تكشف الأحداث يوماً بيوم لكل متأمل شباك التآمر التي تلقى في العالم الإسلامي، ويتاح بين الفينة والفينة أن ينكشف الغطاء عن طرف قصة من هنا وأخرى من هناك.
فاسم «إيلي كوهين» عميل المخابرات «الإسرائيلية» الذي اكتشف فيما بعد الدور الكبير الذي قام به تحت اسم أمين ثابت في إحدى الدول الشقيقة، وما كان ينتقل إليه من أسرار الدولة بحكم الوضع الذي بلغه، ومن خلال مجالس السُّكْر والعربدة التي كانت بالنسبة إليه فرصة مذهلة لالتقاط الأسرار من الأفواه المخمورة.
– و«أنور بك أفرام» صاحب قصة الطائرات التي احترقت عند الفجر، في دولة شقيقة عربية أخرى، وأخيراً جداً قصة «محمد أحمد رباح» الذي قيل في قصته: إنه يهودي من مواليد «إسرائيل»، وإن الاستخبارات «الإسرائيلية» المتعاونة مع المخابرات الاستعمارية أوفدته إلى المغرب في أوائل الستينيات حيث عمل في حقل التدريس وتزوج هناك من مغربية ثم انتسب إلى أحد الأحزاب العربية.
هذه مقدمة وصفية سريعة لا بد منها؛ لأنها تثبت أن قوى المخابرات الاستعمارية والصهيونية استطاعت أن تدفع للتسلط عدداً من عملائها يأتمرون بأمرها.
إن هذه القوى الاستعمارية نفسها هي التي سهرت على تمزيق العالم الإسلامي تمهيداً لابتلاعه.
ولقد كان من المستحيل حدوث هذا التمزيق دون توجيه السهام المسمومة إلى قلب الدفاع في العالم الإسلامي.
ولم يكن هذا القلب سوى حقيقة الروح الإسلامية المتجسدة في الحركات والجماعات والاتجاهات الإسلامية عبر تاريخه كله.
لقد عمدت هذه القوى القائمة إلى إنشاء تكتلات وأحزاب وبعثت النعرات، وعددتها، وجمَّلتها بحيث تأتمر بأمرها.
تستهدف في ظاهرها خدمة الشعوب، وتبطن في أعماقها عذاب الفرقة والتحلل في العالم الإسلامي، ومحاربة الحركات الإسلامية في أساسها.
ولذا، فإننا نرى في واقعنا دعوات قومية وعنصرية ويسارية، يربطها جميعاً وحدة المحارب ضد الإسلام؛ شريعة ونظاماً ووطناً.
ويربطها من جانب آخر علاقات الموالاة مع الاستعمار المتمثل في «إسرائيل» على درجات.
- منها من يدعو «للتهادن».
- ومنها ما يبرر الواقع الذي نشأ من بعد عام 1948م.
- ومنها ما يدعو جهراً للتصالح.
هل كان من الممكن لـ «إسرائيل» اختراق العالم العربي والإسلامي في موضع القلب لا الأطراف لولا ضرب الحركات الإسلامية الذي جاء مواكباً لكل هجوم «إسرائيلي» على عالمنا الإسلامي؟ ألا يشهد بهذا «الترابط المفضوح» في توقيته بين ضرب الحركة الإسلامية والاعتداءات «الإسرائيلية»؟
وإذا كانت «الجماهير الإسلامية» «والنخبة الإسلامية المسلمة» عبر حدودنا المصطنعة استطاعا أن يتوصلا لمكمن الداء فأجابا عن السؤال العتيق:
لماذا هُزمنا؟
فقد كان لا بد إذن أن تلجأ الأوضاع التآمرية إلى المزيد من القمع والتآمر ضد الاتجاهات الإسلامية التي تمثل بصلابة عقيدتها ومقدرتها على حشد الجماهير للتضحية وتكون سور الدفاع الإسلامي في مواجهة «إسرائيل».
ودخل الاتجاه الإسلامي إلى السجون والمعتقلات، ونصبت المشانق على عجل لهؤلاء، في الوقت الذي تراخت فيه أن تلتف حول أعناق الذين سلموا مناطق عزيزة من أرضنا الإسلامية إلى العدو اليهودي.
هل رأينا، إذن، كيف يتم حماية الوجود «الإسرائيلي» من داخل صفوفه بضرب الروح الإسلامية المتوثبة للدفاع.
إن تكتل الخصوم الحاقدين (الصليبية والشيوعية واليهودية العالمية والاستعمار) يستنهض من باب أولى تكتل العالم الإسلامي، تكتلاً يكمن جوهره في الحركات الإسلامية التي تمهد للوحدة الإسلامية شعوباً وحكومات مخلصة في وجه زحف عالمي يستهدف العالم الإسلامي بأسره.
__________________________________________________
العدد (39) عام 1970م، ص6.