قضيتان مهمتان ما زالتا تستحوذان على تفكير غالبية الكويتيين؛ أما القضية الأولى فهي المديونات الصعبة، وأن المتتبع لوسائل الإعلام خلال الأيام القليلة الماضية وتصريحات بعض المسؤولين يستطيع أن يلمس حقيقة مهمة؛ هي أن الدعم الحكومي المتعلق بالمديونيات الصعبة قد استفادت منه فئة دون فئة، والمستفيد الأكبر من وراء ذلك البنوك التي يجب أن تسهم في جميع احتياطيِّها حفاظاً على المال العام.
ومن مبررات المسؤولين أنهم يريدون أن يعينوا المتضررين من أسباب الغزو العراقي الغاشم للبلاد.
لقد تضرر من أسباب الغزو العراقي الغاشم للبلاد أعداد كبيرة وفئات كثيرة من الشعب الكويتي، منهم صاحب المتجر، وبائع الذهب، وذوو المصالح المختلفة، وآلاف مؤلفة من هؤلاء وغيرهم من أبناء الشعب، ومعظم هؤلاء الذين تضرروا من الغزو العراقي الغاشم بصورة مباشرة ليسوا من فئة المدينين للبنوك الذين شملهم الدعم الحكومي، وبما أن التعويض منصبّ فقط على المدينين للبنوك، فإننا نتساءل: من يعوض هذه الفئة غير المدينة للبنوك؟ ولا شك أن هناك فئات كثيرة من أبناء الشعب لا تقترض من البنوك الربوية تضررت مصالحها ونهبت متاجرها وأحرقت مخازنها وتجارتها، فلماذا لا يشمل هؤلاء التعويض أيضاً.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن بعض الأفراد المدينين للبنوك الذين من المقرر أن يشملهم التعويض مدينون للبنوك بما يصل إلى خمسين أو مائة مليون دينار، وأننا نعتقد ألا يوجد تاجر أو فرد أو مؤسسة تجارية تضررت فعلاً بفعل الغزو العراقي الغاشم بمبالغ ضخمة كهذه، وأن المراكز المالية لكثير منهم سوف تؤكد ما ذهبنا إليه إذا لم يطرأ عليها أي تغيير، ومن هذا المنطلق فإننا نأمل أن تأخذ اللجان المتخصصة هذا الأمر مأخذ الجد، وأن يشاع العدل بين جميع الفئات من المتضررين؛ فلا تستحوذ فئة من الناس على معظم التعويضات وتحرم الفئات الأخرى، فنطالب بضرورة التدقيق الجاد في جميع المراكز المالية؛ لأن قسماً كبيراً من المدينيين لهم أموال واستثمارات خارج البلاد.
الدينار المضروب:
أما مشكلة ما يسمى بـ«الدينار المضروب»، فالجميع يعرفها لأنها مشكلة عامة تضرر بسببها قسم كبير من المواطنين، والجميع يعرف أن الدنانير التي حددت أرقامها وزع بعضها على المواطنين وكانوا يتداولونها قبل الغزو العراقي الآثم، وقد باعت الجمعيات التعاونية والمتاجر بضائع بمبالغ كبيرة إلى الناس دخل قسم كبير منها تحت ما يسمى بالدينار المضروب إبان الاحتلال الجائر وقبل إعلان الحكومة عن وجود دينار مضروب.
كما أن المسؤولين الكويتيين لم يعلنوا عن سقوط الأرقام التي أعلن عنها التي اعتبر الدينار مضروباً بعدها إلا بعدما يقرب من شهرين من الاحتلال العراقي الغاشم، وكان هذا الدينار متداولاً بين الناس والجمعيات والمتاجر خلال هذه الفترة، كما أن التجار قد استلموا مبالغ كبيرة من هذه الأرقام مقابل بضائع باعوها للجمعيات التعاونية والأفراد قبل الإعلان عن عدم تداولها وعدم اعتراف الحكومة بها.
وقد تعهد المسؤولون قبل التحرير بأنهم سيقومون بالتعويض عن الدينار المضروب للفئات التي تثبت أن هذا الدينار جاءها عن طريق التداول المشروع، فلماذا تعدل الحكومة عن هذا التعهد؟
إن الفئات التي تملك الدينار المضروب من المواطنين وقد حصلوا على تلك الدنانير بشكل مشروع أحق بالتعويض من المدينين للبنوك بما يسمى بالمديونيات الصعبة.
نأمل أن يشمل التعويض كافة المواطنين الذين تضرروا من جراء الغزو الغاشم؛ لأن الله سبحانه وتعالى سوف يسألنا جميعاً عن العدل وعدم الظلم، وعلى هذا فإننا نأمل أن تقوم الحكومة باتخاذ الخطوات الإيجابية لتعويض المواطنين عما يملكونه بما يسمى بالدينار المضروب، لا سيما بعد أن منَّ الله علينا وهزم المعتدين الذين أجبروا على إعادة ما استولوا عليه من الذهب والدينار المسروق، لا سيما أن التعويضات التي يمكن أن تمنح للذين يملكون الدينار المضروب لا تعادل جزءاً بسيطاً من دين بعض الأفراد الذين سينالون التعويض نتيجة لمديونياتهم للبنوك.
فهل يجوز أن يعوض شخص واحد بمائة مليون ولا يعوض مئات وآلاف من المواطنين الذين بمجموعهم يملكون مبالغ أقل بكثير مما يسمى بالدينار المضروب، ولا سيما أن هؤلاء يمكنهم الحصول على حكم من القضاء لو لجؤوا إليه مطالبين بتعويض عن الدينار المضروب الذي حصلوا عليه بطرق مشروعة.
إننا نأمل من المسؤولين أن يعيدوا النظر في كلتا القضيتين؛ تعويض المواطنين الذين تضررت تجارتهم وأملاكهم من جراء الغزو العراقي الغاشم، ولم تكن عليهم أي مديونيات للبنوك، وتعويض المواطنين الذين حصلوا على مبالغ من الدينار المضروب بطرق مشروعة.
ونرجو ألا تلجأ الحكومة إلى إحالة المواطنين المتضررين من غير المدينين إلى تعويض الهيئات الدولية التي سوف يلاقون الصعوبات في الحصول على حقوقهم منها، ويبرز هنا الواجب على الحكومة أن تدفع تعويضات المتضررين غير المدينين للبنوك، وتقوم هي نيابة عنهم بمطالبة الهيئات الدولية لتسترد ما دفعته للمواطنين من تعويضات، ونأمل أن يبادر المسؤولون باتخاذ الخطوات الإيجابية لإشاعة العدل بين أفراد المجتمع، والله ولي التوفيق.
[1] العدد (984)، عام 1992م، ص10.