منذ قرون مضت، تواصل المرأة في بلدان مختلفة تسطير تاريخ واعد في بناء الوعي ونشر التعليم، من خلال إنشاء الكثير من المدارس والأربطة والخوانق والزوايا والمعاهد والجامعات.
من أفريقيا إلى آسيا، ومن الشام إلى العراق، ومن الجزيرة العربية إلى الهند، ومن مصر إلى نيجيريا، مارست حواء دوراً بارزاً في مسيرة التعليم، وزاحمت الرجل في رعاية العلم والعلماء والأدب والأدباء، في مختلف الدول والعصور.
19 مدرسة
تؤكد كتب التاريخ والتراجم، تمكُّن النساء من إنشاء 19 مدرسة في دمشق خلال الفترة ما بين عامي 526 – 660هـ، وأهمها المدرسة الخاتونية البرانية، والخاتونية الجوانية، وذلك في عصر الأيوبيين على يد خاتون أم شمس الملوك.
كذلك قامت أخريات بإنشاء مدارس، منها: المدرسة القطبية، الشامية البرانية، العذراوية، الماردينية، الفروخشاهية، الشامية الجوانية، مدرسة الصاحبة، الميطورية، الكاملية، الدماغية، الأتابكية، العالمة، الحافظية، المرشدية، العادلية الصغرى، الشومانية، الجمالية.
«الخاتونات» برزن في تأسيس وإطلاق الوقف التعليمي
أما مدينة حلب، فقد احتضنت أكثر من 200 مدرسة وزاوية وخانقاه ورباط، وكلها مراكز علمية متنوعة، منها مجمع الفردوس الذي ضم مدرسة ومسجداً ورباطاً وزاوية، وأنشأته الملكة ضيفة خاتون، زوجة الملك الظاهر غازي بن صلاح الدين.
وهناك المدرسة الكاملية خارج باب المقام شرقي، والمدرسة الظاهرية التي أنشأتها فاطمة خاتون ابنة الملك الكامل، والمدرسة الرحيمية التي أنشأتها رحمة قاذين، والمدرسة الخاتونية التي ضمت خزانة كتب كبيرة، وأنشأتها إحدى نساء بني أيوب، ومدرسة أم سلطان التي أسستها أنشأتها خوند بركة أم السلطان الملك الأشرف شعبان بن حسين، والمدرسة الخاتونية التي أنشأتها أرغون خاتون زوجة والي دمشق عز الدين أبدمر الأشرفي.
وتواصل الدور النسائي في تأسيس مدارس أخرى، فبرزت الخاتون فاطمة، وفي بعض المصادر زمرد بنت نجم الدين أيوب، أخت صلاح الدين الأيوبي، والشهيرة بـ«ست الشام»، وكان لها دور كبير في رعاية العلم والعلماء.
أسهمت زمرد في إنشاء المدرسة الشامية البرانية، التي عيّنت فيها خيرة العلماء، واشترطت عليهم التفرغ لها، كما أنشأت المدرسة الشامية الجوانية، وتبرعت لها بأوقاف كثيرة.
امتد الأمر إلى العشرات من نساء سلاطين وأمراء الدولة الأيوبية المسميات بـ«الخاتونات»؛ حيث كان لهن دور في رعاية العلم والأدب وبناء المدارس وإطلاق ما يسمى بـ«الوقف التعليمي».
أول مدرسة نظامية بالجزيرة العربية أنشأتها امرأة
مدارس حديثة
من مدارس النساء في العصر الحديث التي شيدت في الشام، مدرسة دوحة الأدب، التي أنشأتها عادلة بيهم، ومدرسة نور الفيحاء التي أنشأتها نازل العابد التي يلقبونها بـ«رائدة الوعي النسائي في الشام».
أما نائلة خاتون، زوجة مراد أفندي مكتوبجي، أحد رجال الدولة العثمانية بالعراق، فقد أوقفت عام 1874م بيتها ببغداد، وجعلته مدرسة تعرف باسم مدرسة نائلة هاتون أو المدرسة المرادية، وعينت فيها مدرساً وإماماً ومؤذناً وخدماً.
وفي القدس، موطن أولى القبلتين وثالث الحرمين، أسست النساء المدرسة البارودية، والمدرسة العثمانية، والمدرسة الخاتونية.
وأنشأت النساء بمكة المكرمة الكثير من المدارس والأربطة والزوايا، وأهمها: رباط أم الخليفة الناصر العباسي، رباط أم الحسين بنت قاضي مكة شهاب الدين الطبري، رباط أم القطب القسطلاني، رباط خاصكي سلطانة بزم.
أما خوند تتر الحجازية ابنة السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون، فأنشأت المدرسة الحجازية عام 1360م، وبها مكتبة ومسجد وسبيل للأيتام يصرف لهم الطعام والنقود، وملابس، كما أنشأت مدرسة أخرى بالقاهرة ومنحتها أوقافاً ضخمة.
«ست الشام» كان لها دور كبير في رعاية العلم والعلماء
الصولتية أزهر بلادي
يؤكد المؤرخون أن أول مدرسة نظامية بالجزيرة العربية أنشأتها امرأة ذات أصول هندية تدعي صولت النساء بيغم التي توفي زوجها وترك لها أموالاً طائلة؛ فأرادت أداء فريضة الحج عام 1291هـ، ولمست حاجة أهل مكة إلى التعليم النظامي فأسندت إلى زوج ابنتها الشيخ محمد رحمت الله إنشاء المدرسة.
لم تكتف فقط بتعليم أهل الجزيرة، وإنما وفد إليها طلاب علم من مختلف الدول، وزارها الملك عبدالعزيز آل سعود، وأثنى عليها، وقال قولته الشهيرة: «الصولتية أزهر بلادي»؛ اعترافاً بدورها في نشر العلم.
وهناك الملكة عفت آل ثنيان زوجة الملك فيصل بن عبدالعزيز، التي أقامت مدرسة للبنات في قصرها وافتتحت قسماً لتعليم البنات داخل مدرسة الطائف النموذجية.
وفي اليمن، أنشأت النساء 33 مدرسة، أبرزها: المدرسة الصلاحية، السابقية (مريم)، الشمسية، المعتبية، الياقوتي، النجمية، الظهرية، الحضرية، العائشية، الواثيقية.
وأشهر من قمن بإنشاء مدارس، الأميرة الكريمة جهة صلاح، وهي أم الملك علي داود، خامس ملوك الدولة الرسولية، التي شيدت المدرسة الإصلاحية في مدينة زبيد، ومدرسة في تعز، وكذلك الأميرة لؤلؤة زوجة الأمير علي بن رسول، وأنشأت المدرسة العومانية.
وأسست الأميرة حبيبة بنت الأمير بدر الدين الحسن مدرسة المعين، وشيدت الأميرة زهراء ابنة بدر الدين الحسن مدرسة الجبالي، وأنشأت أم الملك المظفر يوسف بن عمر بن علي مدرسة أم السلطان في تعز، والمدرسة السيفية الكبرى في زبيد.
أما الأميرة الدار الشمسي ابنة الملك المنصور عمر، أول ملوك الدولة الرسولية، فقد أنشأت المدرسة الشمسية لتعليم القرآن الكريم والحديث النبوي، والثانية كانت تعرف أيضاً باسم المدرسة الشمسية، وخصصت لتدريس المذهب الشافعي.
وأسست الأميرة دار الأسد مدرسة الأسدية في تعز، وأنشأت الأميرة مريم بنت الشيخ العفيف 3 مدارس: العفيفية، ومريم، وذي عقيب، أما الأميرة جهة دينار، إحدى زوجات الملك المظفر يوسف، فقد أنشأت مدرسة لتعليم القراءة والكتابة، وأسست الأميرة جهة دار الدملوة 3 مدارس، وأنشأت الأميرة ماء السماء المدرسة الواثقية في زبيد.
نساء زاحمن الخطاطين في كتابة المصاحف والمؤلفات العلمية
الهند وأفريقيا
أشهر ما أنشأته النساء في الهند كان على يد شاهجهان بيكم، ملكة بهوبال، التي بنت الكثير من المدارس العلمية، وكذلك السلطانة رضية بنت التتمش من سلالة المماليك الأتراك، الذين حكموا عاصمة الهند (دلهي)، وأول حاكمة مسلمة في جنوب آسيا، وامتد حكمها بين عامي 1236 – 1240م، وأنشأت مئات المدارس.
ويبرز في القارة السمراء جامع القرويين بفاس، وأنشأته فاطمة بنت محمد بن عبدالله الفهرية القيروانية عام 859هـ، حيث اشترت الأرض لبنائه بمالها.
لاحقاً وسَّعه الأمراء وزادوا فيه حتى صار أقدم جامعة عرفها التاريخ في العالم، ولا تزال الجامعة تعمل كمؤسسة أكاديمية حتى اليوم.
وسطرت المصريات دوراً تاريخياً في تأسيس الزوايا والخانقات والربط، ومنها المدرسة القطبية، الحجازية العاشورية، الصغيرة السنية، النهضة، بنات الأشراف، الإحسان.
وقد كانت الأبرز تاريخياً هي الأميرة فاطمة بنت الخديوي إسماعيل، التي وهبت الجامعة المصرية عام 1909م (جامعة القاهرة حالياً) قطعة أرض بقرب قصرها في ضواحي القاهرة، كما أوقفت عليها 674 فداناً بدلتا النيل، وتبرعت بالكتب والمخطوطات النادرة التي أهديت لها من ملوك وأمراء العالم، وأصرت على أن تكون نفقات وضع حجر أساس الجامعة عام 1914م من مالها الخاص.
وفي مصر أيضاً تبرز خديجة الخازنداره التي قامت بإنشاء مجموعة معمارية، أهمها: معهد للقراءات، ومدرسة، ومسجد، ومستشفى، وسبيل خيري.
أما في غرب أفريقيا، وتحديداً نيجيرياً، فقد قامت نانا أسماء، حفيدة المجدد الديني المعروف عثمان بن فودي، بإنشاء مدارس وحلقات لتعليم القراءة والكتابة.
ومن القراءة والكتابة، عشقت نساء كثيرات الخط العربي فقمن بإنشاء مدارس له حتى إن بعضهن زاحمن الخطاطين، فكتبن المصاحف والمؤلفات العلمية والدينية والأدبية.