يقول رب العزة جلت عظمته: «إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا».
انطلاقاً من الثقة في وقت أصبح شعاره أفضل الشجاعة الصراحة في الحق وكتمان السر، يقول رب العزة: (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ۚ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ۚ وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ ۚ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا) “الكهف:29”.
وعن حذيفة رضي الله عنه عن النبي | قال: «والذي نفسي بيده، لتأمرن بالمعروف وتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم».
والحكمة الربانية الخالدة أن الله يبلو عباده بالشر والخير فتنة؛ (لُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ۖ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) “الأنبياء:35”.
والابتلاء بالشر يكشف عن مدى احتمال المبتلى ومدى صبره ومدى ثقته في ربه ورجائه في رحمته.
أما الابتلاء بالخير فهو أشد وطأة وإن خيل للناس أنه دون الابتلاء بالشر، إن الكثيرين من الناس يصمدون أمام الابتلاء بالشر، ولكن القليل هم الذين يصمدون أمام الابتلاء بالخير، الكثير منا صمدوا أمام المحنة التي حلت بنا؛ فكان الصبر على الحرمان والتعذيب والإيذاء والتهديد والوعيد، ولقد أوجدت هذه المحنة الترابط والإخاء والائتلاف، فأصبح المجتمع كالجسد الواحد في الكويت.
فالابتلاء بالمحنة أثار العزة في النفوس، وحث على المقاومة، وجند الطاقات؛ فكان المجتمع جاهزاً لاستقبال الشدة والتصدي لها.
وبعد أن منّ الله علينا بالخير خرجنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر.
وجاهد النفس والشيطان واعصهما | وإن هما محضاك النصح فاتهم |
لذلك، يجتاز الكثيرون مرحلة الشدة بنجاح حتى إذا جاءهم الرخاء سقطوا في الابتلاء، وذلك شأن البشر إلا من عصم الله فكانوا مَن قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن؛ إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له.
أما ما نراه من ردود فعل في الاتهام الجماعي والتسلط على الناس الحسن والسيئ والصالح والطالح فهذا ظلم لا يقبله رب العزة الذي أزاح عنا الظلم.
يقول رب العزة: «وعزتي وجلالي لأنتقمن من الظالم ولو بعد حين، ولأنتقمن ممن رأى مظلوماً وهو قادر على نصرته ولم ينصره».
لا تظلمن إذا ما كنت مقتدراً | فالظلم ترجع عقباه إلى الندم |
تنام عينك والمظلوم منتبه | يدعو عليك وعين الله لم تنم |
يقول رب العزة: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ) “هود:117″، فالصالحون كثير، أما المصلحون فقليل.
ويقول رب العزة:(لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ. كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ) “المائدة:78-79”.
وعن جابر رضي الله عنه، أن رسول الله | قال: «اتقوا الظلم؛ فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح؛ فإن الشح أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم».
يروى أنه كان لامرأة عجوز كوخ بجانب قصر أحد الملوك، فأمر الملك بإزالة الكوخ فتمنعت، وفي يوم من الأيام غابت عن كوخها فانتهز الملك الفرصة وأمر بإزالة الكوخ، ولما رجعت ولم تجد كوخها رفعت يديها وقالت: يا من لا تغيب إذا غبت انتقم لي من هذا الظالم، فسمع دعاءها وسخر منها وضحك ونام؛ فخسف الله به وبقصره الأرض، فاستيقظ الناس فوجدوا على سور القصر مكتوباً:
أتهزأ بالدعاء وتزدريه | وما يدريك ما صنع الدعاء |
وقد سار الدعاء بما تراه | فما للملك عندك من بقاء |
[1] العدد (979)، عام 1991م، ص21.