بمجرد أن أعلنت مدرسة قادة وأوائل الابتدائية في غزة خبر التجهيزات لإعداد رحلة مدرسية؛ حتى أخذ الأطفال بالقفز فرحاً والاستعداد لهذا اليوم الجميل وفقراته الشيقة، خاصة أنها تسبق الامتحانات النهائية للعام الدراسي.
وكانت كل طفلة في المدرسة تتحدث مع زميلاتها عن الأشياء الجميلة التي رسمتها في مخيلتها البريئة عن الرحلة، والحلوى التي ستضعها في حقيبتها وتتشارك مع زميلاتها في تناولها.
وكل يوم يقترب موعد الرحلة الذي كان من المقرر الخميس يزداد الأطفال فرحاً، فكانت بالنسبة لهم ليلتها أشبه ما تكون بليلة عيد؛ حيث حضرت الطفلة ميار طارق عز الدين وشقيقها عليّ ملابسهما الجميلة استعداداً للرحلة.
وكانت تذكر والدتها بالحلويات والطعام الذي سوف تتشارك به مع صديقاتها في الفصل الدراسي.
وأما شقيقها عليّ فكانت سعادته لا توصف، فهو سيخرج في رحلة مدرسية جميلة مع صديقه المقرب له جمال، نجل الشهيد أسامة الزبدة، فهما يتجاوران في المدرسة، ومقعد الدراسة كذلك.
كانا يعدان الدقائق بشوق كبير لشروق الشمس وانتظار مرور ساعات قليلة للانطلاق إلى مسير رحلة المدرسة.
اغتيال طفولة بريئة
هذه الساعات كانت طويلة جداً وثقيلة على أفئدة أهل غزة، فقد فُجعت قلوبهم باستشهاد ميار، وعليّ، وعائلتهما، فقد شهدت أجسادهم قصفاً عنيفاً من قبل طائرات الاحتلال «الإسرائيلي» الغادرة التي اغتالت براءة طفولتهما مع عائلتهما في مدينة غزة؛ ليتناثر الدم على حقيبتيهما اللتين حملتا الحلوى والمأكولات اللذيذة التي يُحبانها.
كانت ملامح الحزن واضحة، والقلوب معتصرة بالألم لزملاء وأصدقاء عليّ، وميار، فمن الصعب أن يداوي جراح أفئدتهم الصغيرة إلا الله تعالى.
فكيف لهم أن يعودوا إلى مقاعدهم الدراسية بعد أن خيم الحزن عليهم، وبعد أن كانت تتعالى فيها ضحكات ميار، وعليّ؟!
كيف لها أن تعود تلك الضحكات، وهم يرون زملاءهم ميرال، ويزن، ويامن، قد استشهد والدهم الطبيب جمال خصوان، ووالدتهم الطبيبة مرفت، وشقيقهم في السنة الرابعة من دراسة كلية الطب يوسف؟!
أطفال غزة بنك الأهداف
كان من الصعب جداً على يسري العكلوك، زوجة الشهيد أسامة الزبدة، أن تخبر نجلها جمالاً ذات الأعوام الصغيرة بأن صديقه المقرب والمحبوب له جداً ورفيقه في صلوات الجمعة عليّ قد استشهد كما استشهد والده أسامة وجده جمال الزبدة.
فمن الصعب جداً أن يتحمل هذا الطفل الصغير سماع خبر استشهاد عليّ، وميار!
كيف لها أن تخبره وهي ما زالت تداوي جراح جمال بعد استشهاد والده وجده؟!
فهي تحاول أن تخفي عليه الخبر المفجع، لكنها مهما أخفته لا بد أن تظهر ملامحه المُحزنة.
فماذا ستقول له حينما تنقطع اتصالاته، وحينما لا يرافقه في صلاة الجمعة، وحينما يعود لمدرسته ويرى بجواره صورة عليّ وإكليل الورد الذي يحيط به وقد سبق اسمه الشهيد؟!
كيف ستخبره أن الاحتلال ينظر إلى كل شيء فلسطيني فهو مستهدف؟ كيف ستخبره بأن صواريخه لا تشفق على أجساد الأطفال؟!
أجساد الأطفال الصغيرة في غزة لم تشفع لهم أمام صواريخ الاحتلال الفتاكة التي صنفت أمام العالم بأنها أسلحة محرمة دولياً، أن تمزق طفولتهم وتغتال أحلامهم البريئة، فلم تشفع لهم حقيبتهم الصغيرة، والحلوى التي أعدوها لرحلتهم الشيقة التي طال انتظارها مع زملائهم في المدرسة.
وفي كل تصعيد لا بد أن يكون الأطفال جزءاً كبيراً من حكاية الشهادة، فهم في نظر الاحتلال بنك الأهداف.