ما أعظمه من شرف، وما أجله من عمل، وما أكرمها من فضيلة تلك التي تبدأ بالعزم على حفظ القرآن الكريم وتنتهي بالمآل إلى قراره في الصدر واطراد العمل عليه، وفي سبيل ذلك هناك قواعد ذهبية علينا اتباعها لتحقيق هذه النتيجة:
1- إخلاص النية لله تعالى:
إن الإخلاص هو كلمة السر في كل عمل، ومفتاح القبول في كل باب، وهو ثلث الدين عند بعض العلماء، وقد حرص أكثر المصنفين على وضع حديث الإخلاص «إنما الأعمال بالنيات..» في صدر مصنفاتهم لتذكير كل مدع ولزجر المتعلمين لمراءاة الناس أو لصرف وجوههم إليه أو لمماراة العلماء، وهي خسارة الدارين.
2- لزوم الطاعات وترك المعاصي:
ولما كان كتاب الله أشرف الكلم وأطهر مكنون، فإنه لا ينزل إلا في محل طاهر؛ ولذا فإنه يتأثر بفساد المحل وسوء فعل الحافظ، ولله در الإمام الحجة الشافعي، فقد روي أنه لما رأى كعب فتاة كاد أن يفتتن وتأثر حفظه فأنشد يقول:
شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي
وأخبرني بأن العلم نور ونور الله لا يُهدى لعاصي
3- الحفظ من مصحف واحد:
لما كانت الآلة العقلية هي الوسيلة في الحفظ، فعلى الحافظ مراعاة طبيعته البشرية التي تتمادى بالتعود والتخزين بالذاكرة وعليه، فإن الحفظ من مصحف واحد أحرى في الاستذكار وأقوى في استدعاء النصوص وتخزين المحفوظ وسرعة استجلاب ما غاب منها.
4- اختيار الوقت والمكان المناسبين:
إن الوقت المناسب للحفظ هو ذلك الذي يتفرغ فيه العبد من أثقال أشغاله الأخرى للإقبال على القرآن بالكلية، وهو الذي يعلم فيه العبد أنه مشغول بالقرآن لا منصرف إلى غيره ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، كما عليه أيضاً أن يتحرى أوقات القبول وساعات الرضا خلف كل طاعة أو قربة.
5- الحفظ اليومي وعدم الانقطاع:
استمرار الحفظ مع مراعاة عدم الانقطاع واطراد العمل عليه يومياً يؤدي إلى أن يصبح الحفظ روتيناً في حياة الإنسان وعادة جبلية فيه، فيكون منزعجاً إذا لم يحفظ اليوم، وهو تحقيق قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به».
6- السماع لشيخ مجوّد:
السماع هو بوابة اللسان والقرآن وصل إلينا تواتراً منقولاً عن منقول عن منقول؛ لذا فيجب أن يؤخذ من شيخ مجوّد مجاز خبير بأحكامه ووقفاته وسكناته وحركاته وفقه نزوله، وغيره من علوم القرآن الكريم، وهي نسبية في مقدارها عند الناس، لكن ما لا يتم السماح بتجاوزه أحكام التجويد وتقويم اللسان فلا ينصرف معنى منها إلى آخر.
7- التكرار وربط الآيات:
وهنا فائدة عظيمة، فالعلم بالتعلم، والحلم بالتحلم، وتكرار القراءة يؤول إلى متانة الحفظ، كما أنه اعتاد الحافظين ومعلمي الناس الخير ربط الآيات ببعضها ذهنياً حتى تكون أسرع في الاستدعاء بمجرد الانتهاء من الآية يتم استدعاء الآية التي تليها تلقائياً دون بذل جهد يذكر.
8- المراجعة المستمرة والتسميع غيباً:
ثم إن ضبط هذا كله والحفاظ على ما بذل فيه من مجهود لا يتم إلا بالمراجعة المستمرة وتثبيت الحفظ والربط عليه قلباً بالتدبر والتسميع غيباً والعمل بمقتضاه متى تعرض لأحكامه عملياً.