بعد التحية والاحترام..
البلاد الصناعية التي تتوفر على أرضها المواد الأولية واليد العاملة والأسواق الكبيرة من الضروري أن تحمي صناعتها، وفي ذلك فوائد عديدة، حيث الاستفادة، حيث توفر هذه المواد محلياً التي منحها الله تلك البلاد، وبهذا يمكن توفير منتجات مصنعة من خامات ومواد أولية محلية بأسعار منافسة للبضائع المستوردة من الخارج، ولا شك بزيادة توفر المواد الأولية وزيادة طاقة الإنتاج يمكن والحالة هذه فتح آفاق وأسواق عالمية، وحبذا لو اهتمت وزارتكم اهتماماً أكبر بتصنيع المنتجات البترولية، وتشجيع المواطنين على دخول هذا الميدان، لتمكنا أن نضع مئات الصناعات من مواد وخامات أولية منحها الله للكويت، وهذه الصناعات لو أعطيت ما تستحقه من رعاية واهتمام ودعم لكوَّنا دخلاً كبيراً جداً، ولنأخذ بعض الأقطار كاليابان مثلاً تستورد مواد النفط الخام وتحولها إلى مئات من الصناعات تصدرها لنا ولغيرنا من أسواق البلدان النامية.
والمفروض أن تكون الكويت وأقطار الخليج هي الأقطار المنتجة والمصدرة لتلك الصناعات المتعددة التي مادتها الأولى النفط الخام، أما معظم الصناعات في الكويت فهي صناعات تحويلية، وهذه تلاقي دعماً طيباً من الحكومة بإعطاء الأرض مجاناً والمساهمة بقروض صناعية طويلة الأجل وميسرة (الفائدة) والإعفاء من رسوم الجمارك عن مستورداته إلى غير ذلك لتتمكن هذه الصناعات التحويلية أو صناعة التجميع من منافسة البضائع المستورة، وهذا شيء طيب وخط حكيم.
وفي الآونة الأخيرة، قامت وزارتكم بفرض رسوم جمركية عالية على كثير من البضائع المستوردة؛ لأن هناك صناعات تحويلية في الكويت مشابهة، لكن الملاحظ أن هذه الصناعات المحلية لا تستطيع أن تغطي حاجة السوق المحلية لا من حيث الكم ولا النوع؛ وبالتالي فشلت مع المنافسة على الرغم من التسهيلات التي أعطيت لها التي ورد ذكرها أعلاه.
والمستهلك الآن يشعر أن الرسوم أصبحت ضريبة يدفعها دونما وجه حق، ولو اطلعتم على الأصناف التي تمتعت بالحماية مؤخراً فبدلاً من أن تخفض أسعارها أو تستمر على الأقل أسعارها القديمة فمع الأسف رفع بعض أصحابها الأسعار على المستهلك، إضافة إلى أنكم رفعتم رسوم الجمارك على البضائع المستوردة، فأصبح المستهلك يعاني من ارتفاع أسعار البضائع المحلية والمستوردة في آن واحد.
ولو أخذتم بعين الاعتبار أن الحماية يجب أن تعطى فقط للأصناف التي تتوفر المواد الأولية لها أو قسم منها محلياً لكانت هذه خطوة طيبة، ولا يشعر المواطن بالظلم والإجحاف، ولكن والأمر بات هكذا فإن هذه الضرائب يتحملها الشعب لصالح أفراد قليلين معينين، فنرجو عندما يحمى الصنف أن تثبت الأسعار ولا ترفع على المستهلك.
ونحب أن نقول لكم، على سبيل المثال: لو أخذنا صناعة الورق التي أعطيت الحماية مؤخراً، ما المواد الأولية التي تصنع في الكويت؟ لا شيء.. المواد الأولية مستوردة والعمالة مستوردة والفنيون والخبراء كلهم من الخارج عدا عن جزء بسيط من الموظفين الكويتيين هذا إن وجد.
هذا على سبيل المثال لا الحصر، وسبق لكم تجربة فاشلة عندما قامت وزارة التجارة آنذاك لحماية الأثاث لحساب مصنعين اثنين، وهذان المصنعان لا يغطيان من استيراد الأثاث ولا 5% من حاجة البلد، والأصناف المنتجة فيهما محدودة بأشكالها، علماً بأن الأثاث المنزلي والمكتبي يشكل مئات الأصناف والأشكال، وأصبح المستهلك يتحمل رفع الجمارك على الأثاث وبدون أن يلبي المصنعان الموجودان في الكويت متطلباتها من حيث تعداد النوعيات كماً وكيفاً، علماً بأن معظم المواد التي يصنع بها الأثاث بدءاً من الأخشاب والأقمشة حتى العمالة العادية والفنية المستوردة، فشعرت الوزارة آنذاك أنه فعلاً وقع ظلم وإجحاف على المستهلكين، وأصبحت الفائدة والمنفعة لصالح المصنعين فقط، فرفعت الحماية المعطاة عن هذين المصنعين وتركت استيراد الأثاث حراً.
ونرجو من الوزارة مشكورة ألا تحمل المواطنين مزيداً من الضرائب غير المباشرة في الوقت الذي يعاني البلد أزمة اقتصادية وقلة موارد الفرد، وإننا على يقين أن تعيدوا النظر في موقفكم من الذين أعطوا الحماية ورفعوا الأسعار، وألا ترتكبوا خطأ يضر بمصلحة المواطنين، وإننا نناشدكم ونناشد غرفة التجارة وجميع المعنيين بدراسة موضوع الحماية بألا ترهقوا المواطنين بمزيد من تكاليف الحياة.
وتبرز هنالك نقاط مهمة يجب أن توضع بعين الاعتبار، فالاتفاقية الاقتصادية الخليجية بين بلدان مجلس التعاون التي نؤيدها ولكن على شرط أن تأخذ شيئاً من التنسيق، وعلى سبيل المثال؛ أنه إذا قامت صناعة في الكويت تغطي حاجة الكويت وبلدان مجلس التعاون ألا تنشأ صناعة مماثلة لها في قُطر آخر من مجلس التعاون، بل يجب هنا التنسيق في التصنيع وتبادل الصناعات بين أقطار دول مجلس التعاون الخليجي ما دامت تتمتع منتجات تلك الأقطار بالإعفاء الجمركي، وإذا لم تنسق هذه الأمور بادئ ذي بدء، فإنه بالإمكان والحالة هذه ألا تكون جدوى لحماية الصناعات التحويلية من رفع الجمارك على الموطنين في الكويت ما دامت مثل تلك البضائع تصنع في أي قُطر من أقطار دول مجلس التعاون التي تتمتع بضائعها بالإعفاء الجمركي.
وتجدر الإشارة هنا إلى ضرورة أن تكون الصناعات في أقطار الخليج بشكل عام تمتلكها شركات محلية لا شركات أجنبية، وهنا نكون قد تمكنا من ضبط الأمور لما فيه مصلحة أقطارنا وشعوبنا.
آمل أن تلاقي هذه الرسالة المفتوحة التجاوب المطلوب، سدد الله الخطى ووفق الجميع لما فيه الخير.
[1] العدد (752)، عام 1986م، ص12.