طوى الحصار الصهيوني المفروض على قطاع غزة عامه الـ17 على التوالي، وانطوت معه أحلام الكثير من الشباب الفلسطيني في غزة، لما لهذا الحصار من انعكاسات اقتصادية واجتماعية وسياسية، خاصة على فئة الشباب من خلال ارتفاع نسب الفقر والبطالة والعوز؛ وبالتالي عدم القدرة على الزواج، أو العزوف عنه؛ مما رفع سن الزواج لدى الشباب لمستويات غير معهودة خلال العقود الماضية، يضاف لذلك الحروب والاعتداءات الصهيونية على القطاع التي تسببت في هدم آلاف الشقق السكنية، وتدمير هائل في البنية التحتية.
وقد تسببت ظاهرة انخفاض نسب الزواج بانعكاسات على كافة الصعد.
وفي هذا التحقيق، تبحث «المجتمع» في أسباب تحطم أحلام الشباب في غزة بالزواج وتكوين أسرة، وعلاقة الحصار الصهيوني بذلك، وما الأبعاد الديموغرافية لذلك على قطاع غزة، وكيف يمكن علاجها، والزواج بين الماضي والحاضر.
العوضي: سن الزواج في غزة تخطى 30 عاماً لأول مرة بسبب الحصار وارتفاع التكاليف
شباب تحطمت أحلامهم بالزواج
قال الشاب معتز عواد من مخيم المغازي وسط قطاع غزة لـ«المجتمع»: أبلغ من العمر حالياً 28 عاماً، وراودتني في كثير من المرات فكرة الزواج، ولكن تلك الفكرة تتبخر لأسباب تتعلق بواقعنا المؤلم في غزة؛ بسبب الحصار، فأنا خريج جامعي أنهيت دراستي قبل 6 سنوات، ولم أحصل على عمل ولو لمرة واحدة؛ فكيف سأتزوج وأنا بلا وظيفة ولا منزل، وبات الزواج ضرباً من الخيال، وهذه حال الكثير من الشبان من أبناء جيلي، لنا الله، ومستقبلنا عصف به الحصار الصهيوني الظالم على قطاع غزة.
أما الشاب أشرف عودة فله حكاية مؤلمة، فقد تزوج في مارس الماضي بعد عزوف عن الزواج استمر حتى بلغ 35 عاماً، تعرض خلال فترة من عدم زواجه لضغوط نفسية واجتماعية متعددة، إلى أن نجح في جمع مبلغ بسيط من المال، ولجأ لاستكمال تكاليف الزواج من مؤسسات تيسير الزواج المنتشرة في غزة، التي أيضاً يعجز الشباب عن سداد ديونهم لها بسبب عدم حصولهم على فرصة عمل نتيجة الحصار الصهيوني مما يدخلهم في مشكلات قانونية واجتماعية.
انخفاض في معدلات الزواج
وأكد رئيس مؤسسة «فرحة» لتيسير الزواج سلامة العوضي لـ«المجتمع» أن أسباب انخفاض الزواج في قطاع غزة واضحة، أهمها ارتفاع نسب البطالة بين الشباب بسبب الحصار الصهيوني المستمر منذ 17 عاماً، وتفكير جزء كبير من الشباب بالهجرة، بسبب الحصار.
سلامة العوضي
وأشار العوضي إلى أن الزواج شهد عام 2017 إقبالاً كبيراً، وبدأت نسبه تتراجع تدريجياً إلى أن وصلنا لعام 2023 بحالة غير مرضية من أعداد المقبلين على الزواج، حيث أصبحت التكاليف بمثابة معجزة للشباب رغم توفر فرصة التقسيط، لكنه أصبح صعباً بسبب الأوضاع الاقتصادية نتيجة الحصار.
وبين العوضي أن متوسط تكاليف الزواج نحو 3500 دولار دون مهر العروس، الذي لا يقل في متوسطه عن 4 آلاف دولار، وتختلف المصاريف باختلاف ظروف العائلات والعادات والتقاليد الاجتماعية.
أبو رحمة: نسب زواج الشباب بغزة في انخفاض مستمر سيقابلها خلل ديموغرافي بالمستقبل
وعن عمر الزواج، قال العوضي: بدأنا نلمس في الفترة الأخيرة أن عدد المستفيدين من برامجنا في أعمار متقدمة، وأحياناً بعض الأعمار تزيد على 30 عاماً، وهذا مؤشر واضح على صعوبة حتى التفكير بالزواج لعدد كبير من الشباب بسبب التكاليف التي من المفترض أن تكون متواضعة وفي الاستطاعة، لكن بسبب الحصار والبطالة وعدم وجود فرص عمل أصبحت كل المصاريف بمثابة معجزة للشبان في غزة.
تأثيرات ديموغرافية
وأشار الباحث في الإعلام الاجتماعي د. سعيد أبو رحمة إلى معطيات مركز الإحصاء الفلسطيني، أن 30% من سكان غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة هم من فئة الشباب، وأن معدلات الزواج وفق القضاء الشرعي انخفضت في صفوف الشباب بنسبة تزيد على 6% في غزة العام الماضي، وهي نسبة تزيد على ما كانت عليه عام 2021، وهذا يعني أن غزة تسير نحو خلل ديموغرافي خطير، سيؤدي لانخفاض عدد السكان بنسبة تصاعدية خلال العقد القادم، نتيجة البطالة وعدم القدرة على الزواج، مطالباً بوضع حلول اجتماعية عاجلة لحل تلك القضية التي لها أبعاد وطنية خاصة ونحن نخوض صراعاً ديموغرافياً مع الاحتلال.
د. سعيد أبو رحمة
مشكلات مركبة وزواج معلق
في السياق ذاته، قال المختص في مجال البيئة وصحة الأسرة د. توفيق جميعان: إن الشباب في غزة يعيشون ظروفاً حكمها الحصار طيلة 17 عاماً، والآن تحصد الأجيال الشابة نتائجها الكارثية على مستقبلهم وتكوينهم لأسر جديدة، مضيفاً أن الاحتلال الصهيوني حطم أحلامهم في بناء بيت أو الحصول على فرصة عمل، وبالتالي صعوبة الزواج وتكوين أسرة نظراً لتكاليف الزواج المرتفعة.
وأشار إلى أنه من الصعب توفير تكاليف الزواج لدى عائلات الشباب، لا سيما إذا ما كانت تلك العائلات فقيرة، وكان عدد أفرادها كبيراً مما لا يمكنها من توفير مصاريف الزواج لأبنائها، وكذلك غلاء المهور التي تجعل الشباب متخوفين من الإقدام على الزواج؛ الأمر الذي قد يوقعهم في مشكلات الديون التي لا يستطيعون تسديدها، خاصة إذا ما كان الشاب لا يتقاضى راتباً يكفيه لفتح بيت أو إقامة بيت مستقل له ولزوجته.
اجميعان: شباب غزة يحصدون مرارة الحصار الصهيوني الذي بدد حلم الزواج وتكوين أسرة
وأوضح الباحث اجميعان أن هناك من بين الشباب وفي الوقت الراهن لا تزال الديون التي صرفت على تعليمهم الجامعي يصعب تسديدها، خاصة إذا كانت تلك الرسوم الدراسية مرتبطة بمؤسسات أو بنوك، مما يحجب عنه فكرة الزواج، وخاصة إذا كان قد تخرج ومضى على تخرجه في الجامعة عدة سنوات ولا يجد أيّ عمل.
د. توفيق اجميعان
ولفت، في الوقت ذاته، إلى الانتباه لقضية خطيرة لها انعكاساتها الاجتماعية والوطنية؛ وهي هجرة الشباب إلى خارج الوطن هرباً من الفقر وبحثاً عن فرص خارج الوطن، جعلت من الشباب لا يفكرون في الزواج في هذه المرحلة؛ مما أدى إلى زيارة نسبة الفتيات العانسات في المجتمع الفلسطيني.
الحروب الصهيونية وأزمة السكن
وتشير إحصاءات لوزارة الأشغال الفلسطينية في غزة، أن هناك أكثر من 2000 منزل لم يتم إعادة إعمارها هدمت خلال العدوان الصهيوني على القطاع عام 2014، في حين هدم الاحتلال أكثر من 12 ألف وحدة سكنية ومئات الوحدات في عدوان عام 2021، وتدمير أكثر من 102 شقة سكنية في العدوان الأخير في مايو 2023.
وكل ذلك ترك ضغوطاً كبيرة على فئة الشباب في الحصول على شقق سكنية، حتى وإن توفرت، فإن متوسط سعرها في غزة لا يقل عن 30 ألف دولار، وهو مبلغ من المستحيل جمعه في ظل معطيات معدلات الدخل المنخفضة في غزة؛ لذا تبقى أحلام الشباب في غزة بالزواج معلقة ومرهونة بواقع مؤلم فرضه الاحتلال الصهيوني طيلة السنوات الماضية.