لم يسلم الزواج من النكات الساخرة من قيمته وجدواه، وتصويره باباً للهم والنكد والتعاسة، حتى صار مثار تندر على مواقع التواصل، ووسائل الإعلام، وفي المجالس الخاصة والعامة، وبين عموم الرجال والنساء.
قد يبدأ الأمر بطرفة أو مزحة، وقد يكون المراد ابتسامة وضحكات، لكن تعدد النكات، وتناقلها على نطاق واسع، وتضمينها إساءات مهينة، ربما يثير الظن، وليس كل الظن إثم، في أن هناك نوايا للنيل من هذا الرباط المقدس، والحط من شأنه، تارة بالسخرية منه، وتارة بالتحريض عليه، وتارة بإظهار مساوئه.
نظرة على عينة من نكات السخرية، تفصح عن كم كبير من المضامين السلبية التي يجري الترويج لها، في أحيان كثيرة، دون قصد، وعن نوايا حسنة للمزاح والضحك، دون يقظة وتنبه لمعان هدامة تتسلل عبر قالب كوميدي للحط من ميثاق وصفه الله تعالى في محكم كتابه بـ(مِّيثَاقاً غَلِيظاً) (النساء: 21).
من تلك النكات المتداولة بين العامة: «واحدة دائماً بتنكد على جوزها ليل نهار، اتفقوا يخلوا يوم نكد ويوم فرح، فكانت مراته يوم الفرح تتحزم وترقص وتغني له.. بكرة النكد بكرة»! «قال رجل لزوجته: إذا مت فتزوجي جارنا، قالت له لماذا؟ فأجاب: قد باع لي سيارة وغشني فيها وسأغشه فيك»! «ولد يسأل أبوه: هل الحب أعمى؟ رد عليه: شوف أمك وأنت تعرف»!
إضافة إلى النكات، هناك التندر بين الرجال حول تسمية الزوجة على سجلات الهاتف، فتجد من يسميها: «الجماعة، الزنانة، الطحانة، الرغاية، الحكومة، الشرطة، القلق، الله يستر، جوانتانامو»! متناسياً أوصاف الحب التي كان يطلقها على رفيقة حياته خلال فترة الخطوبة، مثل: «قلبي، روحي، حياتي، حبيبتي، عيوني»، وغيرها من عبارات الرومانسية التي تلاشت شيئاً فشيئاً.
كذلك أدت الأمثال الشعبية دوراً سلبياً في الحط والتقليل من قيمة وشأن الزواج، وصار المثل عرفاً وحاكماً في بعض المجتمعات العربية، دون النظر إلى ما يتضمنه من إساءة وتنمر، أو ذم لعلاقة اجتماعية سامية، أو مخالفة لصريح الكتاب والسُّنة.
من تلك الأمثال: «زواج الأقارب جلاب للمصائب، الأقارب عقارب، يا آخذه القرد على ماله يذهب المال ويبقى القرد على حاله، يا من تأمن الرجال كمن تأمن على الماء في الغربال، الزواج أوله عسل ووسطه کسل وآخره بصل، اطبخي يا جارية.. كلف يا سيدي، اذبحي له القطة من أول يوم، ابنك على ما تربيه.. وزوجك على ما تعوديه، يغلبك بالمال تغلبيه بالعيال، الحما عمى ولو كانت نجمة من السما»! وهي أمثال تحمل في مجملها مضامين سلبية وهدامة.
الخطير هو توارث هذه النكات والأمثال، وتناقلها من جيل إلى جيل، ومن شعب إلى شعب، الأمر الذي يحمل معه مشاعر سلبية إزاء الزواج تتسلل إلى الشباب والفتيات، وتؤثر على نظرتهم لرباط مقدس له مكانته العظيمة في الإسلام، وله ضرورة اجتماعية وأخلاقية، وله احتياج جنسي ونفسي وعاطفي.
تزداد خطورة الأمر مع تحول النكتة إلى ثقافة عامة تستشري في المجتمعات، فيقال مثلاً: إن الزواج «شر لا بد منه»، وتصير العبارة الشاذة وكأنها بديهية من البديهيات، ومسلَّمة من المسلَّمات، ليست في حاجة إلى برهان أو إثبات، رغم انطوائها على مغالطات فجة تصف علاقة المودة والرحمة والسكن بـ«الشر».
ومع التسارع الهائل في وسائل الاتصال والتواصل، صارت النكتة عابرة للحدود، وباتت المضامين تسافر من مجتمع إلى آخر عبر ضغطة زر، فصرنا نرى من تحتفل بطلاقها، ومن تمدح عنوستها، ومن تنغمس في الحرام بدعوى الهروب من قيود الزوجية، ومن تلعن الرجال ليل نهار، ومن ترفع شعار «الست مش ملزمة» للتهرب من مسؤولياتها كزوجة وأم وراعية في بيت زوجها.
إن الأمر يتجاوز المزاح، عندما نُظهر الزواج على أنه مقبرة للحب، وكهف مظلم، ووعاء للحزن والتعاسة، وطريق للهم والكرب، وسحابة سوداء، وشر لا بد منه، وأن الزوج «بعبع» و«سي السيد»، وأن الزوجة «فقرية»، و«نكدية»؛ أي تجلب الفقر والنكد.
إن من هدي الإسلام في ذكر النكات التزام الضوابط والتقيد بها، ومنها ألا تشتمل النكتة على تحقير إنسان آخر، وألا تكون سخرية واستهزاء من إنسان، وألا تكون كذباً ليضحك القوم، وألا تكون منافية لما تقبله الفطرة السليمة.
وقد يأثم المرء حينما يطنطن بالنكتة وهو لا يدري معناها ومقصدها، وقد روجت لمنكر، أو منعت معروفاً، أو قللت من شأن إنسان، أو نالت من سُنة النبي صلى الله عليه وسلم، الذي قال عن الزواج: «إذا تزوج العبد، فقد استكمل نصف الدين، فليتق الله في النصف الباقي»، وقوله لصحابته: «أما والله إني لأخشاكم لله، وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني».
إن من الحيطة والكياسة التنبه لخطورة الأمر، عندما يجري تسويق وتداول النكات المسيئة، وهي تشوّه تدبيراً ربانياً، وآية كونية، ونعمة إلهية، وميثاقاً غليظاً، وتقف حاجزاً ومانعاً ضد فطرة إنسانية فطر الله الناس عليها، وسُنة نبوية، وحاجة صحية، وضرورة اجتماعية، ومقاصد شريفة، ومصالح عظيمة.