منذ عدة سنوات، والكويت تتعرض لهجمة شرسة يشنها عليها المفسدون في الأرض، وفق خطة منظمة وغزو مدروس، ويتمثل ذلك بظاهرة يشتد خطرها يوماً بعد يوم، وهي ظاهرة ازدياد جلب الفرق الغنائية والراقية والمشبوهة.. و.. و.. إلى هذا البلد المسلم، ومعروف أنه يقف وراء هذه الظاهرة أناس باعوا أنفسهم للشيطان، وجندوا إمكاناتهم لتحقيق أماني أعداء الأمة، حيث يعملون لإلهاء الشباب وإفساده وإبعاده عن دينه وعقيدته التي هي مصدر قوة أمتنا وعزتها، بل إن من يقفون وراء هذا الغزو اللاأخلاقي يستهدفون تحويل الكويت وشعوب الأمة جمعاء إلى كتل خاوية من العقيدة، ومجموعات مفككة الأوصال مخدرة الأعصاب منهوكة القوى.
إن فرق الرقص والغناء والخلاعة باتت تدخل الكويت بشكل رسمي تحت أغطية متعددة، مثل:
أ– شركة المشروعات السياحية.
ب– الفنادق.
جـ– المطاعم.
د– شركات الدعاية والإعلان.
هـ- بعض النوادي الرياضية.
علماً بأن تراخيص هذه الشركات والمؤسسات والفنادق والمطاعم والنوادي لا تتضمن في تحديد مهامها جلب تلك الفرق الهابطة، ومن ثم إغراق الكويت بالرذيلة، فأين الجهات المسؤولة؟ ولماذا لم تمنع هذه التجاوزات الفاضحة؟
على أن هذه الجهات الخمس التي تستقدم فرق الغناء والرقص لا بد وأن تستأذن بعض الدوائر الرسمية في الكويت، فهي المعنية بدراسة الطلبات المقدمة بشأن استقدام تلك الفرق إلى بلدنا المسلم، وبذلك فهي المسؤولة عن وزر وخطر تلك الهجمة اللاأخلاقية التي تم التخطيط لها من جهات خارجية لا تضمر للكويت الخير.
وإذا كانت فرق الهبوط هذه تستهدف جمع أكبر قدر من المال في مجيئها إلى الكويت، فإن أصحاب خطة إفساد شبابنا يستهدفون إشاعة الفاحشة والمجون بين أهل الكويت وبخاصة فئة الشباب، والهدف هو هدم قيم مجتمعنا وإفساده وضرب أخلاقياته وإبعاده عن دينه.. وإلى جانب ذلك إبعاده عن الذوق العام وقيم مجتمعنا، فالمراقب لنوعيات تلك الفرق الهابطة وكثرتها يلاحظ أنها تثير الاشمئزاز في نفوس كافة طبقات المجتمع، مما حدا ببعض صحف الكويت اليومية إلى لفت نظر المسؤولين إلى تفشي هذا الوباء، ومن ذلك ما كتبته قبل العيد صحيفة «الأنباء» في زاويتها اليومية «لو كنت المسؤول».. أضف إلى ذلك ما يدور في دواوين الكويت من أحاديث استهجان هذه الظاهرة المتزايدة ومن وراءها، وكأن الحبل قد تُرك على الغارب، وإننا نقول: لو بقي الأمر على ما هو عليه فإن سفينة الكويت ستغرق في بحر لجي.. وفي ظلمات بعضها فوق بعض..
على أن الذي لفت الأنظار بشكل شديد ومزعج تلك الإعلانات التي امتلأت بها الصحف اليومية قبيل العيد، وفي أيام العشر الأواخر من رمضان، ومن كثرة الإعلانات عن فرق الهبوط والمجون والرقص والغناء يخيل للإنسان وكأننا لسنا في بلد مسلم، ولسنا في دولة دينها الإسلام، حيث إن هذا المظهر غير الحضاري والمتدهور خلقياً يتعارض مع كوننا مسلمين نعيش في بلد إسلامي، ونظرة سريعة إلى الإعلانات التي نشرتها صحف الكويت قبيل العيد التي تضمنت حفلات وسهرات سميرة توفيق التي أقامتها لها شركة المشروعات السياحية في أيام العيد، علماً بأن شركة المشروعات السياحية وهي مؤسسة تمتلكها الدولة لم تؤسس لهذا الغرض، ولكن ذلك حاصل بسبب سوء إدارتها مما جعلها تسهم في تنفيذ المخطط الرهيب لإفساد هذا البلد، وحفلات ماجدة الرومي مع فرقة الصليبي جان صقر الفلكلورية التي أقيمت في سينما الأندلس، ثم حفلات السخف والخلاعة التي أعلن عنها في صحفنا والخاصة بما سمي تخليد الذكرى بوب مارلي التي بيعت تذاكرها في فنادق هوليدي إن، في عدد من دول الخليج ومنها الكويت، حيث أقيمت تلك الحفلات السخيفة في البحرين، وقد شاركت بعض الجهات الرياضية في استقدام بعض الفرق مثل نادي السالمية الرياضي، الذي استقدم المطرب الغربي ستيف مايكل وفرقته للغناء والعزف في الكويت خلال أيام عيد الفطر، كذلك فقد أقامت سينما الأندلس حفلة لعدد من الفرق الغنائية اليمنية مثل فرقة المكلا للرقص الشعبي، وفرقة الأكروبات، وفرقة حضرموت، وكذلك قد أقام مركز دانة للإنتاج الفني ما سماه حفلات عيد الفطر لسمير صبري وفرقته الاستعراضية، إضافة إلى عشرات الفرق الأخرى المستوردة التي تأتي على مدار السنة بمناسبة وبدون مناسبة.
على أن ما ذكرناه في هذه العجالة هو على سبيل المثال لا الحصر، فقد تم نشر عشرات الإعلانات يومياً في أيام الله في العشر الأواخر من رمضان الفضيل تمهيداً لجلب الشباب إلى تلك الحفلات في أيام عيد الفطر، ولعله لا يخفى على كل ذي لب وعقل وبصر وبصيرة، أن استجلاب هذه الفرق الماجنة وتشجيع الشباب والمراهقين على الاجتماع في مجالس اللهو والميوعة والهبوط أمر محرم شرعاً، فالله سبحانه حرم مجالس الطرب والغناء واللهو والمجون بكل أشكالها، وشدد الوعيد فيما يتعلق بها.. أضف إلى ذلك بأن استجلاب تلك الفرق يتضمن مخالفة صريحة لدستور الكويت الذي يؤكد هوية الكويت بأنها قُطر مسلم، وهذا يعني أن استجلاب فرق الغناء والهبوط يضرب عرض الحائط بتعاليم ديننا الإسلامي الحنيف، وبالبنود الصريحة لدستور دولتنا المسلمة، وبقرارات المجلس الأعلى للتخطيط في الكويت الذي أكد أكثر من مرة أن تكون توجهات مؤسسات الدولة غير متعارضة مع الإسلام، وكان آخر ما نشرته الصحف المحلية عما صدر عن المجلس بهذا الصدد قبيل عيد الفطر بأيام قليلة.. لقد ضربوا بكل هذه القرارات عرض الحائط حتى صار بلدنا هذا سوقاً رائجة للفاشلين في حياتهم.. أولئك الذين وجدوا في الغناء والرقص والخلاعة والمجون مجالاً لإغراء الشباب من أجل اقتناص الأموال وإهدار القيم.
على أن الأخطر من هذا أن ظاهرة أخرى تعتبر أشد خطراً من الأولى؛ وهي أنه بني على كثرة استجلاب الفرق الماجنة من الخارج أن مجموعات من شباب الكويت وفتياته بدأت تتدرب على الغناء والرقص وتشكيل الفرق الغنائية والموسيقية، وقد وجد بعض الأفراد في ذلك مجالاً للاسترزاق عن طريق نزف الأموال وإضاعتها وهدر القيم بعد أن تأثروا بما شاهدوه وما لمسوه من تشجيع، والمتتبع لنشأة هذه الفرق ودفعها لبلدان الخليج المسلمة يرى وراءها عناصر ماسونية تعمل لحساب «إسرائيل» لإفساد أجيال الأقطار المسلمة، ومع الأسف أن يكون بعض المسؤولين في بعض أقطار الخليج يلوذون بالصمت، وكأن الأمر لا يعنيهم، بل إن منهم من يشجع ذلك الفساد المنتشر، ولننظر بعيون البصيرة والعقل أن أي أمة سلكت هذا المسلك عبر التاريخ ابتلاها الله بالتدمير والمحق، وما لبنان وما يحصل فيه عنا ببعيد.
بعد هذا الاستعراض لواقع مؤلم ومحزن تعيشه الكويت، لا بد من الإشارة إلى أن الفرق المستجلبة تحمل معها خطراً أشد فتكاً بمجتمعنا، وذلك أن استيراد الفنانات أصبح مدخلاً لاستيراد شبكات الدعارة التي تعيث فساداً في مجتمعنا الكويتي المسلم.
ترى.. ماذا نقول للمسؤولين الغيارى في هذا البلد بعد هذا الاستعراض الوجيز لتلك الحالة المدمرة؟ إننا نهيب بالمسؤولين الغيارى الذين تهمهم مصلحة الكويت وأمنها وسلامتها أن يراعوا لله عهوده، وإصدار تعليماتهم الحاسمة لإيقاف هذه المفاسد قبل أن يحل علينا سخط الله، ولنتعظ ونعتبر بما حصل في أقطار نهجت هذا النهج فصب عليها العذاب صباً، فذاقت وبال أمرها خسراً، وما لبنان وما حلَّ به عنا ببعيد.
وصدق الله العظيم الذي لعن بني إسرائيل في كتابه الكريم فقال:( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ. كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ) “المائدة: 78-79”.
فالبدار البدار قبل فوات الأوان، وقبل أن نعض على أصابع الندم بسبب ما تستجلبه هذه المعاصي من سخط الله وغضبه في الدنيا والآخرة.. على أننا نقول: إنه لو صدر أمر من مسؤول كبير، أو حتى من وزير لمنع استجلاب تلك الفرق الهابطة، فإن ذلك سيقي الكويت شر ذلك البلاء الذي يقف وراءه من يكيد للكويت وللمسلمين فيها، ولو فعل المسؤولون ذلك فإنهم سيكسبون رضاء الله سبحانه، والتفاف أهل الكويت جميعاً، ولا سيما تلك القاعدة الإسلامية العريضة من رجالات وشباب هذا البلد المسلم.. وإن جلب الراقصات والمغنيات والمغنيين ليس مطلباً شعبياً ولا أمراً حضارياً ولا إنجازاً نافعاً.. ولم يبق أمام المسؤولين الغيارى بعد هذا ما يؤخر بادرة ملحة ينتظرها منهم شعب الكويت بوضع حد لهذا العبث والمجون.. لتسلم الكويت وأهلها من مكائد تخطط لها في الظلام.
[1] العدد (916)، عام 1989م، ص8.