يقال: إن أجمل الشعر أكذبه؛ لما يأتي به الشعراء من مبالغات إذا أحبوا أو كرهوا، ومزايدات إذا فخروا أو هجوا، ولا يخلو قولهم من خيالات مركبة تصور بعض القبيح حسناً والعكس، إلا ما رحم الله.
وهذه الأبيات هي للشاعر المخضرم ورقة بن نوفل، وكان من الحنيفيين الذين كرهوا عبادة الأصنام قبل الإسلام، وقد اعتزل ورقة الأوثان وامتنع عن أكل ذبائحها ثم تنصَّر وقرأ كتب الأديان وكانت لديه حكمة.
ومناسبة الأبيات أنه لما جاء جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له: «اقرأ»، قال: «ما أنا بقارئ»، إلى أن قرأ عليه أول آيات من صورة «العلق»، ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته حيث السيدة خديجة، فلما قصَّ عليها ما جرى اقترحت أن يذهبا إلى ورقة بن نوفل، فقد قرأ في كتب الأديان، فلما كانا عنده لم يلبث أن آمن ورقة من فوره، وقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا ابن أخي، إن كان ما تقوله صحيحاً فهذا هو الناموس الذي كان ينزل على موسى».
ثم قال: «ليتني كنت فيها جذعاً حين يخرجك قومك»، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أومخرجي هم؟!»، قال ورقة: «ما جاء أحد بمثل ما جئت به إلا عودي».
لذا، يعده الكثيرون صحابياً، وإن كان مات سريعاً بعد حادثة الوحي تلك.
وكان أن أنشد في هذا المشهد هذه الأبيات التي بين أيدينا:
وإن يكُ حقّاً يا خديجةُ فاعلمي حديثُكِ إيّاها فأحمدُ مرسلُ
وجبريل يأتيه وميكالُ فاعلمي من اللَه وحيٌ يشرحُ الصدر منزلُ
يفوزُ به من فاز فيها بتوبةٍ ويشقى به العاتي الغرير المُضَلَّلُ
فريقان منهم فرقةُ في جنانِه وأخرى بأجواز الجحيمِ تغلَّلُ
فسبحانَ من تهوى الرياحُ بأمرهِ ومن هو في الأيّامِ ما شاءَ يفعَلُ
ومن عرشهُ فوقَ السماوات كلّها وأقضاؤهُ في خلقهِ لا تبدَّلُ