تصاعدت حملة إزالة الآلاف من قباب المساجد التاريخية في جنوب وغرب الصين حيث الأغلبية المسلمة، التي بدأتها السلطات الصينية منذ عام 2021م بدعوى جعل مظاهر المساجد «أكثر صينية»، حسب زعمها.
ورغم حالة القمع والبطش بمسلمي الصين وإجبارهم على تغيير هويتهم، فقد تصدى المسلمون في جنوب غرب الصين، في مايو 2023، لحملة الهدم بعدما بالغت في هدم المساجد وتعليق لوحات للحزب الشيوعي الصيني فوقها، وتصاعدت حالة الغضب.
فقد انفجر سكان شينجيانغ ذات الأغلبية المسلمة في جنوب غربي الصين يوم 27 مايو 2023، واشتبكوا مع الشرطة حين بدأت جرافات الحزب الشيوعي تهدم قباب مسجد يبلغ عمره قروناً من الزمان، ضمن عمليات الغسيل الثقافية ومحو التاريخ الإسلامي بعد الهجمة على عقيدة وثقافة المسلمين.
وأكدت صحيفة «واشنطن بوست»، 29 مايو 2023، أن حشوداً من المسلمين تصدوا يوم 27 مايو لعشرات ضباط مكافحة الشغب الصينيين، وهم يتدافعون نحو بوابة مسجد ناجياينغ، الذي يعد مقر عبادة وتعليم ديني مهماً لأقلية هوي المسلمة بمقاطعة يونان ،وذلك وفقاً لفيديوهات نشرها نشطاء على «تويتر».
وقد اضطرت الشرطة للانسحاب من المنطقة أمام غضب المسلمين، الذين تظاهروا واعتصموا خارج بوابة المسجد طيلة الليل، وأرسلت السلطات قوات ضخمة لقمع المسلمين واستمرار تنفيذ عمليات الهدم لقباب ومآذن المساجد.
إسلام صيني!
وقد أكد موقع شبكة «CNN» الأمريكية، في 30 مايو 2023، أن المسلمين فاض بهم من حملة هدم قباب مساجدهم وتغيير تراثهم الإسلامي ووضع لافتات تدنسها من قبل الحزب الشيوعي عليها، مؤكداً أن آلاف المسلمين باتوا يتحدون السلطات الصينية في الدفاع عن المساجد.
وقالت الشبكة: إن حملة هدم قباب المساجد في قرية ناجياينغ بمقاطعة يونان وغيرها جاءت ضمن حملة كاسحة أطلقها الزعيم الصيني شي جين بينغ لـما يسمى «تصيين المسلمين»، أو «تصيين الدين»؛ أي «إسلام صيني» على غرار محاولات الغرب تشكيل ما يسمى «إسلام غربي معتدل» لا يلتزم المسلمون فيه بالشريعة.
ووصفت «CNN» حملة تدمير قباب ومآذن المساجد بأنها «سياسة»، وقالت: إن السلطات الصينية تزعم أنها تهدف إلى تطهير المعتقدات الدينية من النفوذ الأجنبي ومواءمتها بشكل وثيق مع الثقافة الصينية التقليدية، والحكم الاستبدادي للحزب الشيوعي الملحد رسميًا.
وقالت أيضاً: إن الشرطة أغلقت مدخل المسجد وواجهت الحشود بالدروع والهراوات، فيما تعالت صيحات الغضب من قبل السكان، وألقى بعضهم زجاجات المياه والحجارة على الشرطة.
وعلى خلفية الحادث، قطع الإنترنت في العديد من أحياء القرية، وحلقت طائرات مسيرة في سماء المنطقة، فيما حثت السلطات المحتجين لتسليم أنفسهم، وفقاً لـ«CNN»
وخلال السنوات الثلاث الأخيرة، أزالت السلطات الشيوعية العمارة الإسلامية وهدمت القباب والمآذن، وقال مسلمون في منطقة هوي ذات الأغلبية المسلمة: إن أكثر من ألف مسجد في جميع أنحاء البلاد تم هدم قبابها ومآذنها.
وأكدوا أن الصدام الأخير بين المسلمين والشرطة جاء على خلفية انتقال حملة الهدم أو «التصيين» إلى ناجياينج الموطن التاريخي لعرقية هوي الصينية المسلمة التي تعد مركزاً مهماً للثقافة الإسلامية على حدود الصين مع جنوب شرق آسيا.
وقالت «وكالة أنباء تركستان الشرقية»، المعبرة عن مسلمي الصين: إن السلطات الصينية تسعى لإزالة مآذن المساجد وقباب المسجد الكبير في مدينة شاديان الصينية وتحويلها إلى طراز صيني؛ مما أدى إلى صراع شرس مع المسلمين الصينيين الذين احتجوا على سياسات الصين الشيوعية.
تاريخ الحملة على المساجد
وبدأت هذه الحملة عام 2021 حين كشف تقرير لموقع «الإذاعة الأمريكية العامة»، في أكتوبر 2021، أن سلطات مدينة شينينغ عاصمة مدينة مقاطعة تشنغهاي في شمال غربي الصين أزالت قباب مسجد تونغوان التاريخي الذي يعود إلى 7 قرون.
وقال التقرير: تزعم السلطات الصينية أن هذه القباب انعكاس للتأثير الديني الأجنبي، في إشارة لمزاعم عن نفوذ سعودي وعربي سابق، وأنها ترغب في إضفاء الطابع الصيني على هذه المساجد والجماعات العرقية الإسلامية التاريخية.
حيث تمت إزالة القباب الخضراء الكبيرة التي كانت تتوج مآذنها وقاعة الصلاة مفقودة تحت شعار «إزالة النفوذ السعودي والعربي»، بينما الهدف الحقيقي هو إزالة للعمارة الإسلامية بشكل صريح كجزء من حملة لإضفاء الطابع الصيني على الجماعات العرقية الإسلامية التاريخية لجعلها أكثر تقليدية صينية، كما يقول مسلمو الصين.
وأزالت السلطات قباب معظم المساجد في جميع أنحاء شمال غرب الصين كجزء من حملة وطنية لإزالة النفوذ بدأت بشكل جدي في عام 2018.
ويؤكد نشطاء وجماعات حقوقية أن السلطات كثفت جهودها في السنوات الأخيرة لتقييد الممارسات الدينية لمسلمي أقلية هوي في جميع أنحاء الصين، بما في ذلك إغلاق المدارس الإسلامية ودروس اللغة العربية ومنع الأطفال من تعلم وممارسة الإسلام.
ووفقاً لهؤلاء، فقد تم هدم قباب ومآذن أكثر من 200 مسجد في مقاطعة يونان وحدها، إضافة لأكثر من ألف مسجد في شمال غرب البلاد.
ويشدد نشطاء أن هدف الحزب الشيوعي الصيني النهائي يتمثل بتنفيذ سياسة الإبادة الثقافية والدينية، تماماً كما فعل في إقليم شينجيانغ مع الإيغور.
وعلى عكس الإيغور، لا يسعى مسلمو عرقية هوي للانفصال عن الصين، ويبلغ تعدادهم نحو 10 ملايين نسمة، يمثلون نصف عدد المسلمين في الصين وفقاً لإحصاءات رسمية.
مسجد ناجياينغ
يعود تاريخ مسجد ناجياينغ الذي سعت الصين لهدمه ضمن حملتها الأخيرة إلى القرن الثالث عشر، وقد خضع لأعمال توسعة أكثر من مرة على مدار السنوات الماضية لإضافة مبانٍ، إلى جانب 4 مآذن وسقف مقبب.
وفي عام 2019، صُنف جزءٌ من أبنيته ضمن الآثار الثقافية المحمية، ولكن في السنوات الأخيرة، تصاعدت قيود الحزب الشيوعي الصيني التي يفرضها على مظاهر التدين تصاعداً حاداً، وتم تكثيف مراقبة القادة الدينيين.
وجاء هذا بعدما طالب الرئيس الصيني شي جين بينغ بالولاء السياسي التام للمجتمعات الدينية، وطالب بما يُعرف بـ«تصيين» الدين؛ أي إضفاء الطابع الصيني عليه.
حيث أزالت السلطات قباب معظم المساجد في جميع أنحاء شمال غرب الصين كجزء من حملة وطنية لإزالة النفوذ بدأت بشكل جدي في عام 2018.
تطهير ثقافي!
وضمن هذه السياسة فرضوا على مسجد ناجياينغ عقد لقاءات لقراءة الأفكار الماوية، وتم رسم شعارات الحزب الشيوعي على الجدران لإجبار المصلين على قراءتها والولاء للحزب الشيوعي لا للدين الإسلامي.
أيضاً قامت سلطات الحزب الشيوعي الصيني بمصادرة أصول المساجد وسجن الأئمة وإغلاق المؤسسات الدينية وفرض قيود على استخدام اللغات غير الصينية مثل التبتية أو الإيغورية واستهداف العلماء والكتاب المسلمين بقيود قاسية على نحو متزايد.
ويقول سكان شينينغ: إن إمام مسجد دونغقوان ومديره احتُجزا لفترة وجيزة وأُجبرا على التوقيع لصالح هدم القباب الإسلامية، وأنه يتم أيضًا تجهيز مسجد نانجان الرخامي في شينينغ لإزالة القبة، وأن سقالات الخيزران تحيط بالقبة البيضاء لإزالتها.
وأشار تقرير موقع «الإذاعة الأمريكية العامة» (إن بي آر»، في 25 أكتوبر 2021، إلى اشتداد الحملة في إقليم شينجيانغ شمال غربي البلاد حيث تحتجز السلطات مئات الآلاف من أقلية الإيغور في معسكرات، كما دمرت الدولة آلاف المساجد والمواقع الدينية.
تأتي الحملة وسط تصاعد ظاهرة «الإسلاموفوبيا» في الصين والقيود الدينية المتزايدة، مما أثار نقاشًا في جميع أنحاء البلاد بين العلماء ومنظمي السياسة العرقية والمجتمعات الصينية المسلمة تاريخياً حول ما يجب اعتباره بالضبط «صينيًا» كبداية.
ويبلغ عدد مسلمي الصين حوالي 10.5 ملايين؛ أي أقل من 1% من سكان الصين، وتزعم السلطات أنها تهدف ليصبح المسلمون صينيين ثقافيًا ولغويًا، حتى إنهم جعلوا نسختهم من الإسلام تشبه الكونفوشيوسية والطاوية، في محاولة لإظهارها على أنها صينية بطبيعتها وليست ذات تأثير أجنبي!
ومع هذا تمتلئ شوارع مدينة شينينغ بمقاطعة تشينغهاي الصينية برائحة تذكير بالتركيبة الصينية التاريخية المتعددة الأعراق والديانات المشتركة.
حيث يرتدي الكثير من الناس القبعة البيضاء أو الوشاح الذي يفضله المسلمون، وما يقرب من سدس سكان المقاطعة ينتمون إلى مجموعات عرقية تصنفها الصين على أنها مسلمة.
وشرح تقريران لمنظمة «مشروع الإيغور لحقوق الإنسان»، و«تقرير الحريات الدينية» الذي تصدره الأمريكية أواخر عام 2022 الفظائع التي ترتكبها الصين ضد المسلمين في معتقلاتها، وكيف تمنعهم من الصيام والصلاة في شهر رمضان فأصبح بلا معنى لهم.
وتتهم دراسات غربية تستند إلى وثائق رسمية وشهادات لضحايا وبيانات إحصائية بكين بأنها تحتجز في معسكرات ما لا يقل عن مليون شخص، معظمهم من الإيغور، وبإجراء عمليات تعقيم وإجهاض قسراً، أو بفرض عمل قسري.
ولا يقتصر الأمر على منع الصيام والصلاة على مسلمي الصين، ولكن حظرت السلطات الصينية 22 اسماً مسلماً على مسلمي الصين (الإيغور) في مقاطعة هوتن، بإقليم شينجيانغ، ذي الأغلبية المسلمة، وقال مسلمون: إن السلطات والشرطة حضرت الي منطقتهم وعلقت منشوراً بأسماء 22 اسماً يستخدمه المسلمون للذكور والإناث، وطلبت منهم تغيير أسماء أبنائهم وإلا سيتم منعهم من دخول المدارس.
ونقل تقرير لـ«راديو آسيا» عن مسلمين في الإقليم قولهم: إن السلطات في شمال غرب الصين أبلغتهم أن الهدف وراء تغيير الأسماء هو محاولة الحد من التطرف بين السكان الإيغور في المنطقة، وهددتم بعدم السماح لأطفالهم الذين يحملون هذه الأسماء بالذهاب إلى المدرسة ما لم يغير آباؤهم أسماءهم.
وقال التقرير: إن أكثر من 80% من الأسماء التقليدية للإيغور أسماء إسلامية تأتي مباشرة من القرآن والنصوص الإسلامية الأخرى، ولم يتم حظر أو منع هذه الأسماء من قبل في تاريخ الصين.