أصبح الحديث عن مكانة المسجد الأقصى عند المسلمين من البدهيات المعلومة بالضرورة ولله الحمد، وذلك نتيجة لجهود العلماء والخطباء والباحثين المختصين بالمعارف المقدسية، وهذه علامة مبشرة تدل على خيرية أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وأحسب أن المرحلة الحالية ينبغي التركيز فيها حول موضوع لا يقل أهمية؛ وهو كيف ننصر المسجد الأقصى المبارك كي نكون من المساهمين في تخليصه من ربقة الاحتلال اليهودي الصهيوني البغيض؟ خاصة في ظل ما نشهده من تصاعد وتيرة اقتحامات الصهاينة؛ رسميين وشعبيين، للمسجد الأقصى، فالعدو بدأ اليوم بتنفيذ ما توعد به لبلوغ عدد المقتحمين فيما سمي بـ«مسيرة الأعلام» إلى 5 آلاف مقتحم وعلى رأسهم الحاقد المتطرف الوزير إيتمار بن غفير.
إن معرفة الأدوار المنوطة بنا كأفراد أو مؤسسات أو حكومات تعين على التحرك الواعي الفعال والمؤثر في اقترابنا خطوات من أجل التحرير والتمكين، ولعلنا في هذه المقالة نلقي شيئاً من الضوء حول هذا الموضوع، وقبل أن نذكر بعض الاقتراحات في هذا الشأن يستحسن أن نذكّر ببعض الأمور:
– إن حاجتنا لنصرة المسجد الأقصى المبارك هي أكبر من حاجة المسجد لنصرتنا، فنحن أول المستفيدين من ذلك؛ لأن الله تعالى تكفل بأن العاقبة للمتقين ووعدنا بالنصر المبين، فمن تولى ونكث فإنما ينكث على نفسه، وسُنة الاستبدال قائمة لا تتخلف قال تعالى: (وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) (محمد: 38)، فالموفق من استعمله الله تعالى في القضايا الكبيرة، وأي قضية الآن أولى من العمل على تحرير مسرى نبينا صلى الله عليه وسلم! وإن العمل على نصرة القضايا الإنسانية ورفع الظلم عن المستضعفين وإعانة أصحاب الحق وتمكينهم من حقهم هو دليل على إنسانيتنا، وما أحوجنا لممارسة إنسانيتنا في مختلف القضايا، وإلا نغدو كالبهائم والعياذ بالله نعيش بلا هدف وبلا رسالة.
– ينبغي ألا نستهين بأي عمل نقوم فيه في هذا الإطار، ولا نقول: ماذا يفيد جهدي المتواضع لتحقيق هذا المقصد العظيم؟! إن الأعمال الصغيرة في ظاهرها قد تكون عظيمة في حقيقتها، فإنها إذا تجمعت وتضافرت وتواترت فإنها تبني عملاً كبيراً مؤثراً، وهل البناء العظيم إلا مجموعة من الحجارة الصغيرة تجمعت واتحدت وتفاعلت حتى صارت بناء جميلاً مفيداً، وفي عدم استصغار الأعمال وبيان أثرها قال تعالى في ختام سورة «الزلزلة»: (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ {7} وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ) (الزلزلة).
– البدء بالعمل فوراً وعدم التسويف، فهذه القضية كسائر أعمال الخير ينبغي المبادرة والمسارعة فيها، والتسويف هو آفة لا بد من التخلص منها، ويوجهنا النبي صلى الله عليه وسلم للمبادرة بالأعمال، حيث قال: «بادروا بالأعمال سبعًا، هل تنتظرون إلا فقراً مُنسيًا، أو غنًى مُطغيًا، أو مرضاً مُفسدًا، أو هَرَماً مُفنِّدًا، أو موتاً مُجهِزًا، أو الدجال، فشر غائب ينتظر، أو الساعة، والساعة أدهى وأمر» (رواه الترمذي)، فالعمر محدود، والموانع كثيرة؛ لذا علينا أن نستثمر قوتنا وطاقاتنا ومهاراتنا ومواردنا المتوفرة في العمل لاستنقاذ القبلة الأولى قبل أن يحل علينا عوارض تمنعنا من ذلك.
– عدم الاغترار بقوة الكيان المحتل الذي يدعمه الغرب بإمكاناته الكبيرة، ذلك أن الأمر بيد الله تعالى القائل: (كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) (البقرة: 249)، وقال أيضاً: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) (محمد: 7)، وهل انتصر المسلمون يوماً بكثرة عدد أو عتاد؟! هذه الثقة واليقين تورث الطمأنينة في نفوس العاملين، فيواصلون العمل والجهاد من أجل تحرير المقدسات، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم.
هذه النقاط لا بد من استحضارها قبل العمل وأثنائه، فإنها بمثابة الوقود والزاد للعاملين، فكلما ضعفت الهمة تذكروها، وكلما انتفش الباطل وغرهم بقوته تذكروها، وعلموا أن الأمر بيد الله وأنه هو العزيز الحكيم، القوي المتين.
وسنذكر في المقال القادم، بإذن الله تعالى، مجموعة من الأفكار لنصرة المسجد الأقصى المبارك.