على الرغم من أن قضية الإلحاد ليست وليدة اليوم، بل إن البعض يرجعها إلى رفض إبليس طاعة ربه والسجود لآدم، وإغوائه، وإضلاله لذريته من القرون الأولى للخليقة، فإن الجدل ما زال مستمراً وسيظل مشتعلاً بين أهل الحق والباطل.
«المجتمع» ترصد بعض أشكال وتجارب ومعارك الإلحاد في هذا التقرير.
لماذا أنا ملحد؟
قبل 86 سنة، فجر د. إسماعيل أدهم جدلاً ما زال مستمراً حتى الآن في كتيبه «لماذا أنا ملحد؟»، وهو أشبه برسالة قال في مستهلها: إنه كتبها بعد أن قرأ رسالة للشاعر أحمد زكي أبو شادي عنوانها «عقيدة الألوهية»، وأعلن أدهم أنه سعيد مطمئن لهذا الإلحاد، تماماً كما يشعر المؤمن بالله بالسعادة والسكينة.
وأثارت هذه الجرأة الإلحادية المفكر الإسلامي محمد فريد وجدي، فرد عليه تحت عنوان «لماذا هو ملحد؟»، وأطلق عليها آخرون: «لماذا أنا مؤمن»، حاول أن يفند فيها الأفكار المطروحة من أدهم الذي انتحر غرقاً في عام 1940م بالإسكندرية، وخط رسالة وضعها في جيبه قبل انتحاره يؤكد فيها أنه قتل نفسه بالغرق يأساً من الدنيا وزهداً في العيش فيها، وأوصى بأن يحرق جسده ويشرح رأسه، وقد دفن في مقابر المسلمين ولم يلتفت أحد إلى وصيته وإنه آمن بنظرية المصادفة.
وفند الكاتب الإسلامي محمد فريد وجدي مزاعم أدهم، مؤكداً أنه استشهد بآراء العلماء الطبيعيين والرياضيين والفلاسفة الذين أكدوا وجود الله كحقيقة فلسفية وعلمية، وعاب عليه تشويهه للحقائق وتزيفها، وزعمه أن الإنسان لم يشعر بحاجته للتدين إلا من ألفي عام، وافتقار فكرة الله لقوة الإقناع.
وانتهى وجدي إلى أن العلة الحقيقية لإلحاد أدهم ترجع لغربته التربوية والفكرية عن روح الإسلام المتمثلة في عدم تنشئته نشأة دينية قويمة وتثقفه على يد المتشككين والملحدين.
واستتر عباس محمود العقاد وراء شخصية إبراهيم حسنين البردي، وذهب إلى أن مضمون إلحاد أدهم منقول عما كتبه فيلسوف إنجليزي تشابهت ظروف نشأته وثقافته مع ظروف أدهم وملته واعتقاده، وهي تحمل نفس الاسم الذي حملته رسالة أدهم.
لماذا أنا مؤمن؟
دخل على خط التصدي للإلحاد د. جمال الدين الفندي، فألَّف كتاب «لماذا أنا مؤمن؟»، وأصدره المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، فنَّد فيه مزاعم الملاحدة عامة.
وتطرق إمام الدعاة الشيخ محمد متولي الشعراوي للقضية في كتابه «الأدلة المادية على وجود الله»؛ حيث عرض بالأدلة العقلية والعلمية والمنطقية أدلة وجود الخالق وتوفقها مع الأديان
الغريب أن الرد على «لماذا أنا ملحد؟» استمر حتى عام 2020، حيث أعد د. طارق السرحان، ود. محمد الخطيب، الأستاذان بالجامعة الأردنية تحت عنوان «عرض ونقض لكتاب لماذا أنا ملحد؟» لإسماعيل أدهم، وأكدا أنه كتبه لنقد الأديان ومحاولة تبرير الإلحاد بنظرية جديدة اقتبسها من الفيلسوف الألماني الملحد بوخنر، وأسماها المؤلف «القانون الصدفي الأعظم»، وترتكز على إنكار السببية والقول بأن كل شيء صدفة.
رحلة عقل
يعد المفكر المصري د. عمرو شريف، الأستاذ بكلية طب عين شمس، من أوائل من كشفوا حقيقة الإلحاد، ودعا للتصدي له، وتشهد بهذا مؤلفاته عن الإلحاد، منها: «المعلوماتية.. برهان الربوبية الأكبر»، و«الإلحاد مشكلة نفسية»، و«كيف بدأ الخلق؟»، و«الوجود رسالة توحيد»، و«وهم الإلحاد»، و«رحلة عقل».
خلال تلك المؤلفات، حاول شريف التأكيد على أنه لا يوجد اكتشاف علمي واحد ينفي الوجود الإلهي، ولكن الملحد يُخرِّج من العلم إلحادًا بينما المؤمن يخرج منه إيمانًا، ولكل من عالَمَيْ الغيب والشهادة طبيعته وقوانينه، أي اكتشاف علمي يمكن توظيفه في سياق الإيمان أو الإلحاد، والملحدون العرب أشبه ما يكون بكفار مكة الذين لم ينكروا وجود الله، وإنما كانوا يعترفون بالوجود الإلهي؛ (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ) (الزخرف: 87)، ولكنهم يريدون التحلل من أي تكاليف دينية ويريدون التمرد على أي سلطة سماوية إلهية أو أرضية مثل الوالدين وغيرهما، وشعارهم ما وصفه القرآن في قول الله تعالى: (وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ) (الجاثية: 24)؛ أي أنهم أشبه بالدهريين شعارهم: «إنْ هي إلا أرحام تدفع، وأرض تبلع، وما يهلكنا إلا الدهر»، وينكرون أي تواصل بين السماء والأرض.
المحرك الأول
حلل د. شريف ما ذهب إليه الملحدون العرب بأنه يرتبط إلى حد ما بما ذهب إليه أرسطو، وأطلق عليه «المحرك الأول» الذي لا يليق به أن ينشغل بمخلوقاته، وإنما ينشغل بذاته، ومثله «صانع الساعة» الذي صنعها ووضع فيها قوانينها ثم تركها تعمل، وليس للإله دور في إدارة الوجود، فهم يؤمنون بإله ولا يؤمنون بالأديان وتكاليفها، أو البعث بعد الموت، وموجة الملاحدة العرب مرتبطة بموجة الإلحاد العالمية وخاصة الغربية التي نشطت بقوة من بداية هذا القرن، وعقدت مؤتمرات وأصدرت كتباً وأبحاثاً ورصدت لها ميزانيات كبيرة.
تؤكد مؤلفات شريف أن موجة الإلحاد أشبه ما تكون بجبل ثلج غائر في المحيط، والجزء الظاهر من الجبل أقل من الربع، منها الأسباب العقلية الظاهرة التي يعلنها الملحد، كأن يتذرع بنظرية التطور، وما يزعمه من تعارض النص الديني مع حقائق العلم، أو أن يقول: إذا كان الله خلق الخلق فمن خلق الله؟! وهي تشغل الجزء الأصغر من أسباب الإلحاد، أما الجزء الأهم والأكبر الغائر تحت سطح الماء؛ وهو يتكون من عدة شرائح، أولها ما يقابلنا قرب السطح، وهي الأسباب الشخصية، ثم في العمق الأسباب النفسية، أما ماء المحيط فهو يمثل الأسباب الاجتماعية، ولا بد من الاعتراف بأن الجهود المبذولة لمواجهته وتفنيده أقل من المطلوب، وخاصة أن التيار الإلحادي يستخدم أحدث ما وصل إليه العلم من وسائل الاتصال والتواصل، ومؤتمراتهم تركز على سؤال: ماذا بعد الدين؟ وانتهوا إلى أن العلم والعقل بعيدان عن أي سلطة دينية، وهذا ما لخصته مقولة شهيرة لـ«نبي» الإلحاد المدعو ريتشارد دوكينز بعد الحادي عشر من سبتمبر: أعتقد أن المسيحية هي آخر القلاع للدفاع ضد شر أسوأ منها؛ وهو الإسلام!
من الشك للإيمان
تعد رحلة المفكر المصري الراحل مصطفى محمود التي سطرها في كتابه «رحلتي من الشك إلى الإيمان» جديرة بالقراءة، حيث أكد خلالها أن الفطرة السوية تميل إلى خالقها، كما أن كتابه «حوار مع صديق الملحد» يفند مزاعم الملحدين بعقلانية ومنطق، ونفى عن نفسه تهمة الإلحاد، وأن تكون شكوكه تبلورت لفكرة الإلحاد فقال: «كانت لي شكوك إنسانية، لكن كنت مع الله وأنا في حالة شكي هذه، كنت أؤمن بأن الله واحد، وقضيت آلاف الليالي من الخلوة والتأمل والحوار مع النفس وإعادة النظر ثم تقليب الفكر على كل وجه حتى أقطع الطريق الشائكة من الله والإنسان إلى لغز الحياة والموت إلى ما كتبت من كلمات على درب اليقين، وأن العلم الحق لم يكن أبداً مناقضاً للدين، بل إنه دال عليه».
تاريخ الإلحاد
يعد كتاب «من تاريخ الإلحاد في الإسلام» للفيلسوف والمفكر د. عبدالرحمن بدوي، الذي له رحلة من التغريب والمادية إلى الإسلام والإيمان، ورصد بموضوعية ظاهرة «الإلحاد في الإسلام»، ابتداء من أصولها، ومبرزًا لتطورها، ودارسًا لأهم أعلامها، بداية من الزنادقة الأوائل، وانتهاءً بعالم كابن حيان، أو فيلسوف كابن بكر الرازي، فمن خلاله يتضح للقارئ ما دار حول إعدام ابن المقفع وأسبابه الكامنة في زندقته، كما يعثر على شذرة لابن الرواندي أشهر ملاحدة الإسلام؛ لذا فالكتاب جمع مادته من هنا وهناك، فجاء جامعًا شارحًا ومفسِّرًا لتلك الظاهرة، ويقتصر الإلحاد العربي على رفض فكرة النبوة والأنبياء، بينما يترك المجال مفتوحًا أمام الألوهية.
آيات الربوبية
حاول المفكر العراقي أحمد الحسن، معالجة القضية بطريقة أثارت الجدل في كتابه «وهم الإلحاد.. آيات الربوبية في الكون»، وبدأ بسؤال: هل علينا أن نختار بين الإيمان بإله أو الإيمان بالعلم؟ ومن لم يسمع مثل هذه الجمل الشهيرة والخاطئة، ويحاول دعاة الإلحاد اللجوء إلى ما روج له دعاة التطور الذين يدعون أن الإنسان أصله قرد، ويزعمون أن العلم يدعي أن الكون والحياة وكل شيء يوجد بالصدفة فقط!
يحاول المؤلف التأكيد على أن الأديان ليست في خصومة مع العلم والعقل، وحاول التأكيد على أن النظريات العلمية صحيحة والدين صحيح، أما النظريات العلمية التي ينظر لها الملحدون تمثل أطروحة متكاملة ترسم لوحة أخرى عن نشأة الكون والحياة والثقافة والدين، تناقض اللوحة التي يرسمها رجال الدين، ولا يمكن لعاقل أن يقبل كلا القولين ما لم يحل التناقضات، فدعاة نظرية التطور يقولون بعملية عمياء لا واعية غير هادفة على المدى البعيد، والكون خلق من لا شيء؛ لأن الكون أوجد نفسه تلقائياً من لا شيء دون تدخل خارجي، أم الدين يقول: إن هناك خالقاً للكون، وإن هناك هدفاً، وبين هؤلاء وهؤلاء يظهر لنا ملاحدة التاريخ ليؤكدوا أن الدين هو نتاج إنساني محض، وأن ما يرويه رجال الدين عن قصة خلق العالم قصة خيالية في إطار نظرية الانفجار العظيم، مع أنه من الخطأ وضع العلم مقابل وجود الإله.
ردود وتفنيد
ترصد «المجتمع» أشهر الكتب في مختلف الأقطار العربية التي قام مؤلفوها بالرد على الإلحاد وتفنيد مزاعم الملاحدة، ويمكن تحميلها عبر شبكة الإنترنت:
– «الرد على الدهريين» للشيخ جمال الدين الأفغاني.
– «الإلحاد منطق اللاعقلانية» بقلم د. شيماء عمارة.
– «الإلحاد منطق اللاعقلانية» للشيخ محمد عبيد.
– «ميليشيا الإلحاد مدخل لفهم الإلحاد الجديد» للمؤلف عبدالله بن صالح العجيري.
– «لا شيء بالصدفة.. العلاقة الممكنة بين الإيمان ونظرية التطور» المؤلف أحمد خيري العمري.
– «كتاب عقيدة المسلمين والرد على الملحدين والمبتدعين» للمؤلف السعودي صالح بن إبراهيم البليهي.
– «الأدلة على وجود الله تعالى» للمفكر الإسلامي الأردني عمر سليمان الأشقر.
– «تفكيك شبهات الملحدين في إثبات نبوة رسول الله»، وكتاب «أسئلة تفكرية للملحدين» للدكتور محمد بن فوزي الغامدي.
– المؤلف هيثم طلعت سرور، صاحب موقع «لا إلحاد» على الشبكة العنكبوتية، كتابة خلاصة أكثر من عشر سنوات من البحث والدراسة في الإلحاد واللادينية والشيوعية والليبرالية واللاأرادية والمذاهب المادية المختلفة في ثلاثة مجلدات تحت عنوان «موسوعة الرد على الملحدين العرب»، ومن مؤلفاته أيضاً كتاب «خرافات وأساطير كهنة الإلحاد الجديد»، و«شبهات الإلحاد الجديد»، و«الإلحاد عندما تكون له دولة»، و«الداروينية.. الملاحدة العرب».
– «صراع مع الملاحدة حتى العظم» يرد المؤلف عبدالرحمن الميداني على كتاب المنحرف الاشتراكي صادق جلال العظم المسمّى «نقد الفكر الديني».
– «أسئلة حائرة في عقول تائهة» للمؤلفة دينا علي.
– «صلاة ملحد» للمؤلف عراقي محمد حامد.
– «الإلحاد المعاصر.. سماته، وآثاره وأسبابه وعلاجها» للدكتورة سوزان بنت رفيق المشهراوي.
– «تطهير الاعتقاد من أدران الإلحاد» للدكتور محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني.
– «ظاهرة الإلحاد في المجتمعات الإسلامية» للدكتور ناصر بن سعيد السيف.
– «الأسس اللاعقلية للإلحاد مشكلة مبدأ العالم نموذجاً» للمؤلف عمر علي بسيوني.
– «الشيوعية خلاصة كل ضروب الكفر والموبقات والشرور والعاهات» للمؤلف أحمد عبدالغفور عطار.
– «خطة معرفية للعمل في ملف الإلحاد» للدكتور حسام الدين حامد.
– «هل الله موجود؟» للمؤلف ماجد بن سليمان الرسي.