بقلم: براءة الحمدو (*)
تعد الانتخابات التركية الجارية معركة مفصلية تختلط فيها الأهداف السياسية بالاجتماعية والتاريخية والاقتصادية؛ إذ يحاول كل طرف امتلاك أكبر قدر من نقاط القوة، وتجنب أي أمر يضعف مركزه في الانتخابات، ويبقى تحديد مصير التحالفات والأحزاب المختلفة على الساحة التركية متروكاً للناخب التركي، الذي يملك تحديد مصير الانتخابات إلى الجولة الثانية بعد اجتياز الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية؛ أي بعد فرز الصناديق بالكامل بتاريخ 14 مايو الجاري يفوز الرئيس أردوغان بنسبة 49.5% من الأصوات على منافسه كمال كليجدار الذي يحصل على 44.89%؛ الأمر الذي يحيلنا إلى حجم المنافسة الكبيرة في ظل الأجواء الحرة الديمقراطية التي تعيشها تركيا وكأنها عرس تاريخي، لذلك بات الرئيس وحزب العدالة والتنمية أكثر إيماناً بتحقيق الفوز في الجولة الثانية التي تم تحديد موعدها من قبل الهيئة العليا للانتخابات التركية في 28 مايو الجاري.
حقق حزب العدالة والتنمية الحاكم طوال العشرين سنة الماضية العديد من المنجزات في البنية التحتية للبلاد، وفي مختلف المجالات الاقتصادية والتجارية والأمنية والصناعات الدفاعية، كما مكّن تركيا من أداء دور نشط على الساحة الإقليمية والدولية، متجاوزاً كثيراً من المشكلات والخلافات الخارجية، وكل هذا يضاف إلى رصيد تحالف الجمهور، مع العلم أن وجود حزب العدالة والتنمية في سدة الحكم هو مما تستثمره «الطاولة السداسية» كذريعة على اعتبار أن تركيا بلد ديمقراطي.
التناقضات الداخلية لـ«الطاولة السداسية»
تمثل حالة التنوع الفكري داخل «الطاولة السداسية» نقطة قوة، وقد تؤثر على مستقبل التّحالف، نظراً لحجم الملفات التي لم تُحسم بعد، وحالة التباين بين قواعد هذه الأحزاب، نتيجة التناقضات الفكرية، مثلاً: بين حزب السعادة الإسلامي، وحزبي الشعب العلماني والجيد القومي، كما أن تعيين سبعة نواب لرئيس الجمهورية (مرشح الطاولة) حسب خارطة طريق «الطاولة السداسية» يعني أن هناك رئيس جمهورية مقيد الصلاحيات، إضافة إلى التنافس في قوائم البرلمانيات، وإن بدت متفقة بشأن مرشح الرئاسة.
وعلى الرغم من إعلان «الطاولة السداسية» خارطة طريقها المكونة من 12 بنداً، إذ ليس فيها حتى الآن تفاصيل واضحة كعادة كل البرامج الانتخابية، كما أن «الطاولة» لم تأت بأي برنامج اقتصادي يطمئن الناخب التركي، عدا عن البرنامج الاقتصادي الذي أعلنه بابا جان عن حزبه (الديمقراطية والتقدم)، وإنما اكتفت بالتركيز على إسقاط أردوغان وإسقاط كل سياساته، سواء المتعلقة بالبنك المركزي أو النظام الرئاسي أو غير ذلك، وبعد الخلافات الحادة في صفوف المعارضة التي شهدناها بترشيح كمال كليجدار مرشحاً عن «الطاولة السداسية»، فإن عدم اجتماعها على رأي واحد في عدّة قضايا إذا حصل الفوز ستضطرب الأمور وتثار الفوضى واللاجدوى عندما ترسم سياسة البلد ومستقبل الأتراك، وأكثر ما فضح المعارضة هو إعلان مرشح «الطاولة السداسية» طلب القروض النقدية من المؤسسات الدولية، بما فيها برنامج التحالف الذي يختص بشأن استقلالية تركيا وقضايا الأمن القومي أيضاً غير واضح.
نجاح «تحالف الجمهور» في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية
تمكن «تحالف الجمهور» الحاكم من إحراز فوز انتخابي (رئاسي، وبرلماني) في آن واحد في الجولة الأولى يوم 14 مايو؛ وهو ما أحدث فارقاً في تاريخ الحزب الحاكم السياسي، وفي حين الجولة الثانية يوم 28 ستقتصر المنافسة على الانتخابات الرئاسية دون البرلمانية بين رجب طيب أردوغان وكمال كليجدار أوغلو دون المرشح الثالث سنان أوغان الذي حصل في الجولة الأولى على نسبة 5.28% من الأصوات والمعروف عن أوغان أنه على خلاف مع مرشحي الرئاسة بخصوص ملفي اللاجئين والأكراد، لكن يبرز دوره كإضافة تسجل لكلا المنافسين أردوغان، وكليجدار، فتصريحاته عقب انتهاء عملية الفرز الأولى بأنه لن يدعم كمال كليجدار ما لم يتم استبعاد حزب الشعوب الديمقراطي، وفي المقابل أعلن وقوفه مع الرئيس أردوغان على اعتبار تحالفه مع الحركة القومية.
إنّ تحالف حزب الشعوب الديمقراطي وبعض الأحزاب اليسارية الصغيرة مع المرشح كمال كليجدار شكّل فارقاً كبيراً في ارتفاع نسبة الأصوات لصالحه، إذ لولا دعم حزب الشعوب لما وصل كليجدار لهذه النتيجة في الجولة الأولى، لذلك واجه اعتراضاً من الكتلة القومية التابعة لـ«الطاولة السداسية»، نظراً لتأثيرات البعد القومي والمحافظ.
«كاريزما» أردوغان والفوز
يتميز الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بـ«كاريزما» القائد السياسي؛ مما يزيده قوة في مواجهة منافسيه، ولعل عدم وجود أي منافس قوي لأردوغان أحد أسباب فوزه في الانتخابات، كما تشير الاستطلاعات إلى وجود إمكانية توجه بعض أعضاء الطاولة خصوصاً المحافظة والقومية لاختيار أردوغان نتيجة عدم قناعتهم بشخصية كمال كليجدار أوغلو، وتأكيداً على ذلك تصريحات سنان أوغان التي جاءت عقب فرز الأصوات في الجولة الأولى 14 مايو تؤكد ما سلف بأنه لم يمنح أصواته لكمال كليجدار بسبب تحالفه مع حزب الشعوب الديمقراطي، أمّا حزبا السعادة والمستقبل لم يصدر عنهما شيء يذكر.
كانت تحديات الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها الواقع التركي وانخفاض سعر صرف الليرة التركية إلى جانب مأزق اللاجئين سبباً في تغيير الحزب الحاكم من خلال توسيع دائرة المعارضة وحرصها على استقطاب أحزاب أخرى تشاركها الهدف ذاته في إسقاط أردوغان.
والشيء بالشيء يذكر؛ أنه لا يمكن تجاهل نجاح الحزب الحاكم في قدرته على إدارة واحتضان كارثة الزلزال الذي ضرب تركيا وسورية، في 6 فبراير الماضي، الأمر الذي دفع الرئيس أردوغان في أكثر من مناسبة القول: إن حكومته تعد من أسرع الحكومات داخلياً وخارجياً في مواجهة هذه الكارثة، وإنه قادر على إعادة الإعمار في المناطق المتضررة؛ الأمر الذي انعكس إيجاباً على سير الانتخابات عبر كسب أصوات تلك المناطق، لا سيما وأنّ في معظمها تابعة لحزب العدالة والتنمية وصوّتت لصالح «تحالف الجمهور».
خاتمة
في نهاية المطاف، الانتخابات التركية مضت في جولتها الأولى وباتت النتيجة محسومة، فنسبة الأصوات التي أحرزها الرئيس أردوغان دليل تقدمه على منافسه كليجدار بأكثر من النصف في المائة، ويمكن القول: إنّ الجولة الثانية ستكون شهادة على انتصار الديمقراطية في أبهى صورها التي قهرت مدعي حراس الديمقراطية وحقوق الإنسان.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) كاتبة وناشطة سورية.