وأشارت مفوضة الاندماج إلى أن الشكاوى المتزايدة من المنحدرين من خلفيات مهاجرة بشأن تعرضهم للتفتيش بشكل مستمر لأسباب غير واضحة ،السينتي والروما، هو ظاهرة تحتاج للمزيد من الدراسات.
وبينت دراسة أجريت في أيار/ مايو الماضي، أن 45% من سكان ألمانيا شاهدوا مرة واحدة بشكل شخصي حوادث عنصرية، في حين قال نحو 22% إنهم تعرضوا شخصيا لحوادث عنصرية.
واللافت في الدراسة أن نسبة 90% ممن شملتهم الدراسة وافقوا على مقولة إن “ألمانيا فيها عنصرية”.
وثمة ست فئات بصورة خاصة، تشكل ضحايا للعنصرية في ألمانيا، وهم أصحاب البشرة الداكنة، والمنحدرون من أصول مسلمة وآسيوية ويهودية، بالإضافة إلى المنحدرين من أوروبا الشرقية، فضلا عن طائفتي السينتي والروما.
ووفقا للمصادر الألمانية، يعد الأنغولي آمادو أنتونيو كيوا أول ضحايا عنف اليمين المتطرف في ألمانيا، وقد هاجمته مجموعة من النازيين الجدد في تشرين الثاني/ نوفمبر 1990، وقتله المهاجمون ومثلوا بجثته.
وتعرض مبنى في مدينة مولن شمال ألمانيا، لهجوم نفذه النازيون الجدد في تشرين الثاني/ نوفمبر 1993، وأسفر إحراق البناء عن مصرع 3 أشخاص من أصول تركية.
وفي 19 كانون الثاني/ يناير 2003، هاجم ذوو الرؤوس الحليقة ناديا ليليا في ألمانيا، وقتلوا طعنا 3 شبان.
ومن الحوادث ذات الطابع العنصري، أقدمت خلية “إن إس يو” اليمينية المتطرفة على قتل 10 أشخاص على الأقل في حوادث متفرقة من عام 2000 إلى 2007، 9 من الضحايا من أصول أجنبية.
كما ألقى مجهولون برأس خنزير في باحة مسجد بمدينة لايبزغ في 15 تشرين الثاني/ نوفمبر 2013.
ومن أكثر الأحداث العنصرية دموية، هو ما شهدته مدينة هاناو بولاية هسن، إذ قتل 9 أشخاص في موقعين مختلفين ليلة 19 شباط/ فبراير 2020، في واقعة حملت بعدا عنصريا.
وكثيرا ما شهدت مدن شرق ألمانيا احتجاجات متكررة ضد اللاجئين، وتنديدا بالمستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل، التي يتهمونها بفتح الأبواب على مصراعيها أمام “من هب ودب” دون أن تعير اهتماما لمخاوفهم ومشاكلهم.