تعتبر مسائل ترسيم الحدود بين الكويت والعراق مسائل مصيرية عبر التاريخ بالنسبة لكلا الطرفين، نظراً لما اكتنفها من تطورات تاريخية نالت طابع الشد والجذب، وساهمت فيها التجاذبات التي سادت علاقات البلدين الجارين، طبقاً لمراقبين، ووصلت هذه التجاذبات ذروتها في أغسطس (آب) 1990 بالغزو العراقي للكويت، واستمرار آثاره من القضايا الثنائية العالقة حتى اليوم.
وعادت إلى الواجهة من جديد قضية ترسيم الحدود البحرية بين الكويت والعراق، بعد مطالبات كويتية بحل الملفات العالقة بين البلدين حول تلك القضية، خاصة بعد الانتهاء من ملف تعويضات الأضرار الناجمة عن غزو العراق للكويت عام 1990.
أبرز المطالبات الكويتية
وجاءت أبرز المطالبات الكويتية على لسان رئيس الحكومة الشيخ أحمد نواف الأحمد الصباح، حين طالب في كلمته في مؤتمر “بغداد 2” الذي استضافه الأردن يوم 20 ديسمبر 2022، بإغلاق كل الملفات العالقة بين البلدين، خاصة ملف ترسيم الحدود البحرية بين البلدين.
ودعا الشيخ أحمد النواف إلى إغلاق جميع الملفات العالقة مع العراق، ولا سيما استكمال ترسيم الحدود البحرية بعد العلامة “162”، معتبراً أن ذلك سيكون “بداية للانتقال بالعلاقات بين البلدين إلى آفاق جديدة تعكس ما يربطنا، ورغبة قيادتي البلدين”.
وأشار إلى أن إغلاق تلك القضايا يفوت الفرصة على من “دأب على استغلال هذه الملفات في بث أكاذيب وتلفيقات للنيل من هذه العلاقة وتعكير صفوها”.
وإلى جانب الصباح، دعا البيان الختامي للقادة المشاركين في “القمة الخليجية الصينية”، التي عقدت في 9 ديسمبر بالعاصمة السعودية الرياض، العراق إلى احترام سيادة دولة الكويت وحرمة أراضيها والالتزام بقرارات مجلس الأمن، خاصة القرار رقم “833” والاتفاقيات المبرمة بين البلدين والمودعة لدى الأمم المتحدة”.
وطالب البيان قادة العراق باستكمال ترسيم الحدود البحرية مع الكويت، ولكن لم ترد بغداد على الدعوات الخليجية والكويتية.
جولة مفاوضات جديدة
وبالفعل عقدت اللجنة الفنية الكويتية – العراقية المشتركة اجتماعها الخامس في العاصمة العراقية بغداد، يوم 19 فبراير 2023؛ في مسعى للتوصل إلى حل لقضية ترسيم الحدود البحرية بين البلدين.
وبحسب ما ذكرت وكالة الأنباء الكويتية (كونا) ترأس الجانب الكويتي نائب وزير الخارجية منصور العتيبي، في حين ترأس الجانب العراقي المستشار عثمان العبودي.
وتضمن الاجتماع “مواصلة الحوار المشترك في الجوانب الفنية والقانونية لترسيم الحدود البحرية لما بعد العلامة (162)”.
واتفق الطرفان على “مواصلة الحوار البناء بين الجانبين، في إطار تعزيز العلاقات الأخوية التي تربط البلدين الشقيقين”، بحسب “كونا”.
دور أممي
بعد انتهاء الغزو العراقي للكويت في عام 1990، أدت الأمم المتحدة دور الوسيط الأساسي في العلاقات بين البلدين، وقامت المنظمة الأممية بترسيم الحدود البرية بين العراق والكويت عام 1993، لكنها لم تعمد إلى ترسيم الحدود البحرية بكاملها، وتركت هذه المهمة للدولتين.
العلامة 162
وتوقف ترسيم الحدود البحرية بين الكويت والعراق عند النقطة المعروفة بـ”العلامة 162″ وهي التي ذكرها رئيس الحكومة الكويتية خلال “مؤتمر بغداد 2”.
و”العلامة 162″ هي آخر علامة رسمها مجلس الأمن الدولي وفق القرار “833” في 27 مايو 1993، وهي تقع في منتصف خور عبد الله.
وخور عبد الله هو ممر مائي مشترك يقع في شمال الخليج العربي، بين جزيرتي بوبيان، ووربة، وشبه جزيرة الفاو العراقية، ويمتد إلى داخل الأراضي العراقية، مشكلاً خور الزبير الذي يقع عليه ميناء “أم قصر” العراقي.
وتعد المنطقة الواقعة بعد العلامة “162” البحرية نقطة خلاف كبيرة بين العراق والكويت، خاصة مع الخلاف العلني حول منطقة “فشت العيج”.
تقدّم عبر اتفاقية «خور عبد الله»
ووفقاً للجانب الكويتي، فقد طالبت الحكومة الكويتية نظيرتها في العراق، غير ذي مرة، بالنظر في تسوية قضية الحدود البحرية، وبدأت هذه المطالبات منذ عام 2005 بعد سقوط نظام الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين.
ومع أن البلدين لم يتوصّلا إلى أي اتفاق بهذا الشأن، فإن تطوراً حصل لاحقاً بعد اتفاق الجانبين في 29 من أبريل لعام 2012 على تنظيم الملاحة البحرية في «خور عبد الله» المشترك بينهما، وصودق على الاتفاقية في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام التالي 2013 بعنوان (اتفاقية الخطة المشتركة لضمان سلامة الملاحة في خور عبد الله)، نتيجةً لعقد اللجنة الوزارية الكويتية – العراقية المشتركة أولى اجتماعاتها في عام 2011 في الكويت، حيث أكد الجانب العراقي خلالها التزامه بكل القرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن، لا سيما القرار (833) الخاص بترسيم الحدود بين البلدين.
خلافات قائمة
ظهر خلاف علني حول الحدود البحرية الكويتية العراقية، حين تقدمت الكويت، في مطلع ديسمبر 2022، بمذكرة للعراق، بشأن قيام ثلاث قطع بحرية عراقية بـ”تجاوز المياه الإقليمية لدولة الكويت”.
وطالبت الكويت في المذكرة العراق بـ”سحب هذه القطع فوراً خارج المياه الإقليمية لدولة الكويت”، وفق بيان صادر عن وزارة الخارجية الكويتية.
وأكدت الخارجية الكويتية استعداد الكويت للتعاون مع العراق وفق ما نصت عليه اتفاقية تنظيم الملاحة في خور عبد الله، المبرمة بين البلدين والمودعة لدى الأمم المتحدة.
وشددت على ضرورة احترام سيادة كلا البلدين ورفض دولة الكويت القاطع لأي انتهاك يمس سيادتها، واحتفاظها بحقها في الرد وفق القنوات القانونية.
وبعد يوم كشفت صحيفة كويتية أن القطع البحرية العراقية الثلاث التي تجاوزت المياه الإقليمية الكويتية غادرت المياه الإقليمية للبلاد بأوامر من رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني.
ونقلت صحيفة “القبس” المحلية عن مصادر دبلوماسية تأكيدها أن “التعاون الكويتي العراقي في جميع الجوانب لا تمسه أي شكوك أو عوائق، فيما يدعم أواصر الأخوة وحفظ أمن البلدين واستقرارهما”.
وكان البلدان قد وقعا، في عام 2012، اتفاقية الخطة المشتركة لضمان سلامة الملاحة في خور عبد الله، ولكن جهود ترسيم الحدود بين البلدين توقفت بعدها.
وسبق تلك الدعوة قيام العراق في أغسطس 2019، بتقديم شكوى رسمية إلى الأمم المتحدة ضد الكويت اعتراضاً على قيامها بإنشاء منصة بحرية في “فشت العيج”، وهي مساحة من الأرض تقع بعد النقطة “162”.
وسارعت الكويت في حينها إلى الرد على شكوى العراق في خطاب لمجلس الأمن، قائلة إن “بناء منصة بحرية فوق منطقة فشت العيج الواقعة في المياه الإقليمية الكويتية هو حق كويتي”.
وبينت أنها قامت ببناء هذه المنصة في سبتمبر 2018 “بعدما تمت إحاطة الجانب العراقي علماً في محضر الاجتماع السادس للجنة المشتركة المعنية بتنظيم الملاحة البحرية في خور عبد الله بتاريخ 26 يناير 2017، وفقاً لاتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1981”.
وجاء في الخطاب الكويتي أنه فيما يتعلق بترسيم الحدود البحرية بعد النقطة 162 فإن “الكويت طالبت منذ عام 2005 بالبدء في مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بعد النقطة 162، المرسمة بموجب قرار مجلس الأمن 833 / 1993”.
وقالت إنها استمرت في دعواتها للجانب العراقي حتى اجتماع الدورة السابعة التي عقدت في الكويت في مايو 2019 للبدء في هذه المفاوضات لاستكمال ترسيم الحدود البحرية بين البلدين، لكن الجانب العراقي “لم يتجاوب مع كل تلك الدعوات التي تقدم بها الجانب الكويتي”.
تعزيز سيادة الدولة
هذا وقد أعرب النائب خالد المونس عن تطلعه إلى إنهاء ملف ترسيم الحدود البحرية مع العراق وفق مصالحنا العليا، بهدف تعزيز سيادة الدولة وصيانة مياهها الإقليمية، ومن ثم البدء في تطوير شمال البلاد وإحداث نهضة تأخرت كثيراً، وذلك خلال المباحثات التي أعلن عنها وزير الخارجية الشيخ سالم الصباح مع الجانب العراقي، بهدف الانتهاء من ترسيم الحدود البحرية.
وزاد المونس: «نتمنى أن يتم إغلاق الملفات العالقة مع العراق، وأهمها ترسيم حدودنا البحرية، ليتيح للجارتين التعاون فيما بينهما دون مشاكل مستقبلية، لتتم بعدها مرحلة استثمار الفرص والمشاريع التنموية المشتركة بين البلدين».
وأضاف أن «الوصول إلى حلول نهائية في هذا الملف ستنتج عنها عدة مزايا، أهمها القضاء على ما يحدث من اختراقات أو عمليات استفزازية في مياهنا الإقليمية بدخول الزوارق العسكرية من الجانب العراقي بشكل مستمر، مما يشكل خطراً دائماً على البلاد».
وفيما قال النائب السابق علي الدقباسي “إنهاء ملف الحدود البحرية مع العراق يعني وقف مسلسل المتسللين لحدودنا فضلا عن أنه يرسخ علاقات تعاون وثيقة بين الأشقاء والفيديو المرفق مع تغريدتي يوضح قلب الأعلام العراقي للحقائق وتصوير الكويت وكأنها المعتدية وهذا عاري عن الصحة… مسألة الدفاع عن حدودنا حقا سياديا لا جدل فيه.
إنهاء ملف الحدود البحرية مع العراق يعني وقف مسلسل المتسللين لحدودنا فضلا عن أنه يرسخ علاقات تعاون وثيقة بين الأشقاء.والفيديو المرفق مع تغريدتي يوضح قلب الأعلام العراقي للحقائق وتصوير الكويت وكأنها المعتدية وهذا عاري عن الصحة… مسألة الدفاع عن حدودنا حقا سياديا لا جدل فيه.#الكويت pic.twitter.com/uHCKwFxVp5
— علي سالم الدقباسي (@AliAldeqbasi) February 20, 2023