يعدُّ إدمانُ الخمور والمخدرات أحد أمراض العصر، جنبًا إلى جنب الأمراض العضوية والنفسية، وهو مرض خطير مستعصٍ، وما زالت الأنظمة والحكومات والجهات غير الرسمية تلهث وراء حلول للحد من تقليل أعداد المتعاطين لها، غير أن هناك -كل يوم- جديدًا في أنواع وأشكال هذه المسكرات، كما أن أعداد المتعاطين لها تزداد بشكل كبير على غير توقُّع الدول والجهات المعنية.
وقد عرّفتْ لجنة الخبراء التابعة للأمم المتحدة المتفرعة من هيئة الصحة العالمية الإدمان بأنه: «رغبة عالية أو حاجة قهرية للاستمرار في تعاطي العقار والحصول عليه بأية وسيلة، وميل إلى زيادة الجرعة، واعتماد نفسي وعضوي على المخدر، وتأثير ضار بالفرد والمجتمع».
محرمة في الكتاب والسُّنة
والخمور والمخدرات وسائر المسكرات محرّمة في ديننا بنص الكتاب والسُّنة، يقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (المائدة: 90)، وفي الحديث: «كل مسكر حرام، إن على الله عز وجل عهدًا لمن يشرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال»، قالوا: وما طينة الخبال؟ قال: «عرق أهل النار أو عصارة أهل النار» (أخرجه مسلم والنسائي)، ويقول النبي ﷺ: «والذي نفس محمد بيده ليبيتن ناسٌ من أمتي على أشر وبطر ولعب ولهو فيصحبوا قردة وخنازير، باستحلالهم المحارم والقينات، وشربهم الخمر، وأكلهم الربا، ولبسهم الحرير» (رواه أحمد).
التدخين بوابة الدخول إلى الإدمان
وقبل الحديث عن الخمور والمخدرات وآثارها الكارثية على أبنائنا، لا بد من الحديث عن العادة الرذيلة؛ التدخين، تلك التي تقود الشاب إلى التعرف على أنواع المسكرات وتعاطيها ومن ثم إدمانه لها، ومعلوم ما للتدخين –في حد ذاته- من آثار ضارة جدًّا بالصحة، فهناك العديد من المواد المهلكة في التبغ، منها النيكوتين، والقطران، وأول أكسيد الكربون، ومواد أخرى مسببة للسرطان.
حرمة التدخين
والتدخين محرّمٌ أيضًا في شريعتنا؛ لقوله تعالى: (وَذَرُواْ ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُواْ يَقْتَرِفُونَ) (الأنعام: 120)، وقوله تعالى: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) (الأعراف: 33)؛ ولقول النبي ﷺ: «لا ضرر ولا ضرار»، والتدخين كله أضرار.
التدخين والإدمان
يقول د. جمال ماضي أبو العزائم، الرئيس الأسبق للاتحاد العالمي للصحة النفسية: «ثبت إحصائيًّا أن 99% من المدمنين مدخنون، إن التدخين غالبًا ما يكون أول مرحلة الهروب، وهو الذي يقتحم طاقات المدخن النفسية ويضعفها ويذلل الطريق أمام بدء عملية الإدمان، إن الدعوة ضد التدخين دعوة صادقة لوقف الإدمان المبكر، وإن البعد عن التدخين هو تحصين للأجهزة العصبية لمواجهة واقع الحياة وزيادة الاستبصار بطاقات الإنسان، التي يجب أن نحافظ عليها وننميها ونشعر بالثقة والأمان معها» (الإدمان: أسبابه وآثاره والتخطيط للوقاية والعلاج، د. جمال ماضي أبو العزايم).
الإدمان.. أسبابه وأعراضه
الأسباب المؤدية للإدمان هي نفسها الأسباب التي أدت إلى انحراف الشاب بإدمانه التدخين، يزيد عليها: انفلات بيئة الشاب وتهيئتها الظروف لاستمراره في إدمانه، مقدرة الشاب المادية على الإنفاق على المخدرات، رخاوة الشاب وميوعته وضعف إرادته، ثم عدم وجود صالحين قريبين منه يقومون بنصحه وإرشاده.
أما أعراض الإدمان، فتتمثل في: عدم القدرة على النوم، والضعف العام، وآلام جسمية، والصداع، وازدياد القلق، وذهاب الرغبة الجنسية، والإسهال، وازدياد إفرازات الأنف، وضعف الشهية، وزيادة الإحساس بالاكتئاب، وزيادة إفراز دموع العين، وزيادة رعشات الأطراف، وتكرار التبول، وتنميل الأطراف، والدوار، والعرق الغزير، وخفقان القلب، والقيء، والشعور بالغثيان، والتشنجات.. وتختلف حدة هذه الأعراض من شخص لآخر ومن إدمان لآخر، وكلها مجهدة للجسم وتدفع بالمدمن إلى حظيرة الإدمان وإلى كراهية التوقف خوفًا من العودة للآلام» (الإدمان، أبو العزايم).
ماذا تفعل إذا شككت أن ابنك مدمن؟!
إذا شككت أن ابنك يتعاطى الخمور أو المخدرات، أو قد أدمنها بالفعل، كأن ترى أعراض ذلك عليه، أو أخبرك أحدٌ بذلك، إذا حدث ذلك تحدّث معه مباشرة، وأظهر له هلعك عليه؛ لما لها من آثار صحية ونفسية خطيرة، ولحرمتها في ديننا، وكن متفهمًا لأسباب المشكلة، وقف بجانبه حتى يتخطى أزمته، ولا تلجأ معه لأساليب تجعله يتحول إلى الإنكار والمراوغة، ولا تلجأ إلى الضرب والتهديد والوعيد، ولا تكن كذلك سلبيًّا أو تبدو عليك أمارات العجز والضعف، لكن كن حازمًا، وأظهر له أن استمرار ذلك مستحيل، وأعطه الكثير من الوقت كي تبعده عن زمرة الشر وأصدقاء السوء، وابحث معه من جديد عن الأصدقاء الذين تركوه بسبب المخدرات، إن منعه من الخروج من المنزل إلا بصحبتك سوف يتيح لك الوقت للتعمق في فهم مشكلاته، إننا نحتاج إلى منعه من الاتصال تليفونيًّا بالأصدقاء المنحرفين، وأن نظهر أن ذلك حبٌ منا ومساعدة له.
كيف الخروج من المأزق؟!
إن وقوع أحد الأبناء في دائرة الإدمان مأزق كبير، إنها دائرة مفرغة تحتاج إلى الحكمة والصبر، وتحتاج إلى الشفقة والرحمة بالمدمن نفسه، وتحتاج من المجتمع بأسره ومن الدول والحكومات إلى تضافر الجهود للخروج من هذا الوباء الذي يدمر صاحبه ويضر المجتمع.
وعلى الآباء؛ وقاية لأبنائهم من أخطار الإدمان، وعلاجًا لمن ابتُلوا منهم به، اتباع ما يلي:
– التزمْ بالتعاليم الدينية والفروض والسنن والنوافل، واغرس هذه القيم في نفوس أبنائك.
– ضع قواعد سلوكية وعقوبات تطبّق على من يخرج منهم على قيمك وأخلاقياتك.
– علِّم أبناءك الفطنة والاعتماد على النفس وكيف يتعاملون مع أصدقاء السوء.
– تحدث معهم عن خطورة المسكرات، واسألهم عما يعلمونه عنها حتى تصحح لهم معلوماتهم الخاطئة.
– كن صبورًا معهم وأحسن الاستماع إليهم والرد على أسئلتهم.
– شجع أبناءك على مزاولة الرياضة وتعلّم الهوايات، إن أي هواية يتعلمها ابنك هي وقاية له؛ حيث إن الإشباع الذي يجده من الإجادة فيها سوف يغنيه عن البحث عن الإشباع في المسكرات.
– حافظ على تماسك أسرتك، ولا تجعل الخلافات الأسرية تنفِّر الأبناء منك ومن بيتك.
– شارك جيرانك وأهل منطقتك في وضع برامج الحصانة اللازمة لأبنائكم، ولا تترك بؤرة توزيع خمور أو مخدرات قريبة منك بدون الإصرار على الخلاص منها.