اسمي محمود كنت في العشرين من عمري وأنا قاريء نهم مثقف شاعر أديب معتد بنفسي درجة الغرور وقد ولعت بالاشتراكية كمذهب اقتصادي إذ كنت قد درجت من أسرة فقيرة فقد وافقت الاشتراكية لدي هوى وطموح في تجاوز درجات اجتماعية لطالما علقت بها وعلق بها من قبل آبائي
وكنت في هذه السن محل أنظار الكثيرين أقدم الندوات وألقي الأشعار وأؤلف القصائد وكان لي نشاط طلابي معتبر الأمر الذي حعلني أقرب إلى التكبر لا أعطي اهتماما لأحد أظن نفسي أفضل من الجميع وأن مواهبي هذه حق أصيل لي ولسان حالي يقول
إني لأفتح عيني حين أفتحها
على كثير ولكن لا أرى أحدا
حتى جاء ذلك اليوم الذي أوقفني أحد الشباب الملتزم وقد دعاني لحضور ندوة دينية ومن المعروف العداء بين الاشتراكيين والإسلاميين في الجامعات فنظرت إليه نظرة ازدراء ولم أجبه إلا بما لا يتمنى أحد سماعه
مرت الأيام ونسيت هذه الواقعة ثم ألم بي مرض فكان أن زارني هذا الشاب ليعودني وقد أهداني علبة بها 4 قطع جلاتينية لم أتعرف عليها بمجرد النظر وقد نظرت إليه نفس النظرة الأولى إلا أنه كان في بيتي هذه المرة فتأدبت معه في القول حتى دعا لي بالشفاء وانصرف
بعد انصرافه بقليل ناداني مناد الجوع ففتشت في المنزل لم أجد شيئا وكان الوقت قد تأخر فتذكرت قطع هذا الشاب الأربعة أمسكت واحدة منها وأنا لا أستطيع أن أتبين ما هذا الشيء إلا أنها يحمل ملمسا جلاتينيا مع لون أرجواني يشتبه الشوكولا فقلت لا بأس شيء يسد الرمق حتى الصباح ومن ثم قذفت هذه القطعة في فمي سريعا لالتهامها بنهم ولكن حدث ما لم أكن أتوقعه وفاجأني ما لم أكن أتمناه
كانت هذه القطعة هي نوع من الطيب يسمى “حجر المسك” يستخدم بديلا للعطور الممزوجة بالكحول وهو سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم
كان هذا الموقف على بساطته صفعة قوية على وجههي المتكبر أنا الذي احتقر الناس وأزعم أنني لا أخطأ أبدا وأنني أعلم من قراءاتي واطلاعي ما لم يسعه غيري هكذا لا أستطيع أن أميز شيئا ربما تميزه البهائم بحاسة الشم أو اللمس
نظرت ساعتها إلى السماء بعد أن تقيأت المسك من جوف أجوف ونظرت إلى السماء وكأنني أراها للمرة الأولى فعلمت كم أن الإنسان مهما عظم صغير في هذا الكون الواسع وأن العلم لا يأتي بالتعالم وأن المواهب كلها بيد الله يبسط فيها ويقبض ويختبر بها عباده ومن ذلك الحين لزمت المساجد والصحبة الصالحة وودعت ما كرهه الله لي