تمثل القضية الفلسطينية بالنسبة للكويتيين، القضية الأم والمصيرية، ولم تمنع كل المتغيرات التي يعيشها العالم من ثبات القناعات لدى دولة الكويت حكومة وشعباً تجاه فلسطين وأراضيها المحتلة، وعلى مدار سنوات طويلة عملت الكويت على رفض كل ما يضر بالقضية الفلسطينية، كما استثمرت عضويتها في مجلس الأمن لممارسة دور في إبراز آخر تطورات القضية الفلسطينية داخل الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن، كما قامت الكويت بتحركات عدة على الصعيد الدولي لتأييد القضية الفلسطينية، في مسار مغاير لتوجهات بعض الدول، التي وقعت اتفاقاً مع الكيان الصهيوني وضغطت على القيادة الفلسطينية من أجل تمرير “صفقة القرن” وطي ملف القضية الفلسطينية، في ظل وجود توافق أمريكي “إسرائيلي” على هذا الأمر، وأجمعت فعاليات سياسية كويتية على أن تلك الصفقة “ليست سوى محاولة جديدة لتصفية القضية الفلسطينية التي تشكل قضية مركزية في السياسة الكويتية”.
وخلال سنوات مضت برزت المواقف الكويتية الشعبية الرافضة للمؤامرات الهادفة للنيل من القضية الفلسطينية، والتي كان آخرها “صفقة القرن” التي أعلن عنها في يناير الماضي، وشكلت كلمة “المؤامرة” الوصف الأدق الذي أطلقته فعاليات ومنظمات سياسية كويتية، إضافة إلى جمهور مواطنين، على ما أطلق عليه “صفقة القرن”.
وامتداداً لهذا الجهد الكويتي المبارك؛ فقد تبنت مجلة “المجتمع” ومنذ نشأتها بيان عدالة قضية فلسطين للعالم، وتعريف الشعوب العربية بها.
في الرابع عشر من مايو من كل عام يحيي الفلسطينيون ذكرى نكبتهم وتهجيرهم الأول في عام 1948، واقتلاعهم من أراضيهم وقيام الكيان الصهيوني عليها، وبهذه المناسبة أصدرت مجلة “المجتمع” ملفاً خاصاً للحديث عن هذه النكبة تم نشره في العدد 1801 بتاريخ 10-5-2008م، تحت عنوان “لن يسقط المفتاح 60 عاماً على نكبة فلسطين” وفي ظل هذا الاعتداء الصهيوني المجرم الذي تعيشه فلسطين الآن، تعيد مجلة “المجتمع” نشر هذا الملف للتذكير بهذه النكبة.
بين الرابع عشر من مايو 1948م والرابع عشر من الشهر نفسه عام 2008م مسيرة ستين عاماً، لأبشع محنة كابدها شعب في التاريخ، أو أسوأ كارثة استعمارية ابتليت بها أرض.. ومازالت المحنة تطحن في الشعب.. ومازالت الكارثة تفتت الأرض، وتلتهمها قطعة قطعة.
ففي مثل هذا اليوم قبل ستين عاماً صدر قرار تقسيم فلسطين من الأمم المتحدة (181) المعروف، مانحاً إياها للصهاينة الغاصبين، ومتفضلاً على أصحابها بالباقي من أرضهم.
وسيظل ذلك القرار تجسيداً حياً عبر التاريخ على أن الوحش الاستعماري يفرض بجبروته ما يريد، ويخضع بقية صعاليك العالم لمخططاته، ويوظف الأمم المتحدة خادماً لمشاريعه كـ «حامل أختام»! كل وظيفته أن «يختم» باسم الشرعية الدولية.
ولم يكن قرار التقسيم المشؤوم عام 1948م هو البداية الحقيقية لنكبة الأمة في فلسطين؛ وإنما كان تتويجاً لمرحلة أكثر شؤماً وإيلاماً على الشعب الفلسطيني: «بدأت في الثلث الأخير من القرن التاسع عشر.. منذ نداء نابليون التاريخي لليهود في العالم بوطن في فلسطين، ثم مشروع رئيس الوزراء البريطاني بالمرستون الذي ورث مشروع نابليون بعد أفول نجم الإمبراطورية الفرنسية حتى وعد بلفور عام 1917م». (المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل جـ1 ـ بتصرف ـ محمد حسنين هيكل)
لقد كانت المرحلة السابقة لقرار التقسيم هي أصعب المراحل في تطبيق المشروع الصهيوني؛ فهي مرحلة غرس المستعمر الصهيوني الجديد بالجسد العربي المسلم في فلسطين، ويشهد التاريخ أنها كانت عملية زراعة صعبة وأشد إيلاماً، فقد نالت من الجسد الفلسطيني، وفعلت به الأفاعيل حتى أثخنته بالجراح، في عمليات نهب الأرض، وإنزال العقاب بأهلها.. ذبحاً وقتلاً وتشريداً وتدميراً على أيدي وأعين بريطانيا العظمى، وبرضا من العالم الغربي أجمع، وخضوع من الطرف العربي؛ بل وبتواطؤ من البعض.. حتى أصبح للصهاينة كيان وتجمع وقوة وحماية كبرى من بريطانيا وأمريكا وبقية الدول الكبرى، عندها صدر قرار التقسيم؛ لتبدأ مرحلة جديدة من مسلسل إبادة وتشريد الشعب الفلسطيني، والتهام المزيد من الأرض، تحت راية الأمم المتحدة التي تخصصت في إصدار العشرات من قرارات الإدانة لما يقوم به الكيان الصهيوني.
وبينما كان هذا الكيان يواصل التهام الأرض وذبح الشعب لم تطبق «الشرعية الدولية» قراراً واحداً أو نصفه أو بنداً واحدا ًعلى هذا الكيان منذ نشأته(!).
ولهذا فقد شهدت القضية الفلسطينية عشرات المذابح التي يشيب لها الولدان منذ مذبحة «دير ياسين» الشهيرة حتى «محرقة غزة» الدائرة اليوم دون توقف، ومازالت آلة الاغتصاب تواصل التهام الأرض وتمزيقها، وحشر ما تبقى من الشعب داخل كنتونات الجدار الإجرامي العازل في الضفة الغربية مع أكثر من 500 حاجز عسكري، إضافة لحصار حديدي حوّل «غزة» إلى (سجن كبير).
وكما جندت بريطانيا وأمريكا قبل أكثر من ستين عاماً أطرافاً عربية لتسهيل المهمة.. مهمة صناعة النكبة الفلسطينية.. تشارك الأطراف ذاتها اليوم، بل ويستعد الجميع للاحتفال بالعام الستين لنشأة «إسرائيل» على أشلاء الشعب الفلسطيني ويسعى الجميع.. لإسدال الستار على أشهر قضية في التاريخ، وتجري محاولات تأميم فلسطين لصالح الصهاينة باستثناء 3% فقط من الأرض يتم حشر الشعب الفلسطيني فيها دون سماح بعودة ستة ملايين لاجئ..
لكن الرياح تأتي بما لا تشتهي سفن الاستعمار وعملائه وسماسرته.. فقد استيقظ الشعب الفلسطيني ـ ومعه الشعوب العربية والإسلامية ـ وبات يلتف حول مقاومته الاستشهادية ويأبى إلا النصر وإقامة الدولة أو الشهادة التي بات يجيد صناعتها جيلاً بعد جيل.