بورقيبة يشارك في مؤتمر للمربين.. يشن حرباً على القرآن والرسول
في موضع آخر من هذا العدد، يرى القراء كلام الرئيس التونسي بورقيبة عن القرآن الكريم والرسول صلى الله عليه وسلم هو كلام اتهم فيه القرآن الكريم بالتناقض –ونعوذ بالله ونستغفره ونتوب إليه– وأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد نقل خرافات إلى القرآن المجيد، على حد زعم بورقيبة.
وفي البداية، يجب أن نقرر الحقائق التالية:
1– إن هذا الكلام يستهدف هدم الإسلام كله، إذ ماذا يبقى من الإسلام بعد اتهام القرآن بالتناقض، واتهام الرسول صلى الله عليه وسلم بإضافة الخرافات إلى القرآن الكريم.
إنها حملة ضد أصول الإسلام وجذوره وأسسه الراسخة التي لا ريب فيها.
2– إن هذا الكلام ليس غريباً بالنسبة لقائله، فهو قد أفتى بانتهاك حرمة شهر رمضان، أي بالإفطار في نهاره، وأباح الإجهاض، وسوَّى في الميراث بين المرأة والرجل ومنع تعدد الزوجات.
3– إن كل الشخصيات –مهما أحيطت بالألقاب والمناصب– فإننا لا نقبل التجرؤ والتطاول على مكانة القرآن العظيم، ومقام الرسول صلى الله عليه وسلم.
4– إن الإيمان بالله وقرآنه ورسوله يلزم المؤمن بدحض هذه الشبهات، وردها بحزم وعزم من حيث أتت، دون أدنى خوف من لومة لائم؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (المائدة:54).
5– إن هذا الهجوم الجديد على الإسلام يأتي في نطاق حملة عالمية صهيونية صليبية ماركسية وماسونية ضد الإسلام.
فالصهيونية أضافت إلى احتلالها لأرض الإسلام شن حرب ضارية ضد الإسلام ذاته في العقيدة والشريعة والأخلاق.
والصليبية تزحف بكتائبها البشرية على العالم الإسلامي، بهدف تنصيره أو زعزعة عقيدته، والتشكيك في أصول الإسلام وجوهره.
والشيوعية الماركسية لا تزال تواصل حملاتها ضد الإسلام عبر الخلايا والأندية والحركات الشيوعية على امتداد العالم الإسلامي.
والماسونية غزت العقول والأفكار عن طريق المبادئ التي تنادي بها.
في نطاق هذه الحملة العالمية ضد الإسلام، جاء كلام بورقيبة لا باسم بريجنيف، أو نكسون، أو إسحاق رابين، أو بابا الفاتيكان.. وإنما باسم وعلى لسان شخص ينطق بالعربية، ويرأس دولة إسلامية!
6– هناك اهتمام ملحوظ بالإسلام من قبل خصومه هذه الأيام لا من أجل تدعيمه ونصره، وإنما من أجل محاولة تطويقه وسحقه.
ففي بريطانيا، دعا رجل إنجليزي –ضالع في السياسة وكان صاحب دور خطير في منطقة الشرق الأوسط– إلى إقامة مهرجان للفنون الإسلامية في لندن!
وفي الكويت عقدت ندوة باسم «أزمة التطور الحضاري في الوطن العربي»، ركزت جهودها وأعمالها على طعن الإسلام والنيل منه.
وفي مؤتمر نوادي الروتاري –العربي «الإسرائيلي»– الذي انعقد في إيطاليا، وكان ممثل تونس في المؤتمر مختار عزيز هو أول المتحدثين، في هذا المؤتمر بحث الروتاريون موضوع «العقبات العقائدية» في طريق إقامة سلام دائم في الشرق الأوسط، وتوصلوا إلى أن العقبة الرئيسة تتمثل في «المتطرفين المسلمين» في المنطقة.
وفي تونس دعا إلى مؤتمر إسلامي – مسيحي موسع من أجل التعاون في نشر الدين!
ومعروف أن النصارى لا يسمحون بنشر الإسلام لأنهم لا يؤمنون به.
ومعروف أن نشر النصرانية الحالية محرم على المسلمين، لأنها تؤله المسيح عليه السلام، وتزعم أنه ابن الله -تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً– ولأنها حرفت وبدلت تبديلاً.
وفي السنغال صرح «سانغور»، رئيس السنغال، بأنه يحضر لمؤتمر كبير يضم المفكرين والمثقفين العرب واليهود، ويبحث عن سبل التعايش السلمي بين اليهودية والإسلام.
7– والحقيقة السابعة هي أن الإسلام منذ أن أنزله الله وهو يتعرض لشتى المؤامرات والمكايد والحروب.
ومع ذلك، فإن خصومه يموتون، وهو باق ويهلكون، وهو مرفوع الراية، متواصل الزحف.
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ۚ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ ۗ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ) (الأنفال: 36).
ضحية الثقافة الخاطئة:
خلال الحقائق التي ذكرناها منذ قليل، اتضح مدى نطاق الحملة ضد الإسلام.
وفي هذه النقطة ينبغي أن نذكر أن فهم بورقيبة الخاطئ والشاذ للإسلام، إنما هو نتيجة لثقافة خاطئة، وهذا على أحسن الفروض طبعاً.
فمن آثار الغزو الثقافي والفكري نشوء عقليات تحاول فهم الإسلام من خلال منظِّر غربي أو نصراني أو علماني ضال.. ولنضرب أمثلة على ذلك:
– اتهم الحبيب بورقيبة القرآن الكريم بالتناقض، وضرب مثلاً على ذلك بآيتين هي قوله تعالى: (قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) (التوبة:51)، وقوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) (الرعد:11)، وادعى أن بين هاتين الآيتين تناقضاً.
فانظروا كيف يجترئ بورقيبة على القرآن الكريم بغير علم؟
فالآية الأولى تنزع المخاوف من قلب المؤمن وتجعله يقتحم الأهوال، ويخوض غمار الحياة، وهو موقن أنه لن يصيبه شيء إلا بإذن الله، وأن العالم كله لن يستطيع أن يقصر من عمره لحظة.
وهذه الآية نزلت في جو جهادي حربي، تزود المؤمنين بطاقة من الإقدام، والعزم، والمضاء.. وتدفعهم إلى تغيير الواقع دفعاً.. نزلت في غزوة «تبوك»، والآية التي تليها من سورة «التوبة» تؤكد إيجابية الإيمان في مواجهة الأحداث والحروب؛ (قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ ۖ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا ۖ فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ) (التوبة:52).
فعقيدة القضاء والقدر هنا، طاقة للإقدام والاقتحام.
وفي ضوء هذا الفهم تكون آية: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) (الرعد:11) مكملة لها.. لا متناقضة معها.
فالتغيير ها هنا مرتبط بأخذ الإنسان بأسباب التغيير وعقيدة القضاء والقدر طاقة جهاد تغير الواقع السيئ وتبدله إلى أحسن.
والمفهومان يؤكدان الإيجابية، والموقف العملي من الحياة، في الحركة والتغيير.
وفي نظرة شاملة، فإن القرآن الكريم كله وحدة متناسقة.. في التوحيد.. والنظرة إلى الإنسان والمسؤولية، وفي دائرة القيم الأخلاقية.. وفي مشيئة الله المطلقة، واختيار الإنسان المحدود.. وخلال 114 سورة لن تجد آية تتناقض مع أخرى، ولا حرفاً يتناقض مع آخر.
لن تجد آية تدعو إلى التوحيد وأخرى تدعو إلى الشرك، لن تجد آية تدعو إلى المسؤولية، وأخرى تدعو إلى الكذب، لن تجد آية تؤكد مشيئة الله المطلقة، وأخرى تؤكد مشيئة الإنسان المطلقة، بل جميع الآيات المتعلقة بالمشيئة والاختيار تؤكد مشيئة الله المطلقة.. واختيار الإنسان المحدود وصدق الله العظيم: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ۚ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا) (النساء:82).
– ويقول الحبيب بورقيبة: إن المسلمين يؤلهون محمداً لأنهم يكررون لفظ محمد صلى الله عليه وسلم، ويتعجب كيف يصلي الله على محمد، ويخرج من ذلك بنتيجة أن المسلمين يؤلهون محمداً صلى الله عليه وسلم!
ولو كلف الحبيب بورقيبة نفسه وفتح «مختار الصحاح» –مثلاً– لوجد ما يلي:
«الصلاة.. الدعاء.. والصلاة من الله تعالى رحمة»، لوجد ذلك ولأراحنا من الرد على اتهاماته الباطلة، ولستر نفسه من تحمل مسؤولية هذا الفهم الغريب الخاطئ لأمور الدين، وسخط الله، ثم إذا قال الله: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) (الأحزاب:56).
فلا كلام لبورقيبة –ولا لغيره– بعد ذلك.
– ومثل ثالث: فقد ادعى بورقيبة أن النبي صلى الله عليه وسلم «اضطر إلى قبول كثير من طقوسهم –أي العرب– التي لا تختلف كثيراً عن عبادة الأصنام مثل التمسح بالحجر الأسود».
والحقيقة التي هي أكبر وأوضح وأدوم من الشمس أن الرسول | ما هادن وثنية العرب لحظة من نهار، ولا قبل المساومة على عقيدته أبداً، ولم يكن هناك شيء اضطره إلى مجاملة العرب أو مهادنتهم على حساب العقيدة والدين.
وحين حاول العرب أن يقول الرسول كلمة حسنة في آلهتهم الباطلة، رفض الرسول | محاولاتهم بوضوح وقوة، ونزل القرآن الكريم يحسم الموقف حسماً بيناً، وفي مفاصلة تامة؛ (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ. لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ. وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ. وَلا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ. وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ. لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) (الكافرون:1-6).
إن دعاوى بورقيبة قرأناها من قبل في كتب المبشرين والمستشرقين والشيوعيين وخبراء الكيد للإسلام؛ (كَذَٰلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّثْلَ قَوْلِهِمْ ۘ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ ۗ قَدْ بَيَّنَّا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) (البقرة:118).
واجب الحكام في العالم الإسلامي:
إن كلام الرئيس التونسي واضح لا يحتاج إلى تأويل.
وقد نشرته صحيفة تونسية هي جريدة «الصباح» بتاريخ 21 مارس 1994م، وجريدة «الشهاب» اللبنانية الصادرة بتاريخ 23 ربيع أول 1394هـ/ 15 أبريل 1974م، وقائل الكلام يرأس بلداً عربياً.
وهذ يقتضي تحركاً مخلصاً وإيجابياً على مستوى الملوك والرؤساء في العالم الإسلامي، والمنظمات الرسمية.
إن المسلمين يتطلعون إلى مبادرات في مستوى القمة من ملوك ورؤساء جميع الدول الإسلامية، ذوي الغيرة على دينهم ونبيهم عليه الصلاة والسلام، وعلى المملكة العربية السعودية واجب خاص في هذه القضية.
فبورقيبة تناول مقدسات المسلمين وشعائرهم في البيت الحرام بالسخرية واعتبرها أصناماً من بقايا الشرك والوثنية.
إن السقطات الكبيرة ينبغي أن تعالج بجهد كبير.
إن قطع العلاقات الدبلوماسية مع بورقيبة هو الرمز القوي الذي يعبر عن كل الإجراءات الأخرى ويغطيها، مثل إيقاف العون الاقتصادي والتبادل الثقافي.. إلخ.
ما الذي يربط المسلمين ببورقيبة بعد اليوم؟
لقد طعن في قرآنهم ورسولهم ومقدساتهم وشعائرهم.
أيها المسؤولون في العالم الإسلامي..
ماذا تقولون لربكم غداً.. إذا سألكم عن واجبكم نحو القرآن والرسول والإسلام؟
وهنا واجبات أخرى تتحملها المنظمات الرسمية:
– الجامعة العربية؛ فبورقيبة عضو في جامعة الدول العربية.
– والأمانة العامة للمؤتمر الإسلامي؛ فبورقيبة عضو في مؤتمر القمة الإسلامية.
– والأزهر؛ فليس هناك وقت ولا موقف أدعى للتحرك الأزهري من مثل هذه المواقف.
– ورابطة العالم الإسلامي؛ فهي في مهبط الوحي.. الذي حاول أن يشكك فيه بورقيبة.
– والجامعة الإسلامية في المدينة المنورة؛ فقد تطاول بورقيبة على ساكنها عليه الصلاة والسلام.
– ووزارات الأوقاف في العالم الإسلامي؛ فأدنى جهد يمكن أن تقوم به أن تطلق حرية القول للأئمة والدعاة من أجل التعبير عن رأي الأمة في هذا الكلام الذي يضرب الإسلام في الصميم.
ويتسع الواجب حتى يشمل الهيئات والحركات الشعبية الإسلامية.. ويشمل علماء الإسلام ومفكريه ومثقفيه.
لقد انكشف وجه الجد.
وتحددت المسؤوليات وتعاظمت.
فعلى المسلمين في العالم؛ حكومات وشعوباً ومنظمات وعلماء ومفكرين، واجب إسلامي في صد هذا الغزو المنظم وكشف مدبريه ومنظميه.
(أُولَٰئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا) (النساء:63).
[1] العدد (198)، عام 1974م، ص16.