عبده دسوقي
تمتلئ الحياة بمنعطفات كثيرة وطرق لا حصر لها لن تواتينا الفرصة أن نعبرها جميعها، لكن على الأقل أن نترك بصمة حميدة في كل طريق نمر به يتذكرنا به الناس بعد رحيلنا، وفي مثل هذا الشهر (مايو) رحل كثير من المصلحين الذين تركوا عظيم الأثر في التاريخ.
أحمد القطان.. الداعية الحي
ولد أحمد بن عبدالعزيز بن أحمد بن إبراهيم بن صقر بن فواز القطان التميمي في منطقة المرقاب بالكويت، يوم الجمعة 12 المحرم 1366هـ/ 6 ديسمبر 1946م، ليبدأ حياته من الكتاتيب التي كانت منتشرة في تلك الأيام قبل أن ينتقل إلى التعليم الابتدائي مستمراً فيه حتى حصل على دبلوم المعلمين من معهد المعلمين عام 1969م.
تأثر القطان، في بداية حياته، بالفكر الشيوعي الذي غزا المنطقة العربية بذلك الوقت في سبيل مجابهة الظلم الاجتماعي الذي كان منتشراً، والذي اهتم به بالقطان كونه خطيباً مفوهاً ومتحدثاً لبقاً وشاعراً، قبل أن يتعرف على حقيقة الشيوعية وما تحمله من عداء لكل دين، فيحتضنه علماء ومصلحون وضحوا له وسطية وعدل الإسلام؛ أمثال الشيخ حسن أيوب، والشيخ حسن طنون، والشيخ جاسم مهلهل الياسين، وغيرهم من علماء الإخوان الذين تواجدوا على أرض الخليج.
عمل الشيخ مدرساً للمواد العامة الأدبية لعدة سنوات، ثم وكيلاً للمدرسة حتى عام 1996م، ثم تقاعد وتفرغ تفرغاً كاملاً للعمل الدعوي والخطابة.
استثمر ما وهبه الله تعالى من نعمة اللباقة وقوة الحجة في الدفاع عن الإسلام وإظهار وسطيته قولاً وعملاً بين الناس، وكانت بداية مسيرته من مسجد الصبيح، ثم مع شباب جمعية الإصلاح الاجتماعي.
كرس حياته للقضايا الإسلامية وتربيته الأجيال المسلمة حتى اختير كأفضل أستاذ للجيل المسلم في جائزة «أستاذ الجيل» والمقدمة من ملك البحرين في عام 2009م.
كما هب لنصرة بلاده حينما غزتها العراق، فعمل على توحيد الصفوف وطمأنة القلوب، وكسب تأييد الشعوب عبر السفر إلى البلدان العربية والعالمية وشرح القضية الكويتية.
ومع ذلك كله لم ينس أبداً فلسطين وقضيتها؛ فأسس «منبر الدفاع عن الأقصى» وأعلن عنه عام 1979م في مسجد منطقة الدوحة في الكويت، حتى كانت آخر كلماته في ديوان جمعية الإصلاح الاجتماعي: «لا صلح لا تقسيم لا تفريط في أرض الجدود.. كل السيوف تكسرت لم يبق إلا ابن الوليد.. طوبى لمن طلب الشهادة في مقارعة اليهود».
استمر الشيخ بين الدعوة والعمل الخيري الذي وجده باباً عظيماً لنشر الإسلام؛ فاهتم به كما اهتم بالشباب والعمل على حسن تربيتهم، ومع كل هذا الجهد أثرى المكتبة الإسلامية بالعديد من مؤلفاته.
ظل الشيخ منافحاً عن إسلامه حتى أصيب بوعكة صحية دخل على إثرها المستشفى ليقضي به فترة حتى فاضت روحه لبارئها في 23 مايو 2022م، عن عمر ناهز 76 عاماً، ودفن في مقبرة الصليبيخات وسط حشود رسمية وشعبية(1).
فتحي الخولي.. ومشاريع الخير
ولد فتحي أحمد حسن الخولي في قرية برشوم الكبرى التابعة لمركز طوخ بمحافظة القليوبية بمصر، في 13 المحرم 1341هـ/ 4 سبتمبر 1922م.
حصل على التعليم الأوليّ حتى تخرج في كلية دار العلوم بمصر عام 1949م، ولعشقه للعلم التحق بمعهد التربية بجامعة عين شمس بالقاهرة حتى تخرج فيه، وعمل مدرساً للغة العربية بمدارس مصر وليبيا وسورية، ثم انتقل إلى الرياض بالسعودية عام 1957م للعمل مدرس بمعهد المعلمين، ثم اختير من قبل وزارة المعارف عام 1963م لتدريس اللغة العربية وفروعها بكليتي التربية والشريعة بمكة المكرمة، واختير أميناً للتوعية الإسلامية بجدة ومشرفاً على بعض مدارس تحفيظ القرآن فيها، وكرمته إمارة منطقة مكة بدرع التعليم كأول مدير للمعلمين بجدة.
وبعد أن أحيل إلى التقاعد تفرغ لإدارة مدارسه الخاصة بجدة (مدارس التيسير) التي أنشأها عام 1968م.
وفي مسقط رأسه بمصر، قام بإنشاء 3 معاهد أزهرية (ابتدائي، إعدادي، ثانوي) على أرضه وعلى نفقته الخاصة، كما أنشأ 3 معاهد أخرى نموذجية بنين وبنات لجميع المراحل.
وتبرع بجميع الأملاك والعقارات والأموال والأراضي الزراعية وما عليها رسمياً لأعمال الخير، ووضع مبلغاً من المال بالبنك، ووديعة؛ لسداد المصروفات عن الطلبة الفقراء العاجزين في المعاهد أو في دور تحفيظ القرآن الكريم عن السداد، كما أنشأ وحدة صحية كبيرة تبرع بأرضها للمحافظة.
تعرف إلى دعوة الإخوان المسلمين في فترة الثانوية الأزهرية، وارتبط بهم أثناء دراسته في دار العلوم، وتعرف إلى الشيخ حسن، وحينما وقع الصدام بين الإخوان وعبدالناصر عام 1954م فرَّ إلى ليبيا، فأصدر عبد الناصر قراراً بسحب الجنسية المصرية منه مع ثلة من قيادات الجماعة.
ظل مطارداً متنقلاً من ليبيا إلى ميلانو ثم سورية ولبنان ثم قطر حتى استقر به المقام في السعودية، وقد اهتم بالفكر التربوي والنهوض به من خلال المدارس، ومع ذلك تعرض لمحنة أخرى حينما اتهمه نظام مبارك في قضية «العرض العسكري» عام 2006م، وحكم عليه عسكرياً بـ10 سنوات غيابياً.
ظل عاملاً لدينه، مصلحاً في تربية الشباب حتى توفاه الله صباح السبت 17 جمادى الأولى 1431هـ/ 1 مايو 2010م، وأقيمت صلاة الجنازة في المسجد الحرام قبل أن يتم دفنه في أراضي مكة(2).
عبدالرحمن الباني.. بين الجهاد والدعوة
ولد عبدالرحمن بن محمد توفيق بن عبدالرحمن بن إبراهيم الباني في حي الدقَّاقين بدمشق قرب الجامع الأموي في شعبان 1335هـ/ يونيو 1917م، في أسرة دمشقية عريقة مشهورة بالعلم والفضل والتواضع وحسن الخلق يعود نسبها لآل البيت رضوان الله عليهم.
مات والده وهو ابن 3 سنوات؛ فتولى رعايته شقيقه الأكبر غير الشقيق وأحسن تربيته وتعليمه، فالتحق بالمدرسة الجوهرية السفرجلانية في دمشق، ثم معهد المعلمين وحصل على شهادة أهلية التعليم عام 1943م، وتخرج في دار المعلمين قبل أن تبتعثه وزارة المعارف السورية إلى مصر للدراسة في كلية أصول الدين بالأزهر، فقضى في القاهرة 7 سنين حصل خلالها على الشهادة العالية عام 1945م، وشهادة العالِمية مع الإجازة في الدعوة والإرشاد من الأزهر عام 1947م، وشهادة الليسانس في الفلسفة من كلية الآداب بجامعة فؤاد الأول (القاهرة حالياً) 1950م، وإجازة التدريس من المعهد العالي للمعلمين في القاهرة عام 1951م، وبعد عودته عمل في التدريس، ومدرساً بكليتي الشريعة والتربية بجامعة دمشق، ثم عين مفتشاً اختصاصياً لمادة التربية الإسلامية، وأشرف على وضع المناهج التعليمية.
تعرف إلى الشيخ حسن البنا ودعوة الإخوان في هذه الفترة وأصبح أحد أفرادها، ولازم البنا فترة إقامته في مصر، واعتقل ضمن محنة الإخوان الأولى عام 1949م وظل في سجن الطور عاماً كاملاً، واعتقل عام 1965م بسبب مهاجمته فساد التعليم في ظل حكم البعث، وبعد خروجه عُزل من التفتيش، ومُنع من التدريس في المدارس الحكومية.
سافر للسعودية، وأسهم في تأسيس مدارس تحفيظ القرآن الكريم بالمملكة، وكان عضواً في لجنة قبول الطلاب لمرحلة الماجستير، واختير عضواً في العديد من اللجان التعليمية، وأثرى المكتبة الإسلامية، وظل كذلك حتى توفاه الله يوم 9 جُمادى الآخرة 1432هـ/ 12 مايو 2011م، ودفن بالرياض(3).
_____________________________________________________________
(1) «منبر الدفاع عن الأقصى» يفقد خطيبه الشيخ أحمد القطان، مجلة «المجتمع»، 4 يونيو 2022م.
(2) حديث الشيخ فتحي الخولي لبرنامج «واجعلنا للمتقين إماماً»، تقديم محمد السيد، عرض على «يوتيوب»، 15 مايو 2012م.
(3) أيمن بن أحمد ذو الغنى: سـيرة موجزة للعلامة المربي عبدالرحمن الباني، 13 مايو 2011م.