الشماتة خلق ذميم وسلوك شائن يدل على نفوس مريضة وقلوب قاسية خالية من العطف وحب الخير، وخلق الشماتة غالباً ما تقترن به مظاهر غير حضارية وغير إنسانية من السخرية والهمز واللمز وألوان الاستهزاء من خلال الأقوال والأفعال، والشماتة قد تنتج عن الحسد، وقيل: «الحاسد إذا رأى نعمة بُهت، وإذا رأى عثرة شمت».
وللشماتة دوافع سياسية عنصرية، حيث تشمت شعوب بأكملها في مصائب وكوارث شعوب أخرى لا لشيء إلا لأن المصيبة قد وقعت لشعب أو لشعوب يختلفون عنهم في الدين أو ربما العرق، وإن تباعدت المواقع.
نواب في الكنيست رفضوا حديث نائبة عن الكارثة ووصف رئيس الكنيست سورية وتركيا بالأعداء
وقد أظهرت كارثة الزلزال التي وقعت في شمال سورية وجنوب تركيا بعضاً من تلك الشماتة المقيتة في أطفال ونساء وشيوخ قتلوا، وفي بيوت ومبانٍ تهدمت بفعل كارثة طبيعة، يمكن أن تتكرر في أي زمان ومكان؛ فقد بدت الشماتة العنصرية من خلال برلمانيين متعصبين في برلمان الكيان المغتصب لفلسطين الجريحة، ومن صحافة فرنسية، ومن عنصريين هنود على مواقع التواصل الاجتماعي.
برلمانيون صهاينة عنصريون
في الكنيست الصهيوني، ثارت ثائرة النواب الصهاينة، عندما حاولت نائبة أن تعزي في ضحايا زلزال تركيا وسورية؛ حيث طالبوا بإنزالها من المنصة، بينما دعاها رئيس المجلس بعدم ذكر أسماء «دول معادية»، خاصة تركيا (رغم أنها تربطها علاقات دبلوماسية بالكيان منذ تأسيسه!).
وبدأت الأزمة عندما اعتلت النائبة عن القائمة العربية الموحدة في شمالي الأراضي المحتلة إيمان خطيب ياسين منصة الكنيست، وقالت بالعبرية: إنها ستتحدث عن زلزال تركيا وسورية، ثم شرعت في الحديث بالعربية للتعزية في ضحايا الزلزال المدمر وأسفر عن مقتل عشرات الآلاف.
حاخام صهيوني: كل ما يحدث يهدف إلى تطهير العالم وتحسينه وعلينا أن نفهم ما يدور حولنا
وبمجرد أن ذكرت النائبة العربية كلمات العزاء لتركيا وسورية، ثارت ثائرة الحضور من النواب الصهاينة، وطالبوا بإنزالها من المنصة، بينما تعالت صيحات البعض: «اغربي من هنا واذهبي إلى تركيا إذا أردت تعزيتهم»، وصاح نائب آخر: «لا دخل لنا بمصائب العرب».
وأمام صيحات الاستهجان ومطالبات منع النائبة من التحدث، سمح لها رئيس الجلسة بمواصلة الحديث، بشرط ألا تتحدث عن شعبي سورية وتركيا لأنهما عدوان، فردت عليه النائبة: «ما المشكلة في تعزية الأبرياء؟»، فبادرها بالقول: «أبرياء عندكم أنتم وليس عندنا»، لترد عليه مجدداً: «إذن لا تتحدثوا عن الإنسانية».
ثم قال رئيس الجلسة للنواب اليهود: «حسناً، سندعها تتحدث ولن تذكر اسم البلدين العدوين، خاصة تركيا».
تطهير العالم
وتأتي هذه الواقعة بالتزامن مع وصف أحد أكبر حاخامات «إسرائيل»، وهو شموئيل إلياهو، الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وسورية وقتل عشرات الآلاف من الأشخاص، بينهم أطفال ونساء، بأنه «العدالة الإلهية».
وشبَّه إلياهو، في مقال بصحيفة «أولام كاتان»، وهي نشرة أسبوعية يمينية دينية ذات شعبية بين اليهود، الزلزال بـ«غرق المصريين في البحر» (في زمن سيدنا موسى) بحسب قصة الخروج، وفق تقرير لصحيفة «تايمز أوف إسرائيل».
متعصبون هندوس يشمتون في تركيا باعتبارها حبيبة باكستان ويصفون المسلمين بأنهم «أفاعٍ»
ومتحدثاً عن زلزال تركيا وسورية، قال إلياهو: إن الرب يحكم على كل الأمم من حولنا الذين أرادوا غزو أرضنا عدة مرات ورمينا في البحر، معتبراً أن كل ما يحدث يهدف إلى تطهير العالم وتحسينه.
واتهم سورية بأنها أساءت إلى سكانها اليهود لمئات السنين، فيما اتهم تركيا بأنها شوهت سمعتنا في كل ساحة ممكنة، وأضاف: لكن إذا أخبرنا الله بأنه سيحكم على جميع أعدائنا، فعلينا فقط أن ننظر ونفهم ما يدور حولنا، في إشارة إلى الزلزال.
متعصبون هندوس يشمتون
لم يفوت المتعصبون الهندوس هذه الفرصة للشماتة في ضحايا الزلزال المدمر، فكتب أحدهم على «تويتر»: «زلزال مدمر في سيدة باكستان (يقصد تركيا) وحبيبة عمران خان»، ووصف آخر المسلمين بأنهم أفاعٍ، وعرض ثالث فيديو قصيراً لطفل يتحدث مع رجل، ادعى أنه هو الذي أنقذ ذلك الطفل من الزلزال، والطفل يحاول إقناعه بالإسلام، وعلق قائلاً: فريق الإنقاذ الذي أنقذ الزلزال، بدأ هذا الطفل بمحاولة تحويل أعضاء نفس الفريق (للإسلام)، كيف نحارب هذه الأيديولوجية الهمجية وأمثال هذا الطفل الصغير المتطرف لدرجة أنه يعرف ماذا يفعل؟
انعدام إنسانية «شارلي إيبدو»
في فرنسا، نشرت مجلة «شارلي إبدو» رسماً كاريكاتيرياً تحت عنوان «رسم اليوم» على حسابها على «تويتر»، يظهر مبنى متضرراً وسيارة مدمرة وكومة من الأنقاض مع التعليق: «لا داعي لإرسال دبابات»، هكذا شمتت مجلة «شارلي إيبدو» سيئة السمعة بضحايا أبرياء لكارثة طبيعية، ولم تخفِ المجلة، الفرنسية اليمينية المتطرفة، فرحها في مقتل وتشرد آلاف من الأبرياء فقط لأنهم أتراك وعرب مسلمون.
رواد مواقع التواصل انتقدوا مجلة «شارل إيبدو» لسخريتها من الكارثة وشماتتها في الضحايا
التعليق الذي كتبته رسامة الكاريكاتير وهو «لا داعي لإرسال الدبابات» يُظهر عنصرية متطرفة، وانعداماً واضحاً للإنسانية، بل ونزعاً لإنسانية الضحايا، رغم أن جلهم من النساء والأطفال وكبار السن.، ماذا تعني الرسامة بما كتبت؟ هل تدعو لإرسال الدبابات لقتل الناس وتدمير بيوتهم، إذا لم تقتلهم الكوارث الطبيعية، أم أن قتلنا وتدمير بيوتنا، إذا لم تقتلنا وتدمر بيوتنا الكوارث الطبيعية، مكلف لهم لأنهم سيضطرون لإرسال الدبابات؟!
وقد انتقد مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي المجلة لسخريتها من الكارثة التي أودت بحياة الآلاف وجرح مئات آلاف آخرين، واعتبر الكثيرون الرسم «عنصريًا» و«حقيرًا»، وأدانوه لأنه يسخر من آلام آلاف الضحايا الأبرياء.
وقال نشطاء: إن الكاريكاتير «عديم الإحساس»، ومصنوع بـ«ذوق سيئ»، ومتجاوز لحد القبول الذي يبديه الناس للنكات الذكية والفكاهة الساخرة.
وقال أحد المغردين: «شارلي إيبدو» لا تُضحك أحدًا، وتهدف فقط إلى إثارة الكراهية من خلال إثارة الجدل، ولكن للأسف، باسم حرية التعبير، فهل يجب أن نقر أن ذلك أمر طبيعي؟
وغرد الإمام البارز عمر سليمان، من معهد يقين للبحوث الإسلامية، على المنشور قائلاً: إن الرسوم الكاريكاتيرية تجرد «المسلمين» من إنسانيتهم كضحايا بكل الطرق.
وغرد كذلك الباحث في «الإسلاموفوبيا» خالد بيضون قائلاً: هذا مجرد عمل حقير وعنصري وغير حساس للغاية.