كشف بيان سعودي إيراني صيني مشترك، يوم الجمعة، عن توصل الرياض وطهران إلى اتفاق مشترك يقضي باستئناف العلاقات الثنائية بين البلدين وتبادل السفراء في غضون شهرين.
ووفق وكالة الأنباء السعودية (واس)، فقد جرت في الفترة من 6 – 10 مارس 2023م في بكين، مباحثات بين وفدي السعودية برئاسة مساعد بن محمد العيبان وزير الدولة عضو مجلس الوزراء مستشار الأمن الوطني في السعودية، والأدميرال علي شمخاني أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني.
صدور بيان ثلاثي مشترك لكل من المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية وجمهورية الصين الشعبية.https://t.co/VloBdQq0ec #واس pic.twitter.com/H9x40B6dRa
— واس الأخبار الملكية (@spagov) March 10, 2023
وأعلنت الدول الثلاث أن السعودية وإيران توصلتا إلى اتفاق يتضمن الموافقة على استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما، وإعادة فتح سفارتيهما وممثلياتهما خلال مدة أقصاها شهران.
ويتضمن أيضاً تأكيدهما على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وفق “واس”.
واتفقا أن يعقد وزيرا الخارجية في البلدين اجتماعاً لتفعيل ذلك، وترتيب تبادل السفراء ومناقشة سبل تعزيز العلاقات بينهما.
كما اتفقا على تفعيل اتفاقية التعاون الأمني بينهما الموقعة في 17 أبريل 2001م، والاتفاقية العامة للتعاون في مجال الاقتصاد والتجارة والاستثمار والتقنية والعلوم والثقافة والرياضة والشباب، الموقعة بتاريخ 27 مايو 1998م.
وأوضحت أن الاتفاق جاء استجابةً لمبادرة من الرئيس الصيني شي جين بينغ بدعم الصين لتطوير علاقات حسن الجوار بين السعودية وإيران، وبناءً على الاتفاق بين الرئيس شي جين بينغ، وكل من قيادتي السعودية وإيران، بأن تستضيف الصين المباحثات بين البلدين.
كما جاء الاتفاق برغبة من إيران والسعودية في حل الخلافات بينهما من خلال الحوار والدبلوماسية في إطار الروابط الأخوية التي تجمع بينهما، والتزاماً منهما بمبادئ ومقاصد ميثاقي الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي، والمواثيق والأعراف الدولية، بحسب ما أوردت “واس”.
وأعرب الجانبان السعودي والإيراني عن تقديرهما وشكرهما للعراق وسلطنة عُمان لاستضافتهما جولات الحوار التي جرت بين الجانبين، خلال عامي 2021-2022م.
كما أعرب الجانبان عن تقديرهما وشكرهما لقيادة وحكومة الصين على استضافة المباحثات ورعايتها وجهود إنجاحها، كما أعربت الدول الثلاث عن حرصها على بذل كافة الجهود لتعزيز السلم والأمن الإقليمي والدولي.
ترحيب سعودي
وفي بيان منفصل أكد “العيبان” ترحيب المملكة بمبادرة الرئيس الصيني شي جين بينغ، مشيراً إلى أنه يأتي انطلاقاً من نهج المملكة الثابت والمستمر “بمبادئ حسن الجوار، والأخذ بكل ما من شأنه تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم، وانتهاج مبدأ الحوار والدبلوماسية لحل الخلافات”.
وأعرب العيبان عن شكر الرياض لجمهورية العراق وسلطنة عُمان على التسهيلات التي قدماها لجولات الحوار السابقة.
وذكر أن الاتفاق يأتي “تتويجاً للمباحثات المتعمقة التي أجريناها خلال هذا الأسبوع، والتي حظيت بدعم قيادات دولنا الثلاث، وتم خلالها مراجعة مستفيضة لمسببات الخلافات والسبل الكفيلة لمعالجتها”.
وأضاف: “حرصت المملكة على أن يكون ذلك في إطار ما يجمع البلدين من روابط أخوية، وفتح صفحة جديدة تقوم على الالتزام بمبادئ ومقاصد ميثاقي الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي والمواثيق والأعراف الدولية”.
ولفت العيبان إلى أن “ما تم التوصل إليه من تأكيد على مبادئ احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها يُعد ركيزة أساسية لتطور العلاقات بين الدول وتعزيز الأمن والاستقرار في منطقتنا، وبما يعود بالخير والنفع على البلدين والمنطقة بشكل عام، وبما يعزز السلم والأمن الإقليمي والدولي”.
العيبان: ترحيب قيادة المملكة بمبادرة الرئيس الصيني لتطوير العلاقات بين المملكة وإيران يأتي انطلاقاً من نهج المملكة في التمسك بمبادئ حسن الجوار والأخذ بكل ما من شأنه تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم، وانتهاج مبدأ الحوار والدبلوماسية لحل الخلافات.https://t.co/4Uqznvbse7 pic.twitter.com/OqxCTCD8b7
— واس العام (@SPAregions) March 10, 2023
من جانبه اعتبر وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان استئناف العلاقات الدبلوماسية بين المملكة وإيران، “يأتي انطلاقاً من رؤية المملكة القائمة على تفضيل الحلول السياسية والحوار، وحرصها على تكريس ذلك في المنطقة”.
وأوضح “بن فرحان” في تغريدة عبر حسابه بـ”تويتر”، أن “دول المنطقة يجمعها مصير واحد، وقواسم مشتركة، تجعل من الضرورة أن نتشارك سويا لبناء أنموذجٍ للازدهار والاستقرار لتنعم به شعوبنا”.
يأتي استئناف العلاقات الدبلوماسية بين المملكة وإيران، انطلاقا من رؤية المملكة القائمة على تفضيل الحلول السياسية والحوار، وحرصها على تكريس ذلك في المنطقة. يجمع دول المنطقة مصير واحد، وقواسم مشتركة، تجعل من الضرورة أن نتشارك سويا لبناء أنموذجٍ للازدهار والاستقرار لتنعم به شعوبنا.
— فيصل بن فرحان (@FaisalbinFarhan) March 10, 2023
بدوره قال علي شمخاني للصحفيين عقب توقيع الاتفاق: إن “عودة العلاقات الدبلوماسية مع السعودية تعزز الاستقرار والأمن الإقليميين”.
كما قال وزير الخارجية الإيراني حسين عبد اللهيان، في تصريحات صحفية: إن “عودة العلاقات الإيرانية السعودية توفر إمكانات كبيرة للمنطقة والعالم الإسلامي”.
وأشار عبد اللهيان إلى أن “سياسة حسن الجوار أمر محوري ونواصل العمل نحو مزيد من الخطوات الإقليمية”.
ولفت إلى أن سياسة حسن الجوار التي تنتهجها حكومة الرئيس إبراهيم رئيسي “تسير في الاتجاه الصحيح”.
وكان مساعد الرئيس الإيراني للشؤون البرلمانية سيد محمد حسيني قال، في 4 يناير الماضي، إن وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان أعرب خلال لقائهما في البرازيل، عن استعداد الرياض لاستئناف المفاوضات مع طهران.
واحتضنت بغداد مفاوضات مباشرة بين السعودية وإيران، منذ أبريل 2021م، لكنها لم تحقق تقدماً ملموساً على الأرض، وقد جرت خامس جولات هذه المفاوضات في شهر مارس الماضي، وحققت نتائج إيجابية.
وشهد عام 2022م لغة دبلوماسية أقرب للتصالح من جهة المسؤولين الإيرانيين مع السعودية.
وقبلت طهران طلب الرياض إجراء اجتماع مباشر، وأعلن وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، في 23 يوليو 2022م، نية بلاده استضافة لقاء علني بين وزيري خارجية السعودية وإيران “خلال وقت قريب”.
وانقطعت العلاقات الدبلوماسية بين الجانبين، مطلع يناير 2016م، عقب اقتحام سفارة السعودية في طهران وقنصليتها في مشهد من قبل محتجين.
و رحب الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي جاسم البديوي بالبيان الثلاثي الذي صدر من الصين، معرباً عن دعم المجلس وترحيبه بكافة الخطوات التي تُسهم في تعزيز الأمن والسلام في المنطقة.
وأكد أهمية الدور المحوري الذي تقوم به السعودية والدور الذي تلعبه دبلوماسيتها الفاعلة في المجالين الإقليمي والدولي، وقال إنه يتطلع إلى أن تُسهم هذه الخطوة في تعزيز الأمن والسلام العالميين.
وثمن البديوي الجهود التي بذلتها سلطنة عُمان والعراق لاستضافة جولات الحوار السابقة بين الرياض وطهران، كما أثنى على جهود الصين واستضافتها لهذه المباحثات التي تمخض عنها الاتفاق الأخيرة.
وشدد على موقف دول مجلس التعاون تجاه دعم سياسة الحوار وحل الخلافات سياسياً، والالتزام بميثاق الأمم المتحدة، والقانون الدولي، ومبادئ حُسن الجوار، واحترام سيادة الدول، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وحل الخلافات بالطرق الدبلوماسية.
الأمين العام لمجلس التعاون يعرب عن ترحيبه بالبيان المشترك بشأن استئناف العلاقات الدبلوماسية السعودية الإيرانية https://t.co/mcwtdfOXHk#مجلس_التعاون pic.twitter.com/fnhoWSX62c
— مجلس التعاون (@GCCSG) March 10, 2023
هذا وقد قال النائب السابق في البرلمان الكويتي وليد الطبطبائي ” الاتفاق السعودي الإيراني نتمنى ان الجانب السعودي والذي يمثلنا دون شك في مواجهة النظام الايراني الذي احتل ٤ دول عربية وخربها نتمنى أن يكون فيه فائدة للشعوب العربية والتي ذاقت ويلات هذا النظام المجرم.. متأكد أن السعودية لن تطبع مع هذا النظام بالمجان ، ولكن عليها الحذر من تحايلهم
#الاتفاق_السعودي_الإيراني نتمنى ان الجانب السعودي والذي يمثلنا دون شك في مواجهة #النظام_الايراني الذي احتل ٤ دول عربية وخربها نتمنى أن يكون فيه فائدة للشعوب العربية والتي ذاقت ويلات هذا النظام المجرم..
متأكد أن #السعودية لن تطبع مع هذا النظام بالمجان ، ولكن عليها الحذر من تحايلهم pic.twitter.com/L5nCEOSA1a— وليد مساعد الطبطبائي (@Altabtabie) March 12, 2023
فيما قال النائب السابق في البرلمان الكويتي عودة الرويعي ” التحالفات والاتفاقيات الاقليمية من حولنا تتسارع وتتشكل وفق مصالح محددة ومسئولية مشتركة بين الاطراف المختلفة ولا نعلم أين موقعنا في خضم هذه التغيرات. الأكيد بأننا مشغولون بالشأن الداخلي والثغرات العديدة الموجودة فيه بدون تحقيق نتائج واضحة تعود بالفائدة علينا.
التحالفات والاتفاقيات الاقليمية من حولنا تتسارع وتتشكل وفق مصالح محددة ومسئولية مشتركة بين الاطراف المختلفة ولا نعلم أين موقعنا في خضم هذه التغيرات. الأكيد بأننا مشغولون بالشأن الداخلي والثغرات العديدة الموجودة فيه بدون تحقيق نتائج واضحة تعود بالفائدة علينا.
— عودة العودة الرويعي (@OdahAlodah) March 12, 2023
الملف اليمني
وبحسب الخبراء، فإن الملف اليمني سيكون الاختبار الحقيقي الأول لهذه الاتفاقية.
ففي حال شهد تحسناً خلال الشهرين القادمين، ستتوالى خطوات في ملفات إقليمية أخرى أكثر تعقيداً، على حد وصفهم.
تصفير المشكلات
وفي دراسة نشرها مركز “تريندز” للبحوث والاستشارات في السعودية، في 10 مارس 2023م، أفاد بأن الاتفاق السعودي الإيراني من شأنه تعزيز سياسة “تصفير المشكلات”، حيث تتجه الآن العديد من دول الإقليم في سياستها الخارجية إلى تصفير المشكلات القائمة والمحتملة، والبحث عن حلول ابتكارية لتسوية خلافاتها مع دول الجوار.
وذكرت الدراسة أن هذه السياسة تأتي للبحث عن صيغ جماعية أكثر تعاونية يربح فيها الجميع، خاصة بعد التداعيات السلبية لأزمة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية على دول الشرق الأوسط.
كما يفتح الاتفاق، وفق الدراسة، الباب على مصراعيه للحوار بين الدولتين لتسوية العديد من الأزمات المشتعلة في المنطقة، وفي مقدمتها الأزمة اليمنية، حيث تمتلك الدولتان أوراقاً كثيرة تستطيعان من خلالها أن تدفعا طرفي الأزمة إلى الجلوس معاً من أجل الوصول إلى تفاهمات لإنهاء الحرب.
يضاف إلى ذلك أن الحوار السعودي الإيراني قد يدفع إلى الوصول إلى تفاهمات حول تقليل أو إنهاء الوجود العسكري الإيراني في كل من العراق وسوريا، والذي اتخذته “إسرائيل” ذريعة للقيام بعمليات عسكرية متكررة في سوريا تحديداً، بموافقة وتنسيق من الولايات المتحدة وروسيا.
وتمثل الأزمة السياسية في لبنان إحدى أكثر الأزمات التي قد تشهد انفراجة على خلفية الاتفاق السعودي الإيراني، خاصة أن البلد يشهد انقساماً حاداً بين فريقين يرتبط كل واحد منهما بإحدى الدولتين (الرياض وطهران).
وسوف تساعد تسوية الخلافات السعودية الإيرانية، وغيرها من الخلافات في المنطقة، دول الإقليم على تجفيف بؤر الإرهاب، ومحاصرة تمويل الجماعات الإرهابية، والمليشيات وجماعات العنف، ولا سيما تلك التي تدعمها إيران، حسب الدراسة.
ثلاثة سيناريوهات
وبشأن سيناريوهات العلاقات بين الدولتين بعد الإعلان على الاتفاق فإن أولها وأكثرها تفاؤلاً يشير إلى سرعة في الحراك السياسي بين البلدين، وبين إيران والدول الخليجية وأغلب الدول العربية.
كما يتضمن هذا السيناريو البدء بحلحلة الأزمات الملتهبة في المنطقة خاصة في اليمن وسوريا والعراق، وحدوث تنسيق أمني وزيارات متبادلة بين أعلى القيادات السياسية، والبدء بالتعاون الاقتصادي والتبادل التجاري، والحوار الثقافي والاجتماعي.
أما السيناريو الثاني فيتضمن عودة العلاقات الدبلوماسية دون التطبيع الكامل للعلاقات بين الدولتين.
وفق هذا السيناريو سوف يكون هناك تنسيق سياسي وأمني دون الوصول إلى عودة كاملة وطبيعية لكل العلاقات بينهما.
وهنا سوف تكتفي بعض الدول العربية بفتح باب الحوار مع طهران، والتعاون المحدود في بعض القضايا الأمنية والاقتصادية، وستظل بعض النزاعات الإقليمية قائمة مدة أطول.
أما السيناريو الثالث فتكتفي الرياض وطهران بعودة التمثيل الدبلوماسي وإقامة حوار محدود النطاق دون الدخول في حل نهائي للقضايا العالقة بين الدولتين، أو حل القضايا الإقليمية الأخرى.
كما ستظل العلاقات العربية الإيرانية كما هي عليه الآن، ولن تشهد تطبيعاً عربياً كاملاً مع طهران.
ويرى مراقبون أن السيناريو الثاني هو الأقرب للواقع في المدى القصير، وفي ظل تحققه ربما تشهد المنطقة الدخول في تسوية للصراع المحتدم في اليمن، والدخول في علاقات وتنسيق بين البلدين.
انعكاسات اقتصادية
أما على الصعيد الاقتصادي، فإن الاتفاق السعودي الإيراني سيمثل فرصة كبيرة لزيادة التعاون الاقتصادي والتجاري.
وسيتيح الاتفاق تنشيط حركة التجارة والاستثمارات المشتركة، خاصة في ظل ما يمتلكه البلدان من إمكانات اقتصادية وموارد نفطية كبيرة.
ولعل أهم ما تتضمنه بنود الاتفاق العودة للعمل باتفاقية عام 1998م، وهي تحمل بعداً اقتصادياً كبيراً.
وتنص الاتفاقية السعودية الإيرانية على “التعاون في المجالات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية والعلمية والتقنية والثقافية والرياضية والشبابية”.
وشملت الاتفاقية كذلك تشجيع وتسهيل الاستثمارات المشتركة بين الدولتين وتبادل زيارات الوفود التجارية، كما تضمنت إمكانية توقيع الجانبين أية اتفاقيات أخرى يريانها مناسبة في أي من هذه المجالات.