مرور أربعين عاماً على احتلال القدس ذكرى أليمة وحزينة، سميتها في كتاب لي “النكبة الثانية”؛ لأن النكبة الأولى كانت سنة 1948م، التي شردت الفلسطينيين وأخرجتهم من ديارهم، وقامت دويلة “إسرائيل”.
كانت نكبة كبرى؛ إذ استطاعت “إسرائيل” خلال ساعات احتلال سيناء والجولان، وغزة والضفة الغربية، والقدس الشريف، وأخذت هذه الهزيمة ما بين القنطرة والقنيطرة، وكان من آثار هذه النكبة أن فلسفة السياسة العربية تغيرت تماماً، فكانت قبل النكبة تعتبر “إسرائيل” مغتصبة وليس لها حق، ولكن بعد النكبة تغيرت السياسة وأصبحت فلسفتنا “إزالة آثار العدوان الغاشم”، وعادت الأحوال لما كانت عليه قبل عام 1967م، كأن عدوان 1967 أضفى الشرعية على عدوان عام 1948م، فأصبح عدواناً مسكوتاً عنه وليتنا أزلناه!
إن من فرط في “الأقصى” يوشك أن يفرط في الكعبة والمسجد الحرام، فالله ربط بينهما رباطاً أبدياً.
وما يشد أزر الصهاينة في ذلك، ويقوي عضدهم، التنازع الفلسطيني والعجز العربي والوهن الإسلامي والتواطؤ الأوروبي، والغياب العالمي، والمساندة الأمريكية، فالمال والسلاح الأمريكيان جعلا “إسرائيل” تعربد في المنطقة كيفما يحلو لها.
الفلسطينيون قدموا الغالي والنفيس بأرواحهم ودمائهم.. شيوخهم وشبابهم.. قدموا الدماء رخيصة من أجل وطنهم.. قدموا آلاف الشهداء والسجناء والمعتقلين.. دخلوا اللعبة الديمقراطية، واختاروا حكومتهم بكامل إرادتهم، ونجح الإخوة في “حماس”، ولكن الغرب حارب خيار الشعب، وحاصره وجوَّعه وقهره، فأين الديمقراطية؟ وأين الحرية؟ وأين حقوق الإنسان؟!
علينا نحن العرب؛ مسلمين ومسيحيين قوميين وإسلاميين، مناداة أحرار العالم لرفض العدوان والأعمال الوحشية.
علينا الوقوف مع إخوتنا مع أبناء فلسطين ضد الظلم والطغيان، وأن نشد أزرهم بكل ما نستطيع؛ لأن ما يتطلب منا ليس تبرعاً ولكنه جهاد بالمال.
علينا تزويدهم بالمال عن طريق الزكاة وغيرها؛ مثل أموال الوقف، والصدقات، وأي مال فيه شبهة (يجوز التبرع به).. علينا الاستمرار في مقاطعة الأعداء وبضاعتهم.
وأقل ما ينبغي أن نكون معهم بالعون الروحي، فندعو الله لهم أن يفتح لهم فتحاً مبيناً، وأن ينصرهم نصراً عزيزاً.
ويجب على شعوبنا أن تترك النزاع، وأن تصدق مع الله ولو مرة واحدة، وذلك مصداقاً لقول العزيز: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ) (الصف: 4).