حذر الخبير في شؤون القدس د. جمال عمرو من خطر داهم يحيق بالمسجد الأقصى المبارك جراء استمرار الحفريات الصهيونية التي تجريها سلطات الاحتلال في محيط المسجد وأسفله.
وفي حوار أجرته معه «المجتمع» خلال زيارته للكويت، مؤخراً، أكد عمرو، وهو متخصص بعمارة بيت المقدس، أن سقوط الحجارة داخل «الأقصى» ينذر بخطر شديد، مشيراً إلى أن سلطات الاحتلال تقف حائط صد وتعرقل أعمال الترميم والصيانة داخل المسجد.
سقوط الحجارة وفي أماكن محددة داخل «الأقصى» ينذر بخطر شديد يحيق بالمسجد
بداية، أعطنا لمحة لما يجري في القدس والمسجد الأقصى حالياً.
– كان الشيخ أحمد القطان، رحمه الله تعالى، كأنه يوحى إليه، فكان يتحدث في ذلك الزمن عن المسجد الأقصى، ويصدح بالحق عالياً، وكنت تستمع إليه في سماعات «الأقصى»، وعندما تأتي إلى الكويت فتستمع إليه مباشرة تشعر مدى استشرافه للأحداث التي مر بها «الأقصى» قديماً، وازدادت خطورة الآن.
اليهودي قام بحفريات خطيرة جداً تحت «الأقصى»، من الناحية الجنوبية والغربية، بعدما دمر حي المغاربة وحي الشرف تدميراً كاملاً، وأزال أوقافاً إسلامية بالكامل، وعبث بالقصور الأموية والعباسية عبثاً شديداً، وطبق 13 مشروعاً تحت شعار «كدم أورشليم»؛ أي القدس التاريخية، كأنهم يتحدثون عن أن القدس الحديثة بيد العرب والمسلمين مصطنعة أما جذورها فهي يهودية.
هكذا يريدون أن يوثقوا في ذهن السائح باللغات المتعددة أن لهم تاريخاً مصطنعاً في المدينة، ولكنهم بعد 57 حفرية لم يجدوا حجراً واحداً لا لهيكل ولا لغير الهيكل.
علماء منصفون من «الإسرائيليين» من جامعتي تل أبيب وحيفا، قالوا: إنهم وجدوا 12 قطعة فخارية، و4 قطع برونزية، تحت جدران «الأقصى» الغربية، وكانت هذه صفعة صادمة لكل الحفريات؛ إذ تبين أن هذه القطع الأثرية نفت إمكانية أن يكون اليهود قد وضعوها تحت جدار «الأقصى»؛ وبالتالي تعود لعهد الرومان وما قبلهم، وأنها آثار عربية ولم تكن إطلاقاً يهودية ولا «إسرائيلية»، عندها جلس بروفيسور «إسرائيلي» على الأرض ووضع يده على رأسه وقال: الآن بدأت لي القناعة المطلقة أنه لا أثر يهودياً في هذه البلاد.
علماء «إسرائيليون» دحضوا مزاعم وجود تاريخي لليهود في أرض فلسطين
ما الآثار المستقبلية للحفريات تحت «الأقصى»؟ وهل يمكن أن ينهار المسجد؟
– أولاً: «الأقصى» ليس مبنى فقط، ففيه رأي شرعي توقيفي كالكعبة المشرفة تماماً، وهو شقيقها، وأولى القبلتين، وثالث المسجدين حرمة عند الله؛ فبالتالي حدوده التوقيفية من عهد سيدنا إسماعيل وأبيه إبراهيم، عليهما الصلاة السلام، حدود أرض مساحتها 144 دونماً كلها «أقصى»، حيثما صليت تسجد حيث سجد نبي أو رسول.
«الأقصى» هو مساحة تشرَّف المسلمون فيما بعد وسلاطين وأمراء الإسلام بإضافات المباني عليها، منها: الأموي، والعباسي، والأيوبي، والعثماني.. هذه المباني نعم نقول وبأسى شديد: إنها يمكن أن تنهار، والسبب عندما نرصد الحفريات ونشاهد خط التشققات وتساقط الحجارة في المكان الذي دخل منه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء والمعراج، فقد ذهبت بنفسي وما كنت أعرف هذه الحقيقة، وجلست أقرأ كيف وصف رسول الله دخوله إلى «الأقصى»، وماذا رأى من نقوش وتفاصيل معمارية، لأنه رُفع له «الأقصى» عندما حزبته قريش في المسألة؛ فجعل يصفه تماماً، فأنا دخلت وأصبحت أقارن هذا الوصف فوجدته مطابقاً تماماً لما وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
إن سقوط الحجارة، وفي أماكن محددة شمالاً جنوباً وشرقاً غرباً في داخل «الأقصى»، ينذر بخطر شديد يحيق بالمسجد.
آن الأوان لأمة الإسلام أن تستفيق، وأن تعلم أن هناك حفريات خطيرة جداً، وأن «الإسرائيليين» منعوا «اليونسكو» ومهندسي الأوقاف الأردنية والمهندسين المستقلين من الدخول والمشاهدة والمعاينة وكتابة التقارير.
الجيل الفلسطيني الجديد يؤمن أن هذا «الأقصى» للإسلام والمسلمين، وأنه قرآن يتلى، وأن الذي فتح المسجد وجاء إليه سائراً يقود ناقته هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو ليس فلسطينياً، وأن الذي عاد لتحريره هو صلاح الدين الكردي وهو مسلم وليس عربياً.
إذاً، «الأقصى» بهذه الطريقة للأنبياء والمرسلين ومحمد صلى الله عليه وسلم، ثم إلى عمر بن الخطاب، ثم إلى صلاح الدين.. مسيرة خير وإيمان ليس للفلسطيني فيها أي دور إلا أنهم هم الموجودون في الميدان لمساعدة الإسلام والمسلمين.
«الأقصى» مسيرة خير وإيمان ليس للفلسطيني فيها أي دور إلا أنهم موجودون في الميدان لمساعدة الإسلام والمسلمين
ماذا يوجد تحت المسجد الأقصى؟
– دخلت إلى بعض الأنفاق والحفريات المسموح الدخول إليها، وسرت مع السائحين، وبصفتي مهندساً معمارياً مختصاً بعمارة القدس، استمعت لمعمارية «إسرائيلية» تزيل قبة الصخرة أمامنا ونحن ننظر إليها على منصة تحت الأرض وتضع في مكانها تصورهم لـ«قدس الأقداس«» وتقول: هنا قبة الصخرة نزيلها ونضع مكانها «قدس الأقداس»، ونحن نعرض على الأردن نقلها إلى أبو ديس.. هكذا ببساطة هم مسكونون بهذه العقلية المنحرفة.
نحن كمهندسين ندرك أن ما يقولونه مضحك ولا يصدقهم أحد لا من «اليونسكو» ولا من الأمريكيين أصدقائهم ولا الألمان والفرنسيين ولا غيرهم.
57 حفرية أحاطت بـ«الأقصى» كسوار بالمعصم من 4 جهات وتحت الأرض وفي كل مكان، وآبار «الأقصى» الـ34 التي كانت تروي البلدة القديمة تعرضت للعدوان.
في نهاية الأمر، انهارت الرواية «الإسرائيلية» انهياراً مروعاً، وهم الآن مذهولون لأنهم لم يجدوا أي أثر، حتى عندما قالوا: وجدنا صولجان سليمان، بعدما دار في متاحف أوروبا لعامين، أعادوه إلى القدس وعُرض بالمتحف «الإسرائيلي»، وقالوا: يجب أن يمر على المختبر حتى يأخذ شهادة، وعندما مر قالوا: إن عُمْر هذا الصولجان سنتان، فالأوروبيون صدقوا، أما العلماء «الإسرائيليون» المنصفون قالوا: إن هذه كذبة كبرى، وبعدها انهارت كل الروايات.
هل لـ«اليونسكو» دور مما يجري في «الأقصى»؟
– «اليونسكو» لديها وصاية وقرار على القدس برمتها منذ عام 1980؛ أن المدينة إرث إنساني معرَّض للخطر، ووفودها التي تأتي للزيارة لا تتجاوز البُعد البروتوكولي والمجاملة، ويقومون بعقد مؤتمر صحفي ويغادرون، فلا ينزلون تحت الأرض ويشاهدون المخاطر، ولا يساهمون في الإعمار.
صحيح أن «اليونسكو» قامت بأعمال ترميم للمخطوطات برعاية رئيس مركز المخطوطات رضوان عمرو في مركز حفظ المخطوطات، وهذه مسألة مقدور عليها بها وبغيرها، لكن ما يحيق بـ«الأقصى» من خطر كان الأجدر بها أن تقوم بعمل يعادل بل يتجاوز الواجب الذي قامت به تجاه أصنامٍ في أفغانستان، وهذه حقيقة ندين بها «اليونسكو»، ونقول: إنها لم تستطع إطلاقاً عمل اختراق مع «الإسرائيليين» بشأن «الأقصى».
الكويت لصيقة بالهم الفلسطيني من فترة ما قبل الاحتلال عام 1948
الصهاينة يعلمون علم اليقين بعدم وجود «الهيكل»، هل هذه القضية دينية أم سياسية؟
– هذا سؤال إستراتيجي، ونتمنى من الإعلام العربي الانتباه إلى تفصيل من هذا النوع.
لدى «الإسرائيليين» أهداف سياسية عميقة وخطيرة جداً لإنهاء القضية الفلسطينية برمتها، ومنذ أيام شرعنت السلطات 9 بؤر استيطانية، ولكنهم يحتاجون لأجل هذا الهدف السياسي الكبير غطاء دينياً؛ ولهذا السبب يقف المراقب الأممي مذهولاً لأنه لا يوجد لديهم غرض سياسي إلا أضفوا عليه هالة من القدسية الدينية، وإذا عارضهم يتهمونه بأنه معادٍ للسامية، ويُمنع من دخول البلاد، ويوضع على القائمة السوداء، ولطالما تم طرد الخبراء والعلماء الأجانب الذين جاؤوا ليتحققوا من المصائب الواقعة بحق المقدسات ليست الإسلامية فحسب، بل المسيحية أيضاً تُمس مساساً خطيراً.
في الوقت ذاته، عندما يقوم المسلمون في القدس وفي سائر فلسطين بأي توظيف ديني يوصفون بـ«الإرهابيين»، وأنهم محرضون، وكلمة تحريض تؤدي إلى السجن سنوات؛ ولهذا السبب رأينا ماذا حلَّ بالشيخ رائد صلاح وأصحابه، حيث أودعوا السجون، والآن هناك حملة ضد الشيخ عكرمة صبري، خطيب المسجد الأقصى.
قمتم بزيارة الكويت في عام 1983م، فكيف ترون موقفها تجاه فلسطين؟
– قبل زيارة الكويت عام 1983م، كنت على اطلاع بتاريخها المشرف، وكل الحركات الفلسطينية نشأت فيها وبدعمها، وهذا الانصهار والعلاقات الوثيقة في المجالات المتعددة بين الكويت وفلسطين يشهد عليها القاصي والداني، فللكويت أرحام في بيت المقدس وشهداء، ولها مؤسسات ومستشفيات ومدارس، ولها بيوت وعقارات.
الكويت لصيقة بالهمِّ الفلسطيني إلى مسافة قريبة جداً من فترة ما قبل الاحتلال عام 1948م، ثم بعد ذلك في فترة ما بين الاحتلال الأول والثاني عام 1967م كانت موجودة ولها باع طويل.
وبعد عام 1983م، رأيت الذي قرأته وحفظته وعرفته عن الكويت في الميدان حقيقة، كان الشعور وكأنك في «الأقصى» تستمع لخطيبه وتعيش في أجوائه وأنت في وسط الكويت.
«المجتمع» تحمل رسالة القدس و«الأقصى» وكأنك تعيش نفحات عمر وصلاح الدين
ما الحلم الذي تنشده؟
– يشهد الله، ما أتمنى إلا أن أرى سعودياً يصعد على نهج سيدنا بلال فوق صخرة المعراج فيؤذن، وكويتياً يؤم، ومصرياً يلقي المحاضرة.. لماذا؟ حتى يكون التركي حامياً وحامي الحمى، والماليزي في الصفوف، والإندونيسي متقدم.
أحلم أن أرى أمة الإسلام تأتي من كل صعيد، ويلتئم الشمل داخل «الأقصى» تحت راية رسول الله، هذا الحلم أنام وأسيقظ عليه وأبشر به، وأقول: لن يبقى «الأقصى» تحت الاحتلال؛ لأنه وعد الله تعالى، والله سبحانه لا يخلف وعده.
أيها «الإسرائيليون»، لن ينفعكم وعد «ترمب»، ولا من قبله «بلفور»، نحن سينفعنا وعد الله تعالى، وإن غداً لناظره لقريب.
في ظل الخطورة التي يتعرض لها «الأقصى»، هل هناك مبادرات لصيانة المسجد، أم تواجهون تعنتاً من قِبَل الصهاينة؟
– بشهادات الأمم المتحدة وإقرار دولي أن مدينة القدس تحت الاحتلال العسكري، ولا يجوز إدارة شؤون المسجد الأقصى إلا من أهله.
أنيط بالأردن وصاية هاشمية على «الأقصى»، وقامت من خلال الأوقاف الإسلامية بأعمال الترميم الضرورية والعاجلة، هذه مسألة لا يختلف عليها اثنان، لكن الذي حصل أن المجتمع «الإسرائيلي» هو الذي تغير وليس الأوقاف، انحرف بسرعة فائقة نحو اليمين والتطرف الذي يسيطر على مفاصل الحكومة «الإسرائيلية»، وهو لا يعترف أصلاً بالوصاية الأردنية ويقيّدها، وأوقف الإعمار لدرجة أن هناك مسارات في طرق «الأقصى» والمصلى القبلي عبارة عن حجارة وبلاط يتأرجح؛ وهو ما يتسبب بسقوط الكبار في السن والنساء، كما أن هناك حجارة سقطت من قبة الصخرة والاحتلال منع ترميمها.
لقد أوقفوا لجنة الإعمار عن العمل والقيام بواجبها؛ لأنهم يعتقدون أن «الأقصى» هو «جبل الهيكل» بالنسبة لهم، يخضع لما سماه الاحتلال «سلطة الآثار الإسرائيلية»، ولا يمر أي طلب إعمار إلا بعد الكشف وكتابة التقرير وتفويض لجنة في الكنيست تسمى «لجنة الداخلية لشؤون جبل الهيكل» التي تفوض الشرطة، ويمر شهر بعد شهر حتى تحصل على أي إمكانية لتغيير أي حجر ولو كان بسيطاً كإدخال قرطاسية مثلاً!
كيف ترى «المجتمع» في تناولها للقضية الفلسطينية؟
– إن هذه المجلة العريقة تحمل لواء القدس من أوله إلى آخره، منذ نشأتها إلى يومنا هذا، وكانت يوماً من الأيام المنبر الأول الموثوق لكشف الحقائق، ينتظرها الناس بفارغ الصبر، ومهما نافسها من وسائل إعلام حديثة وقوية الآن، فإن المجلة لم تغير خطها التحريري قيد أنملة؛ فأصبحت الآن أقوى إرادة وأصلب في مواقفها من أي وقت مضى.
وبالتالي، هي تحمل رسالة القدس و«الأقصى» وكأنك تعيش نفحات عمر بن الخطاب، وصلاح الدين، من خلال مجلة «المجتمع».
ما رسالتك لأهل القدس وما حولها؟
– لا ينتظرون رسالة من العبد الفقير، لكنهم مع ذلك يعرفون واجبهم ولا يقصرون فيه، ويتقدمون علينا بكثير، ومجرد وجودهم بصدور عارية يقيمون صلوات الفجر العظيم بالأعداد المهولة التي تصل إلى 65 ألف مصلٍّ ما هي إلا رسالة في منتهى القوة والثبات أن هذا بيت الله «الأقصى» لن نقبل فيه شراكة ولا تقسيماً زمانياً أو مكانياً ولا تفريط في شبر واحد منه.
أهل القدس يفهمون رسالتهم جيداً، ويقولون: إن الله اجتبانا وقدر لنا أن نثبت ونرابط في «الأقصى» لحين تسليم الأمانة لأصحابها الحقيقيين، وأصحابها كل أمة الإسلام.
والله لن تفرحوا أيها «الإسرائيليون» بعلمٍ أبيض واحد يرفعه طفل فلسطيني واحد، وراية رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بعده عمر الفاتح وصلاح الدين المحرِّر ستُرفع من جديد في «الأقصى» بفضل الله تعالى أولاً ثم بأمتنا العربية والإسلامية الحية.