تحية وتقدير لمجلة «المجتمع» وكل العاملين فيها، خاصة باب «استشارات أسرية».
أنا الابن الوحيد لأب عصامي بذل مجهوداً طيباً، وربنا وفقه وأسس مجموعة من الشركات والأعمال، وبفضل الله نشأت في رغد من العيش، شاء الله بعد أن ولدتني أمي أن تتعرض لمرض يحول بينها وبين أن تنجب مرة أخرى؛ لذا كنت محل رعاية واهتمام، ولله الحمد كان والداي حريصين على تربيتي تربية دينية طيبة وتوفير كل وسائل النجاح، بل والتفوق.
منذ التحاقي بالجامعة ووالدتي تلح على والدي لزواجي، ولكنني كنت مصراً على إكمال دراستي الجامعية، وكثيراً ما تكرر: «ماذا ينقصك؟ كثير من صديقاتي يلمحن لي عن بناتهن، أحلم بذريتك حتى أكون جدة»، لكن والدي كان غير متحمس لزواجي خوفاً من أن أنشغل ولا أكمل دراستي، خاصة أنني كنت مصراً على استكمال دراستي العليا.
وفقني الله وأنهيت دراستي بتفوق، وحققت حلمي وحصلت على درجة الماجستير، وبعد رحلة شاقة من المقابلات والاعتذارات وفقني الله بالارتباط بفتاة جميلة مثقفة من عائلة طيبة فاقت كل ما كنت أحلم به، كما أنها كانت من الذكاء أن نالت حب وتقدير والديّ.
تمت إجراءات الزواج بكل يسر بفضل الله سبحانه وتعالى، ومرت عدة شهور على زواجنا ونحن في قمة السعادة والوئام، ولكن لم يحدث حمل، وبدأت والدتي تسألني وكنت أرد عليها دعينا نتمتع بحياتنا قبل الحمل والأولاد ومسؤولياتهم، ثم بدأت تسأل زوجتي تقريباً يومياً عن أي أعراض حمل بصورة مبالغ فيها وفيها كثير من الإحراج وكنت أطيّب خاطر زوجتي.
ورغم أنني وزوجتي كنا قد قررنا أن نترك موضوع الحمل لأقدار الله ولا نشغل أنفسنا به، فإنه مع ازدياد إلحاح والدتي قررنا التوجه إلى طبيب صديقي لإجراء فحوصات، وكانت صدمة صعبة جداً على زوجتي حيث أظهرت الفحوصات أنني سليم، ولكن زوجتي تعاني من مشكلة تحول بينها وبين الإنجاب نهائياً!
زوجتي طلبت الطلاق لأتزوج بأخرى لكني رفضت رضاً بقضاء الله وحرصاً عليها
أثناء عودتنا فوجئت بزوجتي تطلب الطلاق! لماذا؟ لأن هذا حقك أن تكون أباً؛ فرجاء بكل ما كان بيننا من حب أطلب منك أن تطلقني وتبدأ حياتك مع زوجة أخرى، وأدعو الله أن يرزقك منها البنين والبنات، وكذلك والداك من حقهما أن يكونا جدين، وأنا لا أقبل أن تتزوج وأنا معك؛ فسأنسحب من حياتك؛ فلو سمحت طلقني وشكراً لك.
قضينا ليلة عصيبة لجأنا إلى الله عز وجل، ندعو الله ونصلي ولله الحمد اطمأنت قلوبنا وقلت لها: لا تحملي همّاً، أنت أغلى عندي من أن أكون أباً وهذا قراري، أما عن أهلي فسأبلغ والدتي أني أنا الذي أعاني من قصور يحول بيني وبين الإنجاب وأنك أنت سليمة.
أما فكرة الزواج بأخرى فأعدك بأنني لن أتزوج غيرك، وهذا ليس قرارك ولا قراري، هو ابتلاء من الله سبحانه وتعالى، وعلينا ألا نعترض، وستستمر علاقتنا على خير ما يرام.
وأصدقك القول، أستاذي، قراري لم يكون قراراً انفعالياً، لكني مقتنع جداً أن حياتنا تستمر بدون أولاد بفضل الله سبحانه وتعالى، ولله الحمد فقد ألقى الله في قلبي الرضا والقبول، خاصة أن زوجتي بكل المقاييس تتوافق مع كل ما كنت أحلم به، بل تفوق ذلك، خاصة عندما أتذكر ما يعانيه بعض أصدقائي من مشكلات زوجية أو من تربية الأولاد.
ولله الحمد عادت حياتنا إلى مجراها الطبيعي، وحتى أرفع عن زوجتي أي حرج أخبرت أمي أن صديقي الطبيب -وهي تعرفه لأنه كان صديقي منذ الصغر- أخبرني أن تحليلات زوجتي طيبة لكن المشكلة تتعلق بي، وسأبدأ العلاج لكنه سيستغرق مدة وسألتها الدعاء، انهارت أمي بالبكاء وعدم تصديق ما أقول.. هدأت من روعها، واعتقدتُ أن الموضوع قد انتهى.
في المساء فوجئت باتصال من والدتي تطلب مني الحضور فوراً، أسرعت إليها، وجدتها ثائرة وفي حالة يرثى لها، وقبل أن أستفسر منها عن سبب ثورتها بادرتني قائلة: منذ متى وأنت تكذب عليَّ؟ هذه تربيتي وهذه القيم والأخلاق التي ربيناك عليها؟! تكذب بعد أن صرت رجلاً؟! وعلى من؟! عليَّ أنا أمك!
لقد أسقط في يدي؛ فقد اتصلت أمي بصديقي الطبيب وعلمت منه الحقيقة، رسالة أمي كانت واضحة: «يا ابني، أنا لا أقول لك أعوذ بالله طلق زوجتك، هذا قضاء الله وعليكما الرضا بقضاء الله، وأن تقف بجانب زوجتك في محنتها، لكن أيضاً عليك أن تتزوج حتى لو أنت لا تريد الزواج حفاظاً على مشاعر زوجتك، فعليك أن تتزوج طاعة لأمرنا وتلبية لاحتياجاتنا، أنت ابننا الوحيد من يحمل اسم أبيك؟ وهذه الثروة الضخمة من سيستفيد بها؟».
أخبرت أمي أن زوجتي سليمة والمشكلة عندي لكنها عرفت الحقيقة وأصرت على زواجي بأخرى
وأنهت حديثها: «سأكون غضبانة عليك ولن أدخل بيتك»، حاولت أوضح لها مدى حبي لزوجتي وكم هي زوجة طيبة وكم نحن سعيدين ورضينا بقضاء الله، والله أعلم كيف ستكون زيجة الثانية؟ ومن قال إن الله سيقدر منها ذرية.. لكنها كررت أمرها لي بالزواج وهددتني بعدم رضاها عنيّ وتركتني وذهبت.
رجعت البيت مهموماً وحاولت أن أخفي اضطرابي ولكنني فوجئت ببكاء زوجتي قائلة: «أنا قلت لك طلقني وهذا حق والدتك عليك، لقد اتصلت بي عمتي وطلبت مني أن أوافق على زواجك وألا أقف عقبة في سبيل سعادتكم جميعاً بالذرية، هذا حقك ولكن ابتلائي أتحمله أنا وحدي فقط، لكنني لا يمكنني أن أجد امرأة أخرى تشاركني فيك».
أرجو أن تشير عليَّ، وأن توجه رسالة إلى أمي، فهي من قرَّاء مجلتكم الموقرة، وجزاكم الله خيراً.
الرد
أولاً: رسالتي لك ولزوجك:
إن من رحمة الله وحكمته أن شرع لنا التعدد، ولعل حالتكما من أفضل الأمثلة على ذلك، لقد ابتلاكما الله بعدم قدرة الزوجة على الإنجاب، وجزاكما الله خيراً رضيتما بقضاء الله، ولكن يقول الرسول صلى الله: «تزوَّجوا الودودَ الولودَ؛ فإني مُكاثِرٌ بكم» (صحيح الجامع)، فكان عليك يا ابنتي أن تبادري وأن تطلبي زواج زوجك بأخرى، بل وتبادري وتبحثي له عن زوجة تناسبه، أما أن تربطي زواجه بأخرى طلباً للذرية بطلاقك، فهذا نتيجة لغيرتك المرضية على زوجك وأثرة النفس واستغلالك لكرم زوجك وحرصه على عدم جرح مشاعرك.
من الطبيعي أن تغار الزوجة على زوجها وأن تتألم بزواجه، لكن يجب عدم ترك النفس على هواها ليلعب بها الشيطان وأولياؤه ممن يصورون الزواج الثاني وكأنه خيانة للزوجة الأولى أو عدم وفاء.
وفي المقابل، فإن التعدد ليس حقاً مطلقاً للرجل، لكنه مقيد بالقدرة على الوفاء بحقوق الزوجات المعنوية والمادية والعدل؛ (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً) (النساء: 3).
وعليك يا ابني أن تكرم زوجتك وتقدر معاناتها من حرمانها من غريزة الأمومة ومشاركة زوجة أخرى في حبها لك، وأن تقنعها بأن تبحث لك عن زوجة مناسبة، فإن أبت فضاعف في كرمها وطلّقها.
ثانياً: رسالتي للسيدة والدتك وكل والدين:
ليس من حق الوالدين التدخل في الحياة الزوجية لأولادهما ما داموا لا يرتكبون مخالفة شرعية، وفي هذه الحالة يكون تدخلهما بالحسنى، أما فيما يتعلق بأمور إدارة الحياة الزوجية للأولاد فلكل زوجين الحق الكامل في تنظيم وصياغة شكل الحياة المناسب لهما ما داما قد ارتضيا ذلك، والتدخل بغرض تقوية أحدهما على الآخر قد يعد من سبيل التخبيب ومن عمل الشيطان، وفي صحيح مسلم: «إن إبليس يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة، يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا، فيقول: ما صنعت شيئاً، ثم يجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرَّقت بينه وبين امرأته، فيدنيه منه، ويقول: نعم أنت، فيلتزمه».
فلا حرج أن يعبر الوالدان عن رأيهما في الأمور الظاهرية التي لا تتعلق بالعلاقة الزوجية مثل بيان أفضلية مسكن دون آخر وتوضيح أنه مجرد رأي، وبالحسنى، بينما لا يحق لهما نقد طريقة تعامل الزوجين، كما يجب على الوالدين عدم ربط رضائهما -وكأنه سيف مصلت على رقبة الأبناء- إن لم ينفذوا رأيهما في حياتهما الزوجية.
أختي الفاضلة، مع كل التقدير وقناعتي بدوافع الطلب من ابنك الزواج بأخرى طلباً للذرية، لكن هذا حقه، ولا حرج عليه إن لم يتزوج، ولا يعتبر ذلك عدم برّ بك، أيضاً لا يحق لك أن تتوجهي بالنقد واللوم لزوجة ابنك؛ بل عليك أن تكوني عوناً لها لقبول قضاء الله بعدم قدرتها على الإنجاب، وبكل الحب تقنعيها بأن تبحث عن أخت لها عسى أن يرزقها الله بالذرية التي تنعم هي أيضاً بها فتسعد وتُسعد من حولها.