ألقى القائد السنوار خطاباً حماسياً يوم الجمعة 14 أبريل 2023م في مدينة غزة بمناسبة اليوم العالمي للقدس من خلال مهرجان نظمته اللجنة الفلسطينية ليوم القدس العالمي، وذلك استجابة لنداء الخميني بأن يكون الجمعة الأخيرة من كل رمضان «يوماً عالمياً للقدس»، وقد حيّا السنوار الجمهورية الإسلامية الإيرانية ومرشدها ورئيس حكومتها، وأثنى على الدعم الإيراني في بناء قوى المقاومة «حماس» وإسنادها مالياً ولوجستياً وفنياً.
إلا أنه في خطابه قد قرر تحولاً استراتيجياً خطيراً، وهو تموضع «حماس» في «محور القدس» كجسم تابع لهذا المحور، والاصطفاف مع بقية المليشيات الطائفية في العراق وسورية ولبنان واليمن، وبالطبع إيران كدولة ترعى وتقود وتدير هذا المحور، وعزز هذه الاستراتيجية ببعض الأحاديث، وأهمها حديث عبدالله بن حوالة الوارد في فضائل أهل الشام وحديث الطائفة المنصورة.
ودعا إلى استكمال بناء «محور القدس» بدعم إيران، وحدد مجموعة من الخطوات، منها:
1 – التصالح مع «سورية الأسد» التي تمثّل إحدى ساحات الحشد والارتكاز (جند الشام) وفق الرواية التي استند إليها.
2 – تطوير العلاقة مع (حزب الله) الذي كما قال السنوار (الشطر الأهم) من جند الشام.
3 – والحاجة لبذل جهد كبير لتطوير ساحة جند اليمن.
4 – وجند في العراق.
وطمأن الأمة وإخوانه في «محور القدس» بأنهم قد قطعوا شوطاً كبيراً على طريق جهوزية «محور القدس» وذلك لمعركة «وعد الآخرة» القريبة.
(ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريباً)، وعندها سيكون الطوفان الهادر – وفق كلمته -: صواريخ دون عد، وجنود دون حد، وملايين أمتنا مداً بعد مد.
وأكد السنوار في كلمته عودة سورية إلى الجامعة العربية، وما دمرته الحرب من وشائج وروابط. (انتهى)
بالطبع كان هناك ردود فعل غاضبة على خطاب السنوار من جماهير مؤيدة لقضية القدس وفلسطين في العالم العربي والإسلامي، بخصوص ما ورد حول «محور القدس».
ويأتي هذا المقال متمماً لبعض المقالات التي سَطَّرْتُها بشأن الخطاب السياسي الإعلامي لقادة «حماس» في بعض المواقف والتصريحات، لكن للأسف إن بعض قادة «حماس» ومنهم السنوار أمعنوا في العبث في بعض المفاهيم والمصطلحات والرؤى الخاصة بالجهاد في فلسطين التي مع مرور الزمن ستسبب مشكلات حقيقية في وحدة العمل لدعم تحرير القدس وفلسطين من الصهاينة وخلط الأوراق بما يخلق تيارات متضاربة ليس فقط في دوائر الدعم العربي والإسلامي للقضية والجهاد في فلسطين، وإنما في الجسم الحركي لتيار المقاومة في فلسطين.
وقبل الرد على مقولات السنوار في هذا الخطاب، أود أن أقرر كما سبق وأن قررته في مقالات سابقة، حيث يعتقد الكثيرون أن لـ «حماس» الحق في تقدير مصالحها وترتيب علاقاتها مع كل الأنظمة التي ترى أن مصلحتها أن تستأنف أو تتحالف معها لخصوصية وضعها المستضعف والمحاصر، وأن المصلحة ما هي إلا تقليل المفاسد ودرء أكبرها دون صغارها، وأن العلاقات تدخل ضمن أبواب السياسة الشرعية.
كما أن تقديم الشكر للدول والمؤسسات التي تدعم المقاومة الجهادية والشعب الفلسطيني لا غبار عليه ما دام في إطار الشكر على المعروف والاعتراف بالفضل دون الجور على الآخرين.
لكن تكمن المشكلة عند بعض قادة «حماس» (السنوار نموذجاً) في طبيعة الخطاب الإعلامي والسياسي، إذ يحرص بعض قادة «حماس» دائماً بوصف حلفائهم (إيران والنظام السوري وحزب الله والحوثيين وغيرهم…) بأوصاف لا يصدقها معارضو «حماس» وحتى محبيها، وتنسج لهؤلاء ثوب المجاهدين الخلص.
وللأسف فإن هذا الخطاب نتج عنه عدة مدلولات خطيرة، منها:
– تعزيز مكانة إيران كدولة قائدة لمشروع تحرير القدس، وتبييض صفحتها أمام الجماهير الفلسطينية والعربية والإسلامية.
– توصيف خاطئ عن الكتلة الجهادية والمعنية بتحرير القدس وفلسطين في ضوء الواقع الحقيقي لمكوّنات محور القدس الذي عناه السنوار في خطابه.
– استخفاف بمشاعر وآلام الملايين من أهل السنة والجماعة في المنطقة العربية المنكوبة (العراق، سورية، لبنان، اليمن)، الذين هجروا من ديارهم أو قتل أبناؤهم وأحباؤهم، أو المعتقلين الذين يرسفون في سجون مليشيات دول هذا المحور.
– استعلاء على الحاضنة السنية (شعوباً ودولاً)، بتبخيس دورها ونسبة الفضل لدول «محور القدس».
ولنناقش أطروحة السنوار حول «محور القدس» والذي موضع «حماس» كجزء من كينونته والاصطفاف معه.
أولاً: توصيف «محور القدس»:
مم يتشكل «محور القدس»؟
– في الحقيقة يتشكّل «محور القدس» من مجموعات مسلحة شيعية في إيران والعراق وسورية ولبنان واليمن وأفغانستان وباكستان، بالإضافة إلى الجهاد الإسلامي في فلسطين، وأخيراً لا نعلم: هل انضمت فعلاً «حماس» تموضعاً في هذا المحور (وفق تصريح السنوار الأخير)، ولهذا المحور فيلق رئيس يقوده دعماً وتدريباً وتسليحاً وهو «فيلق القدس» التابع للحرس الثوري الإيراني، والذي يتبع في قيادته للمرشد الأعلى في إيران «علي خامنئي».
وعلى سبيل المثال:
يوجد في العراق ما يقارب (32) مليشيا شيعية، عدا «الحشد الشعبي» من أبرزها: فيلق بدر، وجيش المهدي، وعصائب أهل الحق، وجيش المختار، ولواء أبو الفضل العباس، وحزب الله العراقي وغيرها، وكلها تحت رعاية الدولة العراقية وتعمل تحت ظل الاحتلال الأمريكي.
وكل هذه المليشيا خاضعة لإيران وتوجهات المرشد.
وفي سورية:
(حزب الله اللبناني – حزب الله العراقي – حزب الله السوري – لواء زينبيون – لواء الباقر – لواء أبو الفضل العباس – عصائب أهل الحق – فيلق الوعد الصادق – فوج التدخل السريع – لواء أسد الله الغالب وهذا خليط من شيعة لبنانيين وعراقيين وأفغان وباكستانيين وسوريين وحوثيين، وبالطبع فإن نظام الأسد في سورية جزء لا يتجزأ من هذا المحور الطائفي.
وفي لبنان: يتسيد حزب الله المشهد العسكري والأمني والسياسي.
وفي اليمن: احتل الحوثيون صنعاء وفرضوا عليها الأمر الواقع بدعم إيراني، لتكمل المحور.
ما نتائج «محور القدس» على الجغرافيا والديمغرافيا العربية في العراق وسورية ولبنان واليمن؟
– بلا شك أن «محور القدس» قبل أن تنضم له حماس إلى الآن لم يطلق رصاصة واحدة على “إسرائيل” منذ نشأة النظام الإيراني في إيران، بل إن نظام الأسد المجرم ولمدة أكثر من (50) عاماً لم يطلق رصاص حتى لاسترجاع ما احتل من أرضه في «الجولان».
– أما الجرائم الوحشية والقتل والتهجير والسجن والاعتقالات الموجهة للمحتوى السني في هذه الجغرافيا فقد سُطِّرَتْ فيها كتب وأبحاث وتقارير محايدة ودولية.
– ففي العراق، حُولت مدن سنية إلى دمار وأنهار من الدم، فنينوى تم تغيير 70٪ منها، وقتل فيها (40 ألف مدني)، وتم تهجير أهلها بالشمال، وسيطرت عليها المليشيات الشيعية التي تقتل على الهوية، وكذلك في «ديالى» و«صلاح الدين» التي سيطرت عليها مليشيا «بدر» والعصائب، وتم تهجير ما يقارب 500 ألف مواطن من «ديالى» وحدها عدا المخطوفين، ويقدرون بـ (27380)، والقتلى (78598) قتيلاً، والمعتقلون (52320)، وقد حولت هذه العمليات الوحشية والديمغرافية السنة إلى أقلية مع آلاف المساجد وتحويلها إلى حسينيات وإقامة الإعدامات الجماعية والمجازر الوحشية.
وفي سورية:
فإن نظام الأسد الذي يراهن عليه السنوار، قد قتل ما يقارب نصف مليون سني سوري، وهجّر 8 ملايين لاجئ ونازح، و150 ألف معتقل، وقصف مخيم اليرموك 160 ألف لاجئ وخرّب المساجد وأهمها مسجد عبدالقادر الحسيني، ودمر كل المدن السنية.
أما المليشيات الشيعية فإنها قامت بجرائم كبيرة في حمص (22 مجزرة)، وحلب (8 مجازر)، وحماة (7 مجازر)، ودمشق (5 مجازر)، وإدلب ودرعا وطرطوس ودير الزور وغيرها.
أما أبرز عمليات التطهير الطائفي، فقد قام بها حزب الله اللبناني وحزب الله العراقي، ولواء أبو الفضل العباس، ولقد سمحت إيران لتلك المليشيات بالاستيطان في المناطق التي سيطر عليها، وارتكبت المجازر بحق أهلها كحالة حزب الله اللبناني في القصير ولواء أبو الفضل العباس جنوب دمشق.
وفي اليمن:
فإن الحرب في اليمن والتي أشعلها الحوثيون قد حصدت آلاف القتلى، وسأعطي فقط نموذجاً لجرائم الحوثيين ضد اليمنيين في «مأرب» فقط حيث قتل الحوثيون (1028) طفلاً فيها، وقتلوا بسبب الألغام والصواريخ والقذائف، وتدمير (195) منشأة تعليمية، وقصف (105) منشآت طبية، وتنوّعت جرائمهم ما بين القتل والتعذيب والاختطاف والاعتقال التعسفي وحصار المدن وتفجير المنازل.
ونتج عن ذلك 76 ألف مختطف وقتيل وجريح، عدا النازحين والمهجّرين بالملايين.
إذن، فإن مليشيات دول «محور القدس» ارتكبت جرائم تصنف بأنها جريمة حرب ضد الإنسانية:
– القتل: (على مختلف الأعمار بدءاً من الأطفال إلى الشيوخ).
– الإعدام.
– التعذيب.
– أحكام الإعدام.
– تدمير المدن.
– تهجير المدنيين.
– الاعتقالات والسجن.
– الاغتصاب.
– استخدام الأسلحة الكيماوية والمحرمة.
– التدمير الثقافي والديني.
– تجنيد الأطفال.
– السرقة للمختلفات.
– الاستيلاء بالقوة على المساكن.
– مجازر وحرق القرى.
– احتلال القرى.
هل هؤلاء الجند (جند العراق والشام واليمن) في محور القدس مؤهلون ليحرروا القدس وفلسطين، وهل تنطبق عليهم صفات المجاهدين؟
والسؤال: ما هي بالضبط النتائج الحقيقية والواقعية على المحتوى السني لهذا المحور «محور القدس»؟
– تطهير طائفي للديمغرافيا السنية في العراق وسورية واليمن.
– تهجير ملايين من أهل السنة من مناطقهم ونزوحهم داخلياً أو خارج أوطانهم.
– سيطرة كاملة للنفوذ الإيراني على 4 عواصم دول عربية.
– قتل واعتقال وسجن الآلاف من أهل السنة.
– وضع الاقتصاد في هذه البلدان تحت تصرف السيطرة الإيرانية، وانهيار قيمة العملة الوطنية فيها إلى أدنى مستوياتها.
– التعاون والتنسيق والتفاهم مع الولايات المتحدة (الشيطان الأكبر) على اقتسام العراق وإفقار مواطنيه.
– لم تطلق طلقة واحدة من الحدود السورية على “إسرائيل” طوال العقود الماضية وإلى الآن، وسكتت مدافع حزب الله منذ 2006م بتفاهم مع “إسرائيل”.
فهل هذا المحور المتلطخ بجرائم الحرب والإنسانية سيحرر القدس؟ فنحن نرى أن أسلحته وقوته وقدراته موجهة ضد أهل السنة ومواطني الدول العربية في المنطقة، وليس ضد الكيان الصهيوني، وما الفرق بين الاحتلال والطغيان الطائفي والاحتلال والطغيان الصهيوني؟
التأسيس العقائدي لهذا المحور:
هذا المحور طائفي في فكره وعقيدته وهو قائم على مخالفة أهل السنة في المواطن العقائدية والشعائرية.
أما شعاراته التي يجاهد عنها «فكلها رايات تفرق المسلمين ولا توحدهم»، وتستعير خلافات الماضي بين المسلمين وتعلي شعارات الثأر والانتقام من الطائفة المخالفة «يا لثارات الحسنين»، أما أذكارهم فهي لا تخلو من اللعن والطعن والسب والشتم للصحابة وأمهات المؤمنين وتفتعل المعارك الطائفية كما فعلت في «سامراء» ودمشق تحت ستار حماية مقدسات وآثار أهل البيت.
فهل هذا المحور ومليشياته يمكن أن يكون كتلة مجاهدة لتحرير فلسطين ورايات يمكن القتال تحتها؟
– لذا، فإن إطلاق صفات أحاديث فضائل الشام والطائفة المنصورة على هذا المحور الطائفي خطأ فادح ولا يمكن قبوله لأن صفات المجاهدين المسلمين محددة وواضحة لكل مسلم أن يجاهد ويبتغي وجه الله، وأن يتطهر من الجرائم والمعاصي والآثام وأن تكون عقيدته صافية، وخالصة من الشرك والنفاق وسوء الأخلاق.
خطورة الارتماء في المحور الإيراني:
في أواخر الستينيات وإبان فترة السبعينيات والثمانينيات كانت قوى المقاومة الفلسطينية منحازة بشكل كبير للاتحاد السوفييتي وكانت إحدى آليات الإقلاق والصراع التي استخدمها الاتحاد السوفييتي ضد الولايات المتحدة، وللأسف بدلاً من أن تستقل المقاومة بقرارها، فإنها أصبحت آلة مجندة لتنفيذ سياسات الاتحاد السوفييتي وبعض الأنظمة الإقليمية في المنطقة، وأصبحت القوى الفلسطينية تتدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، بل حتى الأوروبية، وانشغلت عن هدفها الرئيس في تحرير فلسطين حتى تشرذمت قوى المقاومة، وتحولت بعد فترة إلى مشروعين (مشروع يساري رافض مستضعف، ومستغل من الحكومات والدول)، ومشروع استسلام (مشروع أوسلو)، وذهبت ريح المقاومة الفلسطينية، وانتهى مشروعها في التحرير.
لذا، يجب أن يدرس السنوار وقيادة «حماس» مآلات مثل هذه المحاور وحقيقة أهدافها ومشروعها الرئيس وليس المشروع المرفوع كشعار (يوم القدس)، وستتحول «حماس»، وتتدحرج لتصبح أداة استراتيجية في هذا ليملأ فراغ النظام العربي بطائفية شيعية تتحكم في الأكثرية السنية بغطاء دولي، من خلال التعاون والتحالف مع الولايات المتحدة والعراق شاهد على هذه الاستراتيجية.
ثانياً: الوضع الاعتباري للحاضنة السنية
التجاهل الذي أبداه السنوار في خطابه للحاضنة السنية كداعم رئيس وأساسي لتحرير فلسطين واضح وحدث هذا في أكثر من موضع لبعض قادة «حماس».
فالحاضنة السنية تاريخاً وواقعاً تحملت العبء الأكبر للقضية الفلسطينية منذ الاحتلال البريطاني لفلسطين وتوريثها للكيان الصهيوني وإلى اليوم وما زالت الحاضنة السنية بمليارها العددي وجماهيرها المليونية تقف وراء الجهاد الفلسطيني الحر فهي العمق الحقيقي لهذا الجهاد.
والحاضنة السنية على مستوياتها تقدم دعمها لصمود الشعب الفلسطيني في فلسطين.
– فهناك الدعم المالي من شعوب دول الخليج ودول عربية وإسلامية أخرى وبالمال يشترى به كل شيء بما فيه السلاح والتدريب.
– وهناك الدعم الذي تقدمه دول كرواتب الموظفين في غزة ومشاريع حكومية من أجل خدمة القطاع وأهله وتثبيتهم مما يحقق بنية اجتماعية مستقرة للجهاد الفلسطيني.
– وهناك الدعم التعليمي والاجتماعي والصحي.
– وهناك الدعم الإعلامي والتحرك الجماهيري في جميع بقاع الأرض وعلى أرض فلسطين.
والحاضنة السنية هي شعوب ودول وربما الأنظمة السياسية ليست في أحسن أحوالها ولكن كما يقولون «الأيام دول».
وفي الحقيقة أن التعالي على الحاضنة السنية أصبح في السنوات الأخيرة عند بعض قادة «حماس» حالة نفسية وإعلامية بحجة عدم قدرتها على النصرة العسكرية أن هذا الموقف هو في الحقيقة نوع من الاصطفاف ضد دول عربية وإسلامية والتي يمكن الحوار معها وطرق الأبواب لفتحها.
كما أنه اصطفاف ضد الشعوب العربية المضطهدة من المشروع الإيراني والنظام العربي والمشروع الصهيوني.
وهو أيضاً اصطفاف ضد الحركة الإسلامية الواسعة التي رسخت مفاهيم الجهاد في فلسطين وقاومت المستعمر والاحتلال والمستضعفة من الأنظمة.
وأيضاً هو انزلاق نحو تخلخل الصف الداخلي الفلسطيني بين حركات المقاومة الفلسطينية كشعب.
وأخيراً هو مدعاة لخلاف في الصف الداخلي لحماس وقواعدها ومؤيديها في الداخل والخارج.
إن خطورة الخطاب الإعلامي المستمر والمتعالي على الحاضنة السنية ستنتهي إلى فتور وإضعاف لدعم للجهاد الفلسطيني في الحواضن السنية.
الرؤية الاستراتيجية:
المنطقة العربية اليوم هي منطقة صراع بين قوى دولية وإقليمية وإيران في المنطقة تتمدد بحكم مشروعها الاستراتيجي وتتقدم تدريجياً للسيطرة على قلب الأمة العربية وتطويق دول الخليج من جهة وتأييدها سيطرتها على (العراق وسورية ولبنان واليمن) والذي اعتبرته محيطها الحيوي والذي يوفر لها حماية ووقاية استراتيجية متقدمة لمشروعها التنافسي مع الكيان الصهيوني، ويضخم دورها التفاوضي مع القوى الدولية كعامل استقرار أمني وسياسي، وتستنفد موارد الدول الأربع التي تسيطر على قرارها وسيادتها لصالح الاقتصاد الإيراني ومشروعها الاستراتيجي.
وهي تسيطر على هذه المنطقة الجغرافية الواسعة بواسطة عسكرة الطائفة الشيعية والتعاون والتحالف مع الولايات المتحدة في العراق وروسيا في سورية وفرنسا في لبنان.
فهي في الحقيقة ليست عدواً لهذه الدول الكبيرة وإنما تستخدم ما بيدها من أوراق تفاوض لمشروعها الاستراتيجي للسيطرة وتقاسم النفوذ مع الصهاينة على المنطقة العربية وتعتبر دعم «حماس» واجباً استراتيجياً وليس دينياً، إذ إن وجود تنظيم عسكري في فلسطين سيساعدها للضغط على الكيان الصهيوني، وللحصول منه على تنازلات لصالح المشروع الإيراني في المنطقة، ولإيقاف ضغط ونفوذ الصهاينة من إيقاف المشروع النووي الإيراني.
إذن «القدس وفلسطين» بين فكي مشروعين استراتيجيين يتصارعان على النفوذ وعلى المحيط الحيوي لكل مشروع وهما «المشروع الإيراني الطائفي»، و «المشروع الصهيوني – التطبيعي»، وكلا المشروعين متناغم مع صراع النفوذ والمصالح للمشروعات الدولية الأخرى، لذا التعويل على «محور القدس» الطائفي تعويل مضلل للمجاهدين والصادقين.
فالأول يعتبر القدس وقضية فلسطين استثماراً لمشروعية بقائه كنظام يعمل في الجغرافية العربية السنية والسيطرة عليها، ولا يقترب من فكرة إزالة “إسرائيل” أو تحرير فلسطين، وإنما «يعتبر» «دعم المقاومة الفلسطينية» سلاحاً وأداة استراتيجية لإقلاق المشروع الصهيوني، وورقة تفاوض مع القوى الدولية المنافسة.
والمشروع الصهيوني يعتبر «القدس» استثماراً للدعم الأمريكي والأوروبي ويعتبر المقاومة «إرهاباً» دولياً يجب التعاون للقضاء عليه، ودافعاً لتدفق الأموال الداعمة لإسرائيل (النموذج) الذي يحقق المصالح الأمريكية والغربية في المنطقة ويواجه النفوذ الإيراني بأذرعه المتطرفة في المنطقة.
والخطر الأكبر هو أن تتحول «حماس» وهي بالفعل في طريقها للتحول لتصبح أداة بيد الاستراتيجية الإيرانية، وتتحول إلى آلة عسكرية مخلصة للأجندة الإيرانية، تسير وفق الرتم الإيراني المخطط له من قبلها، وتستخدم المليشيات الشيعية في ذلك.
إن انضمام «حماس» واقعياً وعملياً للمحور الإيراني ينزعها من عمقها السني الإسلامي، لأنها في مرحلة تحول للتموضع الكامل في المشروع الإيراني، بعدما حرصت «حماس» منذ تأسيسها ألا تتدخل في الشؤون الداخلية للدول، وتستقل بقرارها السياسي والجهادي.
وإن دعوة السنوار إلى الدول العربية لقبول عودة المجرم الأسد لمقاعد الجامعة هو تدخل فج وخروج عن هذه السياسة المستقلة مما يؤكد الاستجابة للمشروع الإيراني في المنطقة.
كما أنه وتوقف «حماس» وقبولها التهدئة بالرغم من انتهاكات الإسرائيليين للحرم القدسي رغبة في تجنيب ضرب حزب الله في لبنان من قبل الإسرائيليين هو خدمة للمشروع الإيراني.
وبالطبع سبق وأن أعادت «حماس» علاقاتها مع الطاغية في الشام في نفس السياق.
والخشية بأن يسيطر على العقل القيادي الجهادي في حماس هو التناغم مع السياسة الإيرانية الاستراتيجية إقداماً وتراجعاً كما تفعل كل المليشيات التابعة لإيران، بل ويتحول الولاء وقيادة فيلق القدس في إيران، وبعدها للمرشد الإيراني.
الخلاصة:
إن خطاب السنوار الأخير هو خطاب استفزازي للحاضنة السنية، واستعلاء على مشاعر الملايين من المهجرين والضحايا والأسرى في منطقة الرافدين وبلاد الشام واليمن، وهو خطاب تضليل مفاهيمي لمعاني الجهاد وقيمه ومبادئه وإن نتائجه ستكون كارثية على الجهاد الفلسطيني، إنْ استمر ليس على المستوى الخارجي فقط، وإنما سيشكل عامل هدم وشرارة اختلاف بين صفوف المخلصين في «حماس» ويحول «حماس» إلى ترس في الآلة الإيرانية ومشروعها في المنطقة العربية، وأتمنى أن ينشط الوعي الاستراتيجي عند المعنيين في حركة «حماس» للحفاظ على نقاء الجهاد على أرض الرباط والوعد الحق.
ختاماً:
نؤكد أن حركة حماس حركة مجاهدة مخلصة لدينها وللقضية الفلسطينية وأن قادتها من الرجال الصابرين والقائمين عن الأمة بفريضة الجهاد والرباط وأنهم يقومون بعمل لا تستطيعه دول وشعوب في المنطقة بسبب الظروف والمعادلات الدولية والإقليمية والمحلية. ونحن نوصيهم بالثبات على قسم القسام ومبادئ الشيخ أحمد ياسين ونهج الرنتيسي وأمثالهم بوعي القادة المجربين في المواقف والأحداث من أمثال المجاهد خالد مشعل والرئيس هنية وغيرهم من القادة في الميدان الذين منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا.
—————–
رئيس تحرير مجلة المجتمع السابق.