يروى أن أحد الشعراء ذهب إلى شيخ مقرئ مجاز ليقرأ عليه ختمة إجازة، ولم يكن شاعرنا متمكناً من أحكام التجويد، فلما شرع في القراءة استوقفه الشيخ مرات عدة في الاستعاذة والبسملة، فأنشد يقول:
أردت أن أقرأ آي الله دون هلهلة..
مجوداً أقرؤها محفوظة مرتلة..
فقلت: يا أستاذ علّمني فلي فيها وله..
قال: تعوّذ..
قلت: أ.. قال: فهمّز أوّلاً!
قلت: أَعُو..
قال: أظهر العَيْن وخلّ العلعلة!
قلت: أَعوذ..
قال: ما للذال تبدو ذابلة؟!
قلت: أَعُوذ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطان..
قال: مشكلة!
أين حقوق الطاااء؟ والطاء ألا ما أثقله!
سكنتَ نونا شُدِّدَت! شَدّدتَ ميما مُهمَلة!
وصلْتَ وقفاً لازماً تَركتَ في الوصل الصِّلة
فخَّمتَ راءً رُقِّقت.. رققتَ راءً مُثقلة!
ما عدتُ أدري ما الذي أقرؤه من البله!
فكل حرف خطأ.. وكل وصف معضلة!
قد كِدتُ أبغي مصحفاً يجيزنيه هرولة!
لكنني وبعد أن لاقيت هاذي الزلزلة!
سأحمد الله إذا أجازني في البسملة
وهذه القصة على طرافتها، إلا أنها تحمل فائدتين عظيمتين؛ الأولى أن الشعراء والأدباء ليسوا بالضرورة أن يكونوا ملمين بكل صنوف العربية، فالشعر موسيقى، والأدب خيال، أما اللغة والقرآن وعلوم الشريعة فلها دروب ووديان لا يصل إليها كل أحد.
والفائدة الثانية أنه يجب على معلم القرآن أن يكون لبيباً، فلا يتبع منهجاً واحداً مع كل أحد، وإنما يستخدم الشدة عند المتساهلين ممن لا يقدرون قيمة الوقت أو الجهد في الحفظ والمدارسة، كما يستخدم اللين عند من يلزم نفسه العزيمة.