مع أخبار زلزال تركيا وسورية المدمر، يخرج إلى الذهن تساؤل: لماذا خلق الله الزلازل؟
وتختلف إجابات الناس عن هذا السؤال، فهناك من سيقول لك: هذه الزلازل ظواهر طبيعية ولها أسباب معروفة، ولا علاقة لها بأفعال الناس ومعاصيهم، وسيقولون لك كما قال من سبقوهم: ﴿قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ﴾، وبالتالي سيمر الأمر عليهم وهم لا ﴿يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا﴾.
لكن على الطرف الآخر، هناك من سيقول: إن هذه الزلازل عقاب من الله، فيرد عليه آخر: وهل هؤلاء المساكين المشردون أصلاً يستحقون عقاباً؟!
والصحيح أن الزلازل آية من آيات الله، قد تبدو الحكمة منها أحياناً واضحة، وقد تغيب؛ فلا يصح أن نجترئ على علم الله فنقول فيها بما لا نعلم، فهو سبحانه {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ}.
فالزلازل قد تكون عقاباً للكافرين، كما في حال قوم شعيب (مدين)، وقوم صالح (ثمود)؛ فقد نص القرآن على أن الله أرسل عليهم الزلازل (الرجفة) مصحوبة بالصيحة عقاباً لهم على تكذيبهم الرسل، كما قال تعالى: ﴿وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ﴾.
وقد يرسلها الله تبصرة وذكرى للناس لعلهم يرجعون كما حدث حين رجفت الأرض بموسى وبالسبعين الذين اختارهم، كما في قوله تعالى: ﴿وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاء مِنَّا إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَاء وَتَهْدِي مَن تَشَاء أَنتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ﴾.
وكما حدث على عهد عمر بن الخطاب فقد روى أنه: زُلزِلت الأرض على عهد عمر حتى اصطفقَتِ السُّرر، فخطَب عمر الناس فقال: أحدثتم وعجلتم، لئنْ عادت لأخرجنَّ من بين ظهرانيكم، وذُكر أيضاً أن الكوفة رجفت على عهد عبدالله بن مسعود رضي الله عنه فقال: “يا أيها الناس، إن ربكم يستعتبكم فاعتبوه”؛ أي يخوفكم بالآيات لتتوبوا إليه.
وقد تكون الزلزلة تنبيهاً وإيذاناً بحدوث أمر عظيم، فقد زلزلت الأرض يوم ولد النبي صلى الله عليه وسلم، وهي الزلزلة التي هزت إيوان كسرى وسقطت منه أربع عشرة شرفة!
وفوق كل هذا، فالزلازل آية دالة على وحدانية وقدرته سبحانه وتعالى! فهو ﴿الله الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا﴾، لكنه هو أيضاً وحده القادر على تحريكها: ﴿أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ﴾.
وقد تكون الزلازل عذابًا للناس في الدنيا، لكنها رحمة لهم في الآخرة! كما قال تعالى: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ)، ومعلوم أن عقوبة الله إذا نزلت بصورة عامة بحيث تشمل الصالح والطالح، والصغير والكبير، فإنهم جميعاً يهلكون، ثم يبعثون على نياتهم.
وفي الصحيح، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا ظهرت المعاصي في أمتي عمهم الله بعذاب من عنده»، فقلت: يا رسول الله، أما فيهم يومئذ أناس صالحون؟ قال: «بلى»، قلت: كيف يصنع بأولئك؟ قال: «يصيبهم ما أصاب الناس، ثم يصيرون إلى مغفرة من الله ورضوان».
والزلزال للمؤمن تذكير بالقيامة، ورحم الله شوقي حين حدث زلزال عظيم على عهده في اليابان فكتب يقول:
قِف بِطوكِيو وَطُف عَلى يوكاهامَه *** وَسَلِ القَريَتَينِ كَيفَ القِيامَة
دَنَتِ الساعَةُ الَّتي أُنذِرَ الناس *** وَحَلَّت أَشراطُها وَالعَلامَة
ثِق بِما شِئتَ مِن زَمانِكَ إِلّا *** صُحبَةَ العَيشِ أَو جِوارَ السَلامَة
وعموماً، فكل زلزال في الدنيا مهما بلغت شدته، فإنه لا يساوي شيئا أمام الزلزال العظيم، حين تُخرجُ الأرض أثقالها، من بشر ومن مصهور المَعادن، ويقول الكافر يومئذ مالها؟ لأنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ بِالبَعْثِ، أمّا المُؤْمِنُ فَيَقُول يومئذُ: ﴿هَذا ما وعَدَ الرَحْمَنُ وصَدَقَ المُرْسَلُونَ﴾.
﴿يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ * فَمَن یَعۡمَلۡ مِثۡقَالَ ذَرَّةٍ خَیۡرࣰا یَرَهُۥ * وَمَن یَعۡمَلۡ مِثۡقَالَ ذَرَّةࣲ شَرࣰّا یَرَهُۥ﴾.
اللهم الطف بأهلنا في سورية وتركيا.