يمثل عزوف الشباب عن الزواج مشكلة كبيرة تواجه المجتمعات العربية، وهي ظاهرة تخالف عادات هذه المجتمعات التي كانت تنتشر فيها ظاهرة الزواج المبكر للذكور والإناث، ووفقاً لتقارير متخصصة، فإن التكاليف المرتفعة للزواج والمتطلبات العديدة لأهل الزوجة كشروط للزواج من ابنتهم يدفع الشباب إلى العزوف عن الزواج.
السعودية:
ففي المملكة العربية السعودية، ووفقاً لإحصائية رسمية صدرت في 4 أغسطس 2022م، فإن 66.2% من الشباب السعودي لم يتزوجوا قط، فيما بلغت نسبة المتزوجين 32.4%، والشباب والشابات الذين لم يسبق لهم الزواج، وفقاً للإحصائية، من الفئة العمرية 15- 34 عاماً.
وبحسب صحيفة «صدى» الإلكترونية المحلية، تقول د. لمياء إبراهيم، المتخصصة في الإرشاد الأسري: لدينا تغيرات اجتماعية، وبالتالي يحدث هناك تأخر في عمر الزواج للجنسين الرجل والمرأة.
وأشارت إلى أنه من المتوقع أيضاً أن تحدث متغيرات في أولويات وأهداف الزواج، ومن ضمنها ماذا يحقق الزواج لكل طرف من الأطراف؟ لافتة إلى أن تمكين المرأة وممارستها العمل جعلها ترفض التنازلات في الزواج، وأن تسعى لاختيار شريك حياة مناسب لها.
الكويت:
وفي دراسة أعدتها جامعة الكويت، أكدت وجود ارتفاع في عدد العازفين عن الزواج بين الكويتيين، تقول الدراسة: إن لهذه الظاهرة، وفق المختصين، أسباباً عديدة، منها غلاء المهور، وارتفاع تكاليف حفلات العرس، وأزمة السكن، والرغبة في تحقيق الطموحات، وتنامي الأنانية، فضلاً عن وسائل التواصل الاجتماعي.
وتفيد الدراسة بأن أول أسباب العزوف الإرادي لدى الذكور هو أنهم لم يحققوا طموحهم، أما الإناث فالسبب يتمثل في عدم تقدم «فارس الأحلام» المنشود، وأشارت إلى أن الشعور بالفردية وتنامي الأنانية هو سبب آخر، كما أن من الأسباب «السوشيال ميديا»، التي تعتبر «فيروساً ورسائل سرطانية لبذور الشك في الحياة الأسرية بالكويت».
الإمارات:
في الإمارات، أكدت وزارة تنمية المجتمع وجود ظاهرة في البلد تتعلق بتأخر سن الزواج، مؤكدة وجود عدة أسباب رئيسة؛ أبرزها التكاليف الباهظة، إضافة إلى امتناع الشباب عن الزواج، وعدم رغبتهم بالارتباط، أو رغبتهم في الحرية، وعدم التزامهم بالمسؤولية.
ووفقاً لما ذكرت صحيفة «البيان» المحلية، يقول القاضي خالد الحوسني، رئيس محكمة الأحوال الشخصية في دبي: إن نسب الخصوبة قلت خلال السنوات الأخيرة مقابل ارتفاع سن الزواج.
ولفت إلى أن انفتاح مجتمعنا على المجتمعات الغربية أثر سلباً على رغبة الشباب في الزواج، والانشغال عنه بأمور أخرى.
وأوضح أن تأخر سن الزواج بين الشباب إلى ما بعد 25 عاماً يرجع لعدة أسباب؛ أهمها تأثر الشباب والفتيات بطلبات المعيشة، إضافة لرغبتهم في الانتهاء من تعليمهم الجامعي والحصول على شهادات عليا، ومن ثم الالتحاق بالمناصب والوظائف المرموقة، و«عيش حياة الشباب والتمتع بالحرية والاستقلالية قبل بناء أسرة».
قطر:
يبدي القطريون انزعاجاً من ظاهرة الإسراف في حفلات الزواج التي تجبر العريس على إنفاق أموال طائلة لإقامة موائد وحفلات ضخمة، ويعتقدون أن هذا من أبرز أسباب العزوف عن الزواج.
ففي تقرير لصحيفة «الراية» المحلية، أعرب عدد من المواطنين عن استيائهم من انتشار ظاهرة الإسراف في حفلات الزواج، مؤكدين أنها تثقل كاهل الشباب بالديون، وتجعلهم يبدؤون حياتهم الزوجية وعليهم ضغوط مادية ونفسية كبيرة.
وفق التقرير، فإن هناك مغالاة لدى البعض بتنظيم أعراس باهظة التكاليف مع ولائم عشاء فاخرة وبكميات كبيرة، تزيد بكثير عن أعداد المدعوين، ولا يأكل من هذه الولائم سوى أعداد قليلة، لتكون نهاية هذه الولائم في صناديق القمامة.
وبحسب الصحيفة، قال مواطنون: إن الكثير من حفلات البذخ في الأعراس ظاهرها الوجاهة وباطنها تعسير يجر خلفه معضلات يتصل بعضها بعضاً، ويتحمل نتيجتها الشباب، ما يعود بآثار اجتماعية سلبية.
معضلة أخرى تتسبب بعزوف الشباب عن الزواج، وفق التقرير، تتعلق بغلاء المهور، حيث يثقل هو الآخر كاهل الشباب بالديون؛ ما يؤدي إلى عزوف الكثيرين من الشباب عن الزواج وزيادة نسبة العنوسة بين الإناث، كما يؤدي إلى الكثير من المشكلات والخلافات الأسرية المترتبة على مثل تلك العادات الخاطئة.
وكان مجلس الشورى القطري ناقش، مطلع العام الجاري، المظاهر السلبية المصاحبة لحفلات الزواج، وخاصة مظاهر البذخ والإسراف المبالغ فيها، في تأكيد لما تخلفه من ضرر على المجتمع.
عُمان:
العُمانيون، بدورهم، يتطلعون إلى تدشين صندوق للزواج يخفف عن كاهل الشباب المقبلين على الزواج.
وعلى الرغم من إعلان إنشاء الصندوق في عام 2011م، ثم حدد مجلس الشورى بعد عامين آليات وشروط هذا الصندوق، لكن وإلى هذا الوقت لم يرَ الصندوق النور.
وما زال الشباب يعلّقون الآمال على إنشاء الصندوق لدعمهم في ظل تقلبات الأوضاع الاقتصادية، وغلاء المعيشة، وعادات وتقاليد المجتمع التي تمثل عبئاً إضافياً ثقيلاً للمقبلين على الزواج؛ مما يؤدي إلى العزوف أو الدخول في ضغوطات نفسية ومادية ترهق كاهلهم.
وبحسب ما أوردت صحيفة «عُمان» المحلية، طالب مختصون بإيجاد مصادر تمويلية جديدة ومتعددة تضمن إنشاء الصندوق واستمراريته؛ لاحتواء ما يحدث من تفاقم العزوف عن الزواج والعنوسة في المجتمع.
العراق:
وفي تقرير أعده موقع «إندبندنت عربي» عن العزوف عن الزواج في العراق جاء فيه أن الظروف المعيشية الصعبة، التي يعيشها العراق، أجبرت الشباب على استبعاد فكرة الارتباط والزواج، حيث أسهمت الأزمة الاقتصادية والاجتماعية في عزوف كثيرين منهم عن تأسيس عائلة، نظراً إلى الغلاء وقلة فرص العمل.
وقد قال الباحث الاقتصادي بسام رعد: لا يمكننا أن ننكر أن العامل الاقتصادي، وانعدام فرص العمل، وارتفاع تكاليف المجوهرات (الذهب)، وعدم توفر السكن الملائم، والمغالاة في تكاليف المهور، أصبحت مشكلة تعوق الشباب عن تكوين أسرة وحياة مستقرة، حيث إن الزواج حالة اقتصادية، مثل أي وحدة اقتصادية تحتاج إلى رأس مال وتراكم مالي لسنوات من العمل قبل الإقبال على مشروع الزواج.
واستكمل الباحث الاقتصادي حديثه بالقول: لقد أجبرت التكاليف المرتفعة للزواج كثيراً من الشباب على الاستدانة واللجوء إلى القروض، ودفعت القسم الآخر إلى العزوف أو التأخر في سن الزواج، وباتت اقتصادات الزواج، وهي مجموعة الأمور التي تتكلف مادياً ويتم الاتفاق عليها من أجل الزواج، تشكل عائقاً اقتصادياً لدى فئة الشباب.
مصر:
وفي مصر، فرضت الأوضاع الاقتصادية غير المواتية عراقيل أمام العديد من المقبلين على الزواج بمصر، حيث تقتضي التقاليد إنفاقًا ماديًّا مرتفعًا.
وتسبب العادات والتقاليد المترسخة ضغطًا على الشباب، ومع الأوضاع الاقتصادية الصعبة تأثرت معدلات الزواج سلبًا، حسب ما يوضح خبراء ومواطنون، لشبكة «رؤية» الإخبارية، استنادًا إلى تجارب واقعية.
وقد أوضح أستاذ علم الاجتماع، د. سعيد صادق، أن قرار الشباب تأجيل الزواج ليس سببه الوحيد هو الشبكة، ولكن تكاليف أخرى مثل توفير السكن ومستلزماته من أثاث وغيره، خاصة في ظل ضعف الإمكانات المادية لبعض الشباب، مشيراً إلى إمكانية أن تتغاضى الفتاة وأهلها عن المتطلبات التي وصفها بأنها «تكسر ظهر الشاب».
وأوضح صادق أن التقاليد المترسخة في عقول بعض الأهالي، إلى جانب الأوضاع الاقتصادية، كانت السبب في خلق أزمة الزواج منذ زمن، فضلًا عن أن الأوضاع الاقتصادية تؤدي دوراً في تأخير سن الزواج وعدد الزيجات ومعدل الإنجاب لدى الطبقة المتوسطة.
غزة:
وفي غزة، قال حسن الجوجو، رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشرعي في قطاع غزة: إن عام 2022م شهد تراجعاً في نسب الزواج، وارتفاعاً في حالات الطلاق.
جاء ذلك خلال لقاء إعلامي نظّمه المكتب الإعلامي الحكومي مع الجوجو، في مقرّه بمدينة غزة، للحديث عن عمل المجلس خلال عام 2022م.
بدورها، عزت ماجدة شحادة، الباحثة في وحدة المرأة في المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان (غير حكومي)، تراجع الزواج وارتفاع نسب الطلاق، لعدة أسباب أبرزها شبح الوضع الاقتصادي الذي يلاحق السكان.
وقالت شحادة: الوضع الاقتصادي المتردي من أبرز الأسباب التي أثرت على تلك النسب، وهو مرتبط بكافة جوانب الحياة ومن ضمنها الجانب الاجتماعي المرتبط بالزواج وتأسيس الأسرة، بحسب «الأناضول».
وأردفت: تردي الوضع الاقتصادي يصعب من الحياة والعلاقات الاجتماعية، فحالة الفراغ والبطالة تتولد عنها مستويات من المشكلات الاجتماعية غير المقبولة.
وتابعت: الاهتمامات لدى فئة الشباب من الذكور والإناث اختلفت عن السابق، فلم تعد تلك النظرة التقليدية عن الزواج كونه ضرورة ملحة متواجدة.