تستهدف الحركة النسوية العالمية بما تحمله من أفكار ظاهرها حرية واستقلال المرأة، الحياة الزوجية واستقرار الأسرة، بشكل سرطاني يهاجم الخلايا المتماسكة، ويحولها إلى «حلبة مصارعة» بين الرجال والنساء.
أفكار عدة يجري تمريرها في قوالب مختلفة، كمن يضع السم في العسل؛ لإكسابها زخماً وقبولاً من المخدوعين والمفتونين بالتغريب، ثم يكون الحصاد مراً وعلقماً.
«المجتمع» تفتح دائرة النقاش حول حقيقة النسوية، وأجندتها، وجذورها وأفكارها وأخطارها، والنتائج المترتبة على استشراء هذا السرطان في وسائل الإعلام ومحاضن المثقفين.
في البداية، يوضح د. محمد حسن غانم، رئيس قسم علم النفس بجامعة حلوان، أن الدافع الأول للفكر النسوي الغربي ما تعرضت المرأة الغربية من قهر نفسي واضطهاد باسم الدين، في مختلف العصور، حتى إن بعض الفلاسفة والمفكرين الغربيين نظروا إليها على أنها «شيطانة» لا حقوق لها من رأي أو ميراث أو كرامة، بل إن مهمتها في الحياة إمتاع الرجل وإنجاب الأولاد، والطاعة العمياء الأقرب للعبودية.
أفكار عدة يجري تمريرها في قوالب مختلفة لضرب تماسك الأسرة
ويضيف أن المنظمات النسوية المعاصرة تحاول إعادة عجلة التاريخ؛ لأن الدراسات الأنثروبولجية تؤكد أن «المجتمعات الأمومية» هي الأقدم ظهوراً في تاريخ البشرية، وأهمها كتاب «حق الأم» لعالم الاجتماع والمؤرخ السويسري يوهان ياكوب، حاول خلاله إثبات أن المجتمعات البشرية كانت «نسائية أمومية»، وأن الأنثى هي الأصل قبل أن يقوم الرجال بانقلاب ذكوري اغتصب سلطة الإناث على المجتمع مستغلين قوتهم العضلية.
ولهذا –والكلام على لسانه- لا بد للإناث من استرداد حقهن المسلوب بكل لوسائل؛ لأن هذا يتماشى بشكل أفضل مع طبيعة الكون والأرض؛ لأنها مصدر الخصوبة والإنتاج والحياة، وقد ظلمتها الأديان والحضارات القديمة كالبابلية والفارسية والآشورية وغيرها، حيث سلبتها حقوقها وجعلتها عديمة الأهلية.
معاداة الأديان
ويؤكد د. محمد عبدالدايم، وكيل الدعوة الإسلامية بالقاهرة- جامعة الأزهر، أنه على الرغم من عدم الاتفاق على تعريف جامع مانع لمصطلح «النسوية»، فإن المهتمين بالقضية أجمعوا على أن أبسط تعريف له الإيمان بالمساواة التامة بين الرجال والنساء بصرف النظر عن تعاليم الأديان أو الأعراف الاجتماعية التي يجب تصحيحها لتعود المرأة إلى قيادة المجتمعات الإنسانية مثلما كانت الحال في العصر الأمومي.
نفوذ الحركات النسوية امتد إلى المنظمات الدولية بما فيها الأمم المتحدة
ويتابع: اختلفت الآراء حول بداية النسوية؛ حيث أرجع البعض بدايتها إلى «ليليث»، زوجة آدم الأولى، حسب الأساطير والمعتقدات اليهودية، وأرجعها آخرون إلى زوجة نوح، ولوط، عليهما السلام؛ لأنهما رفضتا دعوتهما إلى الله، التي ترفض المساواة التامة بين الجنسين، وأرجعها آخرون إلى القرن الثامن عشر حينما هاجمت الكاتبة والفيلسوفة البريطانية ماري ولستونكرافت، إحدى مؤسسات النسوية، المصلحَ الاجتماعي الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو لاقتراحه نظاماً تعليمياً أدنى للمرأة، وكتبت رسالة عنوانها «دفاع عن حقوق المرأة»، إلا أن النسوية تجسدت بشكل أكبر خلال القرن العشرين وخاصة حين نشرت النسوية الفرنسية سيمون دي بوفوار كتابها «الجنس الآخر» التي أعلنت أن «الأنوثة» جوهر الحياة البشرية، ولا بد من التمرد على سلطة الرجال والتركيب البيولوجي.
ويرى عبدالدايم أن نفوذ المنظمات النسوية امتد إلى المنظمات الدولية بما فيها الأمم المتحدة، ومراكز اتخاذ القرار في الدول الكبرى، وحدث ذلك من خلال أربع موجات بدأت منذ بداية القرن الماضي حتى الآن، وتجسدت بشكل أكبر في المؤتمرات الدولية للسكان والتنمية، ومؤتمرات بكين للمرأة، التي انبثقت عن اتفاقيات مخالفة لتعاليم الأديان وأعراف وتقاليد كثير من الدول.
دور يهودي وراء تنامي الحركة النسوية بهدف التمرد على الأديان
ألاعيب اليهود
من جانبه، يكشف د. وليد علي، أستاذ اللغة العبرية والفكر اليهودي بجامعة المنوفية، ألاعيب اليهود في الحركة النسوية الحديثة من خلال الأساطير والأكاذيب اليهودية، التي تؤدي إلى التمرد على تعاليم الأديان في طاعة الله، والحذر من الشيطان، متخذة من المرأة سلاحاً في ذلك.
ويشير د. علي إلى الأساطير اليهودية التي تعود إلى القرن الثامن الميلادي، حيث تم إحياء كتابات تفسيرية قديمة للنصوص التوراتية، فيما يطلق عليه بالعبرية «مدراشيم»، وتزعم الأسطورة أنه كانت هناك امرأة تسمى «ليليث» كانت أول زوجة لنبي الله آدم عليه السلام، وخلقها الله مع آدم من نفس التراب، ولهذا كانت تشعر أنها مثله تماماً ومساوية له في كل شيء، ولهذا رفضت تلبية رغبته للفراش الشرعي، وتمردت عليه وتركت له الجنة وذهبت إلى إبليس، واشتكاها آدم لربه، وتوسطت الملائكة لتعيدها لزوجها، فرفضت بقوة، وأخبرتهم أنها تزوجت إبليس، ومن يومها حتى يوم القيامة دورها غواية الرجال من البشر، وهي «أم الشياطين»، وخلق الله لآدم «حواء» كزوجة بديلة من ضلعه لتكون مطيعة له، وظلت «ليليث» عند الحاخامات رمزاً للشرور والشهوات والتمرد والمعصية والفجور وعدوة لذرية آدم وحواء، وتحاول إبعادهم عن الله أو إشعال الخلافات الأسرية والخيانة الزوجية.
ويكمل: حتى منتصف القرن الماضي، كانت «ليليث» شخصية سيئة السمعة، بل ومخيفة للبشر؛ لأن اليهود صوروها على أنها أصل كل الشرور، إلا أنه مع ازدهار الحركة النسوية المعاصرة في بداية النصف الثاني من القرن الماضي، تم قلب الموازين على يد عالمة اللاهوت اليهودية جوديث بلاسكو، حيث حاولت في محاضراتها ومقالاتها تقديم «ليليث» على أنها نموذج نسائي متمرد على السيطرة الذكورية للرجال، ولهذا يجب أن تحتذي بها كل نساء العصر باعتبارها قدوة لهن، فتم تأسيس مجلة باسم «ليليث»، وتحالفت الحركات النسوية التي تقودها يهوديات مع الحركات النسوية الغربية في الدعوة لتمرد المرأة على دورها التقليدي في الحياة كزوجة مطيعة للرجل، وطالب الجميع بتحرير وتمرد واستقلال كل النساء في كل المجتمعات الإنسانية ومن مختلف الفئات العمرية والمستويات الاجتماعية والاقتصادية.
الحركة النسوية دعمت الشذوذ الجنسي بتشريعات وشعارات براقة
وتزامن التفاف الجميع حول أسطورة «ليليث» مع كتاب صادر عن النسوية اليهودية لبيتي فريدان تحت عنوان «الغموض الأنثوي» في منتصف الستينيات من القرن الماضي، وبارك هذا التوجه الحاخام الأمريكي الشهير مناحيم ليفين الذي دعا النسويات اليهوديات وغير اليهوديات للاقتداء بليليث المتمردة والمستقلة المتحررة من أي سلطة، باعتبارها أول امرأة مستقلة في تاريخ البشرية.
سرطان عالمي
وتشير د. خديجة النبراوي، مؤلفة موسوعة «المرأة والحضارة»، وموسوعة «حقوق الإنسان في الإسلام» إلى أن الفكرة النسوية تبنتها المنظمات الأممية من خلال ترجمة هذه الفكرة إلى واقع عالمي من خلال عقد المؤتمرات العالمية والاتفاقيات الدولية للمرأة في مختلف قارات العالم لتحرير المرأة من أي سلطة ذكورية أو تشريعات دينية، بل والسعي لتغيير القوانين المحلية تحت مسميات خادعة لتكون مقبولة في المجتمعات مثل اتفاقية «السيداو» وأخواتها من الاتفاقيات والمؤتمرات الدولية بزعم إزالة كل أشكال التمييز ضد المرأة وتأسيس جمعيات ومراكز لها في مختلف دول العالم وبرعاية دولية أممية من الأمم المتحدة التي تبنت كل الأفكار النسوية المتطرفة ومنها حرية المرأة في جسدها وزاج المثليين وحق الإجهاض.
وتضيف أن هناك نقطة جوهرية في تاريخ الحركة النسوية الغربية المعاصرة بظهور منظمات تدعو صراحة وبقوة إلى تقنين الانحراف الجنسي والشذوذ تحت مسمى «المثلية الجنسية» (Homosexuality)، ولا دخل للأديان أو الأخلاق في ذلك، لأن كل إنسان حر في جسده ونوعه وهويته، بل وحرية تحويل نفسه للجنس، وتم تقنين شعارات وأعلام لهم تتمثل في «علم قوس قزح» بألوانه الستة كرمز للتنوع والتسامح، وأطلقوا عليه «علم الفخر»، وكذلك شعار «المثلث الوردي» الذي سبق أن استخدمه النازيون في مذابح الهولوكوست لتمييز الرجال الشواذ في معسكرات الاعتقال.
وأوضحت أنه للأسف حققت هذه المنظمات الشيطانية انتشاراً كبيراً لأفكارها، وتبنتها المنظمات الأممية، بل بعض الحكومات والفرق الرياضية العالمية، وما جرى في فعاليات كأس العالم في قطر، خير مثال حيث تحركت حكومات ووزراء ومنتخبات رياضية لدعم المثليين بزعم حرية الإنسان في جسده بعيداً عن أي تشريعات دينية أو قانونية، بل وأصبحت هذه الحركة المثلية لها وسائلها للدعاية والإعلام ولوبي ضغط في كثير من دول العالم، وهنا يبرز دور الدعاة ورجال الإعلام في فضح هذه المنظمات ذات الأفكار المدمرة.
خطط خبيثة
وتحذر د. منى كمال، أستاذ علم الاجتماع بكلية البنات- جامعة عين شمس، من تسلل المنظمات النسوية إلى عالمنا العربي والإسلامي بشكل مباشر أو غير مباشر تحت راية المنظمات النسوية الأممية أو حليفتها من المنظمات الممولة من جهات وأفراد تدعو إلى سيطرة النساء على العالم.
وأوضحت أن مثل هذه المنظمات المشبوهة تضع خططاً خبيثة تستطيع من خلالها اختراق الدول سواء كانت غنية أو فقيرة، حسب قوة التيارات المؤيدة وكذلك المعارضة لها في كل دولة، وتعمل على توفير فرص عمل وتنظيم حفلات تعارف وترفيه بين الراغبين والراغبات للانضمام إليها، وللأسف تكتسب أرضاً متزايدة في بلادنا العربية والإسلامية، وأصبحت للمنظمات النسوية أصوات مسموعة تحت مسميات خادعة مثل تحرير واستقلال المرأة والنهوض بها.