بعد نحو شهرين من كارثة الزلزال المدمر الذي ضرب 10 ولايات في الجنوب التركي، استطاعت الحكومة التركية وعلى رأسها حزب «العدالة والتنمية» بقيادة الرئيس «أردوغان» السيطرة على الوضع، ولملمة الجراح، ولم يبق فرد لم تصل إليه المساعدة اللازمة، رغم هول الكارثة وتضرر نحو 14 مليون شخص.
هذا ما أكده السياسي والبرلماني السابق بحزب «العدالة والتنمية» التركي «رسول طوسون»، في حوار مع «المجتمع»، الذي تطرق أيضاً إلى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة، وفرص الرئيس «أردوغان» وحزبه في الفوز بها، وتحالفات المعارضة، وقضايا أخرى في هذا الحوار.
ما تقييمكم لتعامل حكومة العدالة والتنمية مع كارثة الزلزال المدمر بعد مرور نحو شهرين على تلك الفاجعة؟
– لقد رأيت بعيني الجهود التي تبذلها الحكومة في دعم ومساعدة المنكوبين خلال زيارة ميدانية في المناطق المنكوبة، وشاهدت المنظر هناك، والتقيت بالمنكوبين مباشرة ورأيت ما تقدمه الحكومة من مساعٍ جبارة من أجل مداواة الجراح الأليمة لهذه الكارثة، وكذلك كل المؤسسات الحكومية تحاول تقديم الخدمات للمنكوبين من تعليم وصحة وتوفر الأمن مروراً بالإعمار.
بالتأكيد بعد نحو شهرين من الزلزال نجد أن الحكومة قد سيطرت تماماً على الوضع، ولم يبق فرد لم تصل إليه المساعدة اللازمة، ولكن الكارثة وقعت في مساحة تعادل حجم دولة مثل النمسا، وفاق عدد المتضررين 14 مليون مواطن؛ وغادر عدد كبير منهم إلى مكان آخر وتم إجلاؤه طوعاً، وهناك عدد كبير يعيشون في الخيام والحاويات.
ورغم أن لكل مواطن مطلباً، وهناك شكاوى حيث لجأ المتضرر إلى خيم بعد أن كان يعيش في منزله، ورغم أن الحكومة تقدم الخدمات المطلوبة مجاناً، وتنسق خدمات البلديات والمجتمع المدني للإغاثة؛ فقد تلقينا شكاوى المتضررين بصدر رحب لمعالجتها؛ رغم الظروف الصعبة.
ويجب أن نذكر أن الحكومة بادرت بإنشاء مدن من الحاويات التي هي أفضل من الخيام، إلا أنها أقبلت على إنشاء مبانٍ جديدة للمتضررين، ووعدت بتسليمها خلال سنة واحدة، وقد بدأت بالفعل بالبناء من خلال عطاءات ومناقصات شفافة وعلنية.
ما سر التضامن العربي والإسلامي الكبير مع تركيا التي لن تتوقف عن مساعدة المنكوبين في العالم؟
– بالتأكيد حكومة العدالة والتنمية تحصد ما زرعته خلال مسيرتها من تقديم يد المساعدة لغالبية دول العالم في مجال المساعدات الإنسانية في الكوارث الطبيعية وغيرها، ولكن السر الأساسي في تعاطف العالم الإسلامي هو سياسة الرئيس «أردوغان» تجاه القضايا الإسلامية وموقفه النبيل في كل المجالات.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى هناك سر إيماني دفع العالم الإسلامي إلى التضامن مع إخوانهم المسلمين في تركيا، لذلك شاهدنا بعض الدول التي لها خلافات مع الحكومة التركية ومع ذلك أقبلت على المساعدة؛ وأدى هذا التصرف إلى التقارب؛ مثل مصر.
ما حجم الخسائر الاقتصادية جراء الزلزال؟ وكيف يمكن مواجهتها؟
– الخبراء يقولون: إن حجم الخسائر الاقتصادية للزلزال تعادل نحو 104 مليارات دولار، فمواجهة تلك الآثار القاسية تحمل على الاقتصاد التركي أعباء إضافية.
بعد إعلان ترشحه لانتخابات الرئاسة، كيف ترى محاولات رئيس حزب الشعب الجمهوري استغلال كارثة الزلزال لتحقيق مكاسب سياسية؟
– بلا شك يحاول رئيس حزب الشعب الجمهوري «كمال قليجدار أوغلو» استغلال الكارثة؛ لكن الشعب التركي يعرف طاقة الرجل وحلفائه، ولذلك أرى أن الشعب يتوجه إلى الرئيس «أردوغان» أكثر فأكثر؛ لأنه يثق في قدرة الرجل على جبر هذه الجروح التي يعاني منها المنكوبون هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، فقد رأى الشعب التركي بنفسه أن الرئيس «أردوغان» استطاع خلال عقدين أن يثبت جدارته في معالجة أوضاع المنكوبين من زلزال أزمير، ووان، وبينجول، فضلاً عن الكوارث الأخرى؛ لذا يمكن القول: إن الكارثة ستخدم «أردوغان» سياسياً في مجملها.
ما موقع الورقة السورية اليوم لدى المعارضة في الدعاية الانتخابية؟
– من المعلوم أن ديدن المعارضة التركية التي يتزعمها حزب الشعب الجمهوري هو معارضة سياسة الرئيس «أردوغان» من أول يوم؛ لا سيما بعد ثورات «الربيع العربي»، حيث اشتدت وتيرة المعارضة وخصوصاً بعد تدفق ملايين اللاجئين السوريين، وتبنت المعارضة خطاباً يثير مشاعر العنصرية وكراهية الأجانب، كما أنهم لم يتَّحدوا سوى على إضعاف «أردوغان».
وهذا الكارت كان من أقوى كروت المعارضة في الانتخابات المقبلة، وما زالت تغذي روح الكراهية والعنصرية، ولكن بعد الزلزال ضعف هذا الكارت شيئاً ما، وخاصة بعد إعلان حزب الشعوب الديمقراطي الذي هو امتداد لتنظيم «بي كا كا» الإرهابي دعمه لمرشح المعارضة «قليجدار أوغلو»، وثقلت كفة «أردوغان» الانتخابية.
كيف ترى حملة الدعاية الانتخابية على صعيد الرئاسة؟ وما حظوظ الرئيس «أردوغان» في الفوز بهذه الانتخابات؟
– الرئيس «أردوغان» يتمتع قبل كل شيء بشخصية قوية (كاريزما) مؤثرة على الناخب التركي، إلى جانب ذلك حققت حكومات العدالة والتنمية إنجازات جبارة؛ إذ أنقذت تركيا من الإفلاس وجعلتها دولة قوية إقليمياً ودولياً.
كما أن «أردوغان» يمارس السياسة منذ شبابه، ويعرف دقائق السياسة تمام المعرفة؛ لذلك فاز في كل الانتخابات التي خاضها.
ما ادعاءات المعارضة التي تسعى لتشويه إنجازات «العدالة والتنمية»؟ وكيف تصدى لها؟
– ادعاءات زعيم المعارضة أكثر من أن يتم إحصاؤها، وكذلك المعارضة، لدرجة أنها تنسب لنفسها كذباً إنجازات كثيرة من التي حققها «أردوغان»، ناهيك عن التضليل الإعلامي الملموس؛ فعلى سبيل المثال؛ استطاعت تركيا صنع طائرات مسيرة متطورة وتصدرها إلى دول عديدة، ولكن المعارضة تدعى أنها إنتاج بسيط ويمكن شراؤها من المتاجر!
وهناك أمثلة كثيرة وآخرها حول الزلزال؛ حيث تدعي المعارضة أن الحكومة منعت الجيش من إنقاذ المنكوبين! رغم أن الجيش كان في الساعة الأولى وشارك في عمليات الإنقاذ.
والحقيقة، أن الحكومة رغم تصديها للكارثة وتتابعها لحظة بلحظة؛ فإن هناك إعلاماً يدعم المعارضة، ولا يتراجع عن ترديد الأكاذيب، ويختلق كل يوم أكاذيب جديدة، وهذا يؤثر بطبيعة الحال على الناخب شيئاً ما!
هل تخلت تركيا عن الأشقاء في الشمال السوري أثناء كارثة الزلزال؟
– ليس من أخلاق تركيا أن تعطي ظهرها لأشقائها في سورية، وهي التي فتحت حدودها قبل عقد من الزمن لاستيعاب الملايين منهم، وأبداً تركيا تقدم الدعم اللازم للسوريين والمساعدات اللازمة في كل مجال.
«المائدة السداسية» تتلقى الدعم من خصوم تركيا في أمريكا وأوروبا، ترى هل يحبط الشعب التركي مثل هذا المخطط؟
– لا شك أننا نثق بالعقل السليم الذي يتمتع به شعبنا الناضج؛ فلذلك نتوقع منه أنه سيحبط كل ما يحاك في الظلام ضد مستقبله ومكتسباته.
ما إستراتيجية «العدالة والتنمية» في هذه الانتخابات للفوز بها على صعيد البرلمان والرئاسة؟
– الحزب لم يعلن التفاصيل بعد، ولكن على العموم يبدو أن «العدالة والتنمية» سيركز على جبر جراح الزلزال في المناطق المنكوبة، وقد استطاع جلب أنظار الناخب الإيجابي؛ حيث يطلب كل حزب من المرشح لانتخابات البرلمان أن يتبرع لخزانة الحزب، بينما «العدالة والتنمية» اشترط على جميع المرشحين على قوائمه بأن يتوجه بالتبرع لخزانة إدارة الكوارث الوطنية دعماً للمناطق المنكوبة بالزلزال.
هل ترى أن كارثة الزلزال ستؤثر سلبياً على مستقبل الحزب الحاكم؟
– لا شك أنه إذا استطاع الحزب الحاكم الإيفاء بوعده بإعمار المناطق المنكوبة في الوقت المحدد مثلما سبق وفعلها في علاج نكبات الزلزال في إزمير، وفان، وغيرهما، كما استطاع في الماضي القريب، لا أعتقد أنه سيتأثر سلباً؛ حيث يصلون الليل بالنهار من أجل تنفيذ وعودهم بتوفير منازل بديلة للمنكوبين.
في ظرف انتخابي كبير كهذا، هل تعتقد أن «أردوغان» يقود برنامجه الانتخابي من الولايات التي أصابها الزلزال؟
– نعم، فعلاً أطلق برنامجه في جنوب البلاد وسط أهالي المحافظات التي ضربها الزلزال من أجل إشعار هؤلاء بقربه منهم، ومسؤوليته عنهم، واهتمامه بهم، ومشاركتهم آلامهم؛ لوضع حجر الأساس للمباني التي سيمتلكها المتضررون.
كيف ترى انضمام رئيس حزب «الرفاه» نجل «أربكان» إلى «تحالف الجمهور» الذي يتزعمه «أردوغان»؟
– لا شك أنها خطوة إيجابية تصب في صالح التحالف لمواجهة تحالف «المائدة السياسية»؛ لا سيما بعد تراجع زعيم الرفاه عن الترشح.
هل تعتقد أن أنصار أحزاب «أحمد داود أوغلو»، و«باباجان»، و«سعادات»، سيصوتون لرئيس حزب الشعب الجمهوري؟
– لا أعتقد أن قواعد تلك الأحزاب من أصحاب التوجه الإسلامي سيصوتون كلهم لـ«كليجدار أوغلو» الذي لا يمت لهم بصلة، لا سياسياً ولا أيديولوجياً، فضلاً عن وقوع الكثير من هؤلاء ضحايا لقمع هذا الحزب في الماضي.
كيف ترى تحالف «كليجدار أوغلو» مع حزب «الشعوب الديمقراطي»؟
– لا شك أن تحالف «كليجدار أوغلو» مع هذا الحزب الذي يعد ذراعاً سياسية لحزب «بي كا كا» الإرهابي يعطي لـ«أردوغان» فرصة دعائية ضد مرشح المعارضة؛ لأن حزب الشعوب الديمقراطي هو امتداد لتنظيم «بي كا كا» الإرهابي الذي تكرهه غالبية الشعب التركي.
ما تقييمكم للدور الذي تمارسه تركيا في عهد الرئيس «أردوغان» على الصعيدين الإقليمي والدولي؟
– خلال عقدين استطاع «أردوغان» أن يجعل تركيا قوة إقليمية لا يستهان بها، وجعلها قوة عالمية مستقلة في قرارها، وللأسف هذا الذي يزعج الغرب الإمبريالي؛ ولذلك يستهدف إسقاط «أردوغان» بدعم المعارضة التركية.