ولدت غنيمة المرزوق في حي «الجبلة» أو «القبلة»، وهو أحد أحياء ثلاثة كانت تتكون منها الكويت قديماً وهي «جبلة أو قبله» و«وسط» و«شرق»، لا فرق بين حي وآخر.
والد غنيمة هو المرحوم بإذن الله فهد مرزوق المرزوق الذي عمل بالتجارة بين الكويت والهند وعُرِفَ رحمه الله بنشاطه الواسع، وإلى جانب انشغاله في التجارة تم اختياره عضواً في مجلس المعارف وعضواً مؤسساً للمجلس البلدي ولبنك الكويت الوطني.
عاشت غنيمة فترة من طفولتها في الهند، كان عمرها في ذلك الوقت 4 سنوات، ارتسمت صورة طفولتها في الهند في ذاكرتها عادت إلى الكويت وبدأت الدراسة الحقيقية في المدرسة القبلية، استمرت في الدراسة في ثانوية القبلة، كانت متفوقة في دراسة الرياضيات، وكان لديها حس أدبي، اكتشفت مدرسة اللغة العربية لديها هذا الحس الأدبي وميولها إلى الكتابة وعقب حصولها على الثانوية العامة سافرت إلى مصر لتواصل دراستها الجامعية، حيث التحقت بقسم الصحافة في كلية الآداب جامعة القاهرة إيماناً منها بأن الصحافة موهبة واستعداد فطري ينمو ويتطور بالدراسة.
عقب عودة غنيمة إلى الكويت بعد تخرجها أسست مجلة «أسرتي» عام 1964، وصدر العدد الأول من المجلة في فبراير عام 1965 كأول مجلة في منطقة الخليج العربي لشؤون الأسرة وقضايا المرأة.
يكفي أنها أول من ابتكر فكرة طبق الخير في الكويت، ليصبح بعد ذلك تقليداً وسُنّة يتبعها كل من يريد السير على هذا الدرب من الأفراد والجمعيات، حتى نعرف كم لها من إنجازات في هذا المضمار الذي كانت وما زالت السبّاقة فيه.
ويكفي أنها كانت وراء فكرة «قرى الحنان» التي أنشأتها في السودان ولبنان، لتكون الحضن والبيت والمدرسة التي ضمت على مدى سنوات ألوف الأيتام، حتى نعرف أي قلب تملك ينبض دائماً بالعطاء.
وعن رحلة الطفولة، قالت رحمها الله: فترة الطفولة هي أمتع فترات حياتي، حياتي كانت كحياة أي طفلة في مجتمع هادئ بسيط، تربط بين أفراده علاقات الأسرة الواحدة علاقات حميمة، كانت الكويت عبارة عن أحياء ثلاثة، هي: حي «جبلة» كما ننطقها في الكويت، وحي «شرق»، وحي «وسط»، أنا ولدت في حي «القبلة» والدي وجدي رحمهما الله كانا يعملان في التجارة، كانت لهما تجارتهما في الهند والكويت.
كان البحر مصدر رزق الكويتيين: غوصاً بحثاً عن اللؤلؤ، أو مسرحاً لسفن الكويتيين للتجارة.
كنا ميسورين، لكن كنا نتصرف بحساب في الملبس والمأكل، نكاد نقول مجتمع الكويت في زمن الطفولة كان خالياً من المشكلات، مجتمعاً رائعاً منفتحاً يرتبط بالإسلام وبالعروبة، أما عن العلاقة في الأسرة بالنسبة للوالد والوالدة والشقيق والشقيقة فكانت علاقة محبة وصداقة وعلاقة دفء وحرارة ورعاية وحماية وتشجيع للحوار الديمقراطي والشورى، ومن هنا كانت روعة مرحلة الطفولة.
أما عن اكتشافها لموهبة الكتابة الكامنة في أعماقها؟ فقالت رحمها الله: بيتنا كان بيتاً مثقفاً، شقيقي المرحوم مرزوق كان يدرس بالجامعة الأمريكية في بيروت، وكان حريصاً على تزويدنا بالكتب والإصدارات الحديثة، كنا نلتهم هذه الكتب ونتعرف على أخبار الدنيا من الصحف والمجلات التي تصل إلى الكويت من القاهرة أو بيروت، وكنا نهتم بقضايا أوطاننا وعروبتنا.
وخلال مرحلة الدراسة في ثانوية «قبلة»، اختار الله شقيقي المرحوم مرزوق إلى رحابه، عندها سجلت مشاعري الحزينة لفراق الشقيق في مقال رثاء قرأته مدرسة اللغة العربية وشجعتني على إرساله إلى مجلة «البعثة» التي كانت تصدر عن بيت الكويت (السفارة بعد الاستقلال) في القاهرة، ونشر المقال في المجلة، ثم اشتركت في مسابقة لكتابة القصة القصيرة، نظمتها مجلة «البعثة» وفوجئت بفوزي بالجائزة الثانية.
وهكذا اكتشفت موهبة الكتابة وبدأت أتجه نحو بلاط صاحبة الجلالة، وكان قراري الذي وجد ترحيباً من الوالد والأسرة بدراسة الصحافة، لأنني أدركت منذ البداية أن الموهبة الفطرية لا تكفي وإنما لا بد من صقلها بالدراسة، وبما أنه لم يكن بالكويت جامعة فكان القرار بالسفر إلى القاهرة والالتحاق بجامعاتها في أول قسم أنشئ للصحافة بالجامعات المصرية.
رحلتها مع الصحافة كانت الفقيدة من أولى الكويتيات اللاتي درسن الصحافة في جامعة القاهرة، وكان للمرحومة رؤية خاصة للصحافة، فقد كانت تنظر لها على أنها رسالة في الأساس، لكنها الآن على ضوء التغيرات الكثيرة من حولنا.
قالت الفقيدة: أصبحت الصحافة تجارة وصناعة، وفي رأيها لا عيب في ذلك بشرط أن تظل في نظر أصحابها والعاملين في بلاطها رسالة، وتلك أيضاً معادلة صعبة لكنها غير مستحيلة، وأم هلال، رحمها الله، كانت أول رئيسة تحرير مؤهلة ومعنية بالأسرة وقضايا المرأة، فقد حددت أهدافها في بداية عملها عندما أصدرت أول عدد من مجلة «أسرتي».
وتعكس افتتاحية العدد الأول من المجلة هذه الأهداف التي تلخصت في بناء أسرة متماسكة وسعيدة مرتبطة بجذور ومبادئ نابعة من كوننا مجتمعاً مسلماً وعربياً، دون أن يكون هذا الارتباط عائقاً أو قيداً على حركتنا نحو الحداثة والمعاصرة من دون الانسلاخ عن الجذور أو التحلل من القيم والمبادئ.
ويحسب للفقيدة أنها من الصحفيات اللاتي أسسن جمعية الصحفيين الكويتية، حيث تشاركت مع عدد من الزملاء بدء التحرك لتأسيس الجمعية الصحفية الوحيدة.
كما كرمت أخيراً بحصولها على جائزة المرأة الكويتية المتميزة نظير أعمالها والإنجازات التي قيدت في رصيدها المهني والخيري.
حقوق المرأة
ترى الفقيدة أن المرأة الكويتية حصلت على حقوقها كاملة قبل أن تدخل الوزارة أو مجلس الأمة، والسبب يرجع إلى المنزلة التي وضع الإسلام فيها المرأة، فالإسلام قد أعطى لها جميع الحقوق متساوية مع الرجل في الحقوق والواجبات، وتاريخنا الإسلامي مملوء بنماذج من النساء اللواتي قدمن الكثير وتركن بصمة عبر التاريخ الإسلامي.
هذه من ناحية، أما من ناحية المرأة الكويتية فقد أعطاها الدستور الحق ولم يمنعها من ممارسة حقوقها والوصول إلى أعلى المناصب.
وفيما يتعلق بدخول المرأة مجلس الأمة، انتخاباً وترشحاً، فمن وجهة نظرها أن الموقف كان مسألة وقت لتحصل عليه المرأة، وعندما سنحت الفرصة للمرأة الكويتية أن تتولى الحقيبة الوزارية تحقق لها ذلك أيضاً، فلم يكن الموقف إذن نوعاً من الحرب بين الرجل والمرأة وإنما كان مسألة وقت لتحصل على حق الانتخاب والترشح وعضوية المجلس أو الوزارة.
الأسرة
تقول غنيمة المرزوق، رحمها الله: قابلت صعوبات، فالعمل الإعلامي ليس سهلاً، والصحافة بالنسبة للمرأة في ذلك الوقت لم تكن عملاً متاحاً، لكن الأمر اختلف بالنسبة لي، فقد وجدت من يقف بجانبي، إنه شريك حياتي المرحوم فجحان هلال المطيري ساندني وقدم لي العون في إدارة المجلة.
أما عن قصة زواجهما قالت: عندما كنت أدرس في القاهرة تقدم لي المرحوم فجحان هلال المطيري حين كان يدرس بالقاهرة، وبنفس الوقت كان رئيس اتحاد طلبة الكويت، وقد كان مقر الرئيس في القاهرة، وكنت أنا رئيسة اللجنة الثقافية للاتحاد، ومن الأشياء الطريفة أنه في إحدى زياراته قال لي: هل لديك رغبة في أن تكوني صحفية؟ فأجبت بنعم، فقد كنت وقتها أدرس في سنة أولى صحافة جامعة القاهرة أول قسم أنشئ للصحافة، فقدم لي ورقة عبارة عن تصريح بإصدار مجلة صادرة من وزارة الإرشاد والأنباء (الإعلام حالياً)، وكان عبارة عن ترخيص مجلة قد اشتراه من المرحوم حمد العيسى المحامي عام 1964، وغيّرنا الاسم إلى مجلة «أسرتي»، إشارة إلى أن هناك أسرة جديدة تتكون.
تكريم وأوسمة
خلال مسيرتها المهنية الطويلة حظيت الراحلة بالعديد من التكريمات والجوائز حيث حصلت مجلة «أسرتي» على أفضل مجلة خليجية، وذلك من قبل الجهة المنظمة لمؤتمر الشرق الأوسط للنشر في دورته الثانية بدبي.
كما تم تكريمها بجائزة الدولة التقديرية عام 2011 من قبل وزارة الإعلام الكويتية.
كما اختارها قسم الإعلام بجامعة الكويت كشخصية ثقافية وإعلامية بمناسبة اختيار الكويت عاصمة للثقافة العربية عام 2001/ 2002 وتقديراً لدورها الثقافي، تم اختيارها لتكون عضواً بمجلس كلية الآداب جامعة الكويت من خارج هيئة التدريس.
ومن جانبها، أكدت غنيمة المرزوق، رحمها الله، في المناسبة عن شكرها لأسرة قسم الإعلام وكلية الآداب وجامعة الكويت، خصصت غنيمة جائزة تمنح سنوياً باسمها للمتفوقين والمتميزين من خريجي قسم الإعلام، وقد أدرجت الجامعة هذه الجائزة باسم «جائزة غنيمة المرزوق للإبداع الإعلامي».
كما منح اتحاد الصحفيين الدولي واتحاد الناشرين الدولي ومركز دبي للاستشارات والأبحاث والإعلام غنيمة المرزوق جائزة «إنجاز العمر»، وهي جائزة خصصها مؤتمر الشرق الأوسط للنشر (middle east publishing conference) في دورته الثانية لأول مرة، وجاء في أسباب منحها الجائزة: ريادتها في إنشاء الصحافة الأسرية في منطقة الخليج، وريادتها في إنشاء صناعة النشر في منطقة الخليج، وريادتها في تأسيس أول تنظيم نقابي للصحفيين في منطقة الخليج، وقيادتها للعمل في مجلة «أسرتي» كأفضل مجلة خليجية.
ومنحت جامعة قرغيزيا، إحدى جمهوريات الاتحاد السوفييتي سابقاً، غنيمة المرزوق درجة الدكتوراة الفخرية في أعمالها في مجالات الخير في قرغيزيا.
ونظمت الأمانة العامة للجان العمل الخيري حفل تكريم لغنيمة فهد المرزوق، رحمها الله، على أعمالها الخيرية في الكويت وخارجها، أقيم الاحتفال في عام 2011 حيث ألقى المستشار راشد الحماد، وزير الأوقاف والعدل آنذاك، كلمته نيابة عن سمو رئيس مجلس الوزراء، قائلاً: «إننا اليوم وفي هذا الحفل لتكريم المحسنة الكريمة غنيمة المرزوق وعدد من المحسنين الكرام لا يسعنا إلا أن نقول لهم: جزاكم الله خيراً وأثابكم خير الثواب».
كما ألقى الأمين العام للجان العمل الخيري د. جاسم مهلهل الياسين كلمة قال فيها: «نقول لغنيمة فهد المرزوق من اسمها نعطيها، فهي غنيمة للعمل الخيري ولبلدها ولشعبها وأولادها وأرحامها، ومرزوق بأن جعلت الدينار في مكانه ومحله، وهذا بتوفيق الله يوفق الإنسان في اسمه وعمله.
ومن صور نشاطها اختيارها عضواً بمجلس إدارة الصندوق الوقفي للدعوة والإغاثة بالأمانة العامة للأوقاف، وعضواً بمجلس إدارة جمعية بشائر الخير.