على طريقة الإمام محمد عبده رحمه الله أكاد أعلن لعنتي على الثورات وأقول مثله فيها (قاتل الله الثورة، إنها ما دخلت في شيء إلا أفسدته.. فإن شئت أن تقول: إن الثورة تضطهد الفكر.. أو العلم أو الدين.. فأنا معك من الشاهدين، أعوذ بالله من الثورة، ومن لفظ الثورة، ومن معنى الثورة، ومن كل خيال يخطر ببالي من الثورة، ومن كل أرض تذكر فيها الثورة..، ومن ثار يثور وثائر ومثار”.!.
وتمهل معي قليلا يا قارئ المقال قبل أن تصنفني من (تنابل السلطان) أو (مخبري الأنظمة) أو (الفلول) أو (مشرعني) الإستبداد فما ضرنا إلا هذه الثنائيات التي تفترض أن كل المواقف يجب أن تصنف لفريقين! معي أو ضدي! في إغلاق كامل لخيارات التفكير في خير الخيرين أو شر الشرين كما يقول أهل الفقه والمقاصد.
وأحب كذلك يا قارئ هذا المقال أن اطمئنك أنني لا ادعم الإستبداد السياسي (بشرو كلمة)! دعك أن ادعمه بموقف! ولا أدعم قهر الشعوب ولا ضياع حقوقها لكنني في ذات الوقت لا أدعم (انهيار الدولة) و(تفتيت المجتمعات) و(تمزيق الروابط) باسم الثورة على الظلم والفساد أيا كان منشؤه أو أسبابه ولا يوجد ثوري عاقل يمكن أن يقول لي ابتداء أن الثورات تنتج كل هذه المفاسد ثم علينا تأييدها كأداة من أدوات التغيير!
والحق أنني كنت زمانا من مؤيدي الثورة كفعل للتغيير فقد عانينا كشعوب من قهر ممنهج مستمر من الأنظمة العربية التقليدية التي استعصت على محاولات الإصلاح واستمسكت بكرسي السلطة دهورا وحولت الدولة لممتلكات شخصية لأسرة أو طائفة أو حزب حاكم! بمعنى أن النظام العربي القديم بكل مساوئه شريك أساسي اليوم فيما يحدث من تفتيت للدولة وتقسيم للمجتمعات بمقاومته الإصلاح واستخدامه الحيل والتلاعب السياسي لإحتواء المصلحين وتقزيم دور المجتمع. إن هذا السلوك البرغماتي للأنظمة العربية طوال التاريخ تراوح ما بين احتواء وتفكيك بنية الإصلاح وخطابه السياسي وبين مواجهة تياراته الإسلامية والقومية بل وحتى العلمانية الحديثة التي دعمت وبشكل آخر التغيير.
والثورات في التاريخ كلها اضطرابات وقلق لا ينتهي فالثورة لغة واصطلاحا لا ترسل رسالة للعقل بالاستقرار فباستثناء الثورة الفرنسية التي اراقت في البداية الدماء واباحت كل شيء حتى لحقها عقل المفكرين فإن معظم ثورات العالم لم تصل لشيء! بل ان وباء الثورة إن لم أقل لعنتها ما زال يعمل في فرنسا اليوم في شكل انقساماتها السياسية وبؤس علمانيتها وتطرفها وحتى تظاهراتها التي دائما ما تكون مصحوبة بعنف شديد يعبر عن مجتمع فيه بذور انفجار قادمة لا محالة!.
والثورات دائما ما تكون مصحوبة بالصراع والجدال الذي لا ينتهي فالذين يصنعون الثورات لا يتفقون غالبا ويتملقون الجماهير بشعارات التغيير الجذري ويعدون الناس الفردوس! ويرسلون للواجهة دائما أشخاصا ضعفاء لا يعرفهم الناس ويفتقدون الحكمة دوما والعقل كثيرا وكيف يمتلك العقل شخص غاضب متوتر لا يهدأ! ينظر بريبة للجميع ويشعرانه مستهدف ويعتبر قوله وفكره الحق المطلق في تطهرية كاذبة قام بواسطتها بإجراء مسح لكل تاريخه وممارساته ليبرر اليوم انه مع مصلحة الشعب! وإن كان هذا لا ينف ابدا الواقع الموضوعي المؤدي للثورات والذي تتحمله الأنظمة الفاشلة التي خلقت حالة التململ المستمر.
ومصدر التململ الأساسي الذي لم تستوعبه غالب الأنظمة العربية أن هذه الشعوب قد شبت عن الطوق وتعلمت ونالت حظا من الثقافة والعلم كبير بحيث أصبح من الصعوبة إن لم يكن المستحيل السيطرة عليها أو إدارتها بطريقة (الحاشية) و(الإقطاع) وأن الملايين من العرب والمسلمين الذين هاجروا للغرب وعاشوا فيه تأثروا بحقوق الإنسان وقيم التنمية والاستقرار في الغرب والحريات العامة وهم في مقارنة دائمة لأنفسهم وذويهم في بلدانهم عن ذلك البون الشاسع ما بين الأنظمة الغربية والعربية التي لا تجسد في معظمها التطور السلوكي اليوم لمفهوم ومعنى الدولة في الدنيا والذي لاشك انه يتجه للإنفتاح أكثر نحو المجتمعات والقيم الداعمة للمشاركة والمعرفة والتكنلوجيا. ولكن في ذات الوقت لم تستوعب النخب السياسية العربية سواء كانت أحزابا أو مؤسسات مدنية أن الدولة في افريقيا والعالم العربي هي (دولة هشة) بنيويا وأن هذه الدولة بما فيها من عيوب فيها إنجازات لا تخطئها العين في التنمية والتمدين يستحق ان يبنى عليه لا ان يهدم باسم الثورة! أنجزت من خلال سنوات طويلة من العمل المضن من جيب دافع الضرائب والرسوم العربي والإفريقي وهذه التنمية وإن كان منتقدوها يرمونها بالتشوه والتحيز وصناعة الهامش إلا أنها كانت (الممكن) في ظل اقتصاديات ضعيفة ومجتمعات لا تنتج وتعتمد على الاستهلاك كما انها مقارنة بالعدم الذي كان منذ الاستقلال تعتبر خطوة ممتازة ونظرة واحدة لتونس أو مصر أو اليمن أو ليبيا أو السودان مؤخرا قبل هذه الثورات تؤكد أن مشروعات البني التحتية كمثال قطعت شوطا لا بأس به بل تقدمت جدا في تونس والسودان ومصر وكانت الخدمات مدعومة من الدولة في تونس وسوريا والسودان واذكر انني زرت سوريا في العام 2010 فتعجبت من ان كثيرا من الخدمات كانت مجانية او شبه مجانية في التعليم والصحة والكهرباء وغيرها وان شوارع المدن السورية في النظافة والجمال لا تقل ابدا عن مثيلاتها في أوروبا ونفس الشئ في تونس ومصر بدرجات متفاوتة أما بلدي السودان فالمواطنون العاديون وليس المسيسون! يعلمون تماما ماذا كان في السودان على مستوى البنية التحتية والخدمات قبل حكومة الإنقاذ الوطني وماذا صار بعدها من قفزة هائلة في كل شيء بحيث اعترفت عدة مؤسسات تنمية دولية للسودان انه حقق قفزات هائلة في التنمية في بداية الألفية ولجد كنت كمواطن سعيد ايما سعادة أنه في العام 2015 تم إعلان ولاية الخرطوم خاصة خالية من مرض الملاريا! وكذلك تمّ إعلان السودان خالياً من (عمى الأنهار) يوم الأربعاء 2/مايو2012م نعم إي والله وبشهادة منظمة الصحة العالمية في ذلك ومصدر فخري واعجابي ان الملاريا كانت ومازالت واحدا من أهم معيقات النشاط الاقتصادي في السودان وسبب رئيس مستهلك للدواء والرعاية الصحية بشكل مستمر بحيث أنك من النادر جدا ألا تجد مواطنا سودانيا لم يصب بالملاريا في تاريخ حياته! فالسودان يتحمل نسبة 46% من حالات إصابة الملاريا في إقليم شرق المتوسط حسب منظمة الصحة العالمية وتقدم السودان بقوة في التطعيم ضد مرض شلل الأطفال وامراض الطفولة الست حتى عد من الدول الأفريقية الرائدة في ذلك ورغم كل هذه الإنجازات التي لا يتسع المجال لذكرها تم إسقاط النظام السوداني تحت شعار (تسقط بس)! الذي لم يكتف بإسقاط النظام والإطاحة بمنجزاته التي تحققت من عرق ومال السودانيين بل هو في طريقه حاليا لإسقاط الدولة كليا بالحرب التي تدور وستدور لا قدر الله مالم يتدارك السودانيون عقلهم السياسي لخروج من دائرة الصراع المتأزم. وكثيرون لا يريدون أن يفهموا أن الإعتراف بالإنجاز لهذا الأنظمة لا يعني بالضرورة الرضا عنها بالكلية أو الدفاع الأعمى عنها ولكنه يعني بالضرورة الإنصاف في تقييم تجارب التنمية في بلداننا وإن لحقت بها مشكلات وان نؤمن أن الدولة كيان متراكم تبني فيه الحكومات والأنظمة ما تبني ولو من باب اكتساب الشرعية السياسية ولا يوجد نظام ولا حكومات تخلد فهي ذاهبة وتبقى الدولة والشعوب.
ولقد دارت فرضيات عدة في تفسير ثورات الربيع العربي هل هي كانت نتاج فشل سياسي واجتماعي للأنظمة العربية أم مؤامرة غربية أمريكية لتفتيت الدولة في العالم العربي تحت ستار الفوضى الخلاقة التي بدأت تظهر معالمها للأسف وفقدت الشعوب حتى الحد الأدنى فيما ثارت من أجله.
والأقرب في ظني ووفق معطيات كثيرة أن بعض هذه الثورات في تونس كمثال كانت فعلا نتاج احتقان اجتماعي وانسداد سياسي كبير أدى لإنفجار ثوري اشعله حرق البوعزيزي لنفسه في بلدة القصرين بسيدي بوزيد وبما أن هذا الإشتعال الثوري كان أقرب لنتيجة طبيعية فإن تونس تكاد تكون الدولة العربية الوحيدة التي استقرت بشكل ما وعلى الأقل بنيويا ولمدة عشر سنوات على الأقل من ثورة التونسيين قبل ان تدخل في دوامة الصراع السياسي الحالي. أما بقية الدول في مصر وإن كانت اقرب لتونس واليمن وسوريا وليبيا فتشعر أن الثورات كانت فيها عناصر خارجية واضحة حاولت توجيه نتائج هذه الثورات لتدمير منظومة الدولة نفسها بمؤسساتها ومجتمعها وهذا ما حصل فعليا في اليمن وسوريا وليبيا وبدرجة أقل في مصر وهذا يختلف عن تونس التي حافظت بشكل كبير على مؤسسات الدولة ولو بشكل قانوني فقط بعد الثورة وهو ما ساعدها على تنظيم انتخابات وحصاد مرض للتغيير في شكله العام قبل ان ترتد حاليا لموجة الأزمات الهيكلية لدول الربيع العربي.
والإستثناء الناجح كان في نظري في المغرب والأردن حيث استوعب النظام العربي الملكي هناك بشكل إيجابي مطالب الإصلاح وتعامل معها بصوة إيجابية حقيقية وكانت وقتها بعض التظاهرات خرجت في ذا توقيت الربيع العربي في عدة مدن مغربية واردنية ولكن حكمة النظام الملكي الدستوري والذي يعتبره سقراط أفضل أنواع الأنظمة الدستورية في الدنيا نجحت في استيعاب مطالب الشعوب ولم تغامر بالقمع العشوائي والقوة المفرطة بل ونجحت في استيعاب التيار الإسلامي واليساري على السواء ضمن عملية توافق سياسي تأسس على المحافظة على الدولة ومنجزاتها وترسيخ وتعزيز تجربة ديمقراطية حقيقية في المغرب والأردن تثير الإعجاب.
في الخليج لابد من الإشادة والإشارة للتجربة الكويتية المتميزة والمتقدمة منذ سنوات في الإصلاح السياسي ضمن نظام الإمارة الدستورية وتقاسم السلطة بين الشعب وآل الصباح وتبعت الكويت قطر ثم سلطنة عمان والمملكة العربية السعودية مؤخرا بإصلاحات سياسية تختلف في درجاتها لكنها جميعها ذهبت لمشاركة الشعوب في انتخابات برلمانية أو محلية او بلدية على مستويات مقبولة مقارنة بأن نوع هذه الأنظمة أصلا كان ملكيا مطلقا ولا يقبل الانتخابات ولا مجالس الشورى والبرلمانات.
الكارثة كانت في السودان حيث اندلعت ثورة ضد نظام البشير في العامين 2018 – 2019 وكانت هذه الثورة ليست المحاولة الأولى من معارضي النظام فقد سبقتها محاولة في العام 2013 باءت بالفشل وقتل المئات من الذين خرجوا للشارع وقتذاك فالنظام المحسوب على الإسلاميين فشل في السنوات الأخيرة في مواكبة طموحات فئة الشباب خاصة بل فشل في اجراء تغييرات هيكلية مهمة لإصلاح السلطة السياسية والاقتصاد مما ادخل البلاد وقتها في دوامة أزمات لم تنته. وبعيدا عن الخوض في تاريخية الأزمة السودانية لتعقدها المستمر وعدم سماح المجال للتفصيل فيها فإن مقارنة بسيطة بما طالب به الثوار والثورة ضد نظام البشير والحال في السودان تثير العجب! فقد خسر السودان اليوم خسارة كبيرة وباهظة على مستوى الدولة والمجتمع وتحول لدولة فاشلة تماما وتندلع فيه حرب في الخرطوم وبعض الولايات تكاد تعصف بالدولة نفسها وتحول ملايين السودانيين الذين يعانون أصلا من الفقر لمشردين ونازحين في دول الجوار. لم تستطع القوى السياسية السودانية إنجاز أي تحول ذو قيمة خلال أربعة سنوات ملتهبة ودخلت هي والجيش في صراع على السلطة عصف بكل المؤسسات المدنية وسبب كارثة للاقتصاد المتداعي أصلا بسبب الصراع المستمر بين المكونين العسكري والمدني حول إدارة الفترة الانتقالية ومنهج الحكم ومن الغريب ان الثورة في السودان كانت نتائجها في اغلبها عكس شعاراتها فهي لم تحقق العدالة ولا السلام ولا الحرية بالقدر المقبول حتى وتضرر منها حتى من اشعلها من أبنائها بالقمع والمطاردات والخوف الذي اصبح سمة لكل الحياة الاجتماعية فبعيدا عن حجة الدولة العميقة والفلول التي تتعذر بها القوى السياسية لتبرير هذا الفشل وهي نفسها بالمناسبة حجة التيار الثوري في مصر واليمن وتونس وليبيا! فإن التيار الثوري والأحزاب السودانية كان واضحا انها تفتقد للرؤية الواضحة لما بعد الإنقاذ بل تجسد هذا الفشل نفسه في شعار (تسقط بس)! كشعار عدمي عبثي صدر لعقول الناس تحدي كل شيء بلا تصور البديل! بل بلا نقاشه حتى فنقاشه كفيل باتهامك أنك من الفلول! لهذه الدرجة سقط العقل السوداني في مغالطات منطقية للتغيير يعوضها قادة الأحزاب والثوار بسيل من الاتهامات لكل من يخالفهم الرأي بحشرك في زاوية التصنيف السياسي وحرق شخصيتك ثم إعلان انتصار المنطق الثوري! هذا المنطق العاجز عن تبرير عدم القدرة على التغيير بقوة خصومه! وإرسال شماعة الكيزان على كل شيء! حتى ظننا ان الكيزان هم من خلقوا الشمس والقمر والليل والنهار تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا!
هذا التبسيط المخل لتحليل الفشل لما بعد ثورة ديسمبر في السودان دفع كثيرا من العقلاء للتشكيك في قدرات القوى السياسية أصلا لحكم السودان فهم يوصفون من كثير من المتابعين أنهم مجرد ناشطين سياسيين لا خبرة لهم ولا دراية بالدولة ومتطلباتها بل ذهب كثيرون لتحليل الثورة نفسها انها ثورة مصنوعة وملونة من بؤس ما انتجته من كوابيس لم تكن تخطر على بال أحد على الرغم من تحقيق نجاحات ضئيلة تحسب لجهود رئيس الوزراء الشخصية دكتور عبد الله حمدوك وعلاقاته الدولية الواسعة. لقد اتسع الصراع ليصل الحرب فالقوى السياسية اشعلت الأرض تحت العسكر بشق صفه وفق مقترحات الاتفاق الإطاري التي تبناها طرف عسكري كان ينتظر الفرصة ويعد نفسه لأربعة سنوات ويخترق كل مؤسسات الدولة والمجتمع بدولة داخل دولة ساعدته غفلة المكون العسكري واهماله لموجبات الدولة وصراعات المدنيين التي لا تنتهي فتحرك الدعم السريع للاستيلاء على كامل السلطة والدولة ليحولها لملك عشائري أسري باسم الديمقراطية وإنجاز التحول الديمقراطي! في اغرب تبرير للشرعية السياسية من قوى عسكرية تصنف كمليشيا لا يساعدها لا تاريخها ولا ممارساتها ولا تكوينها في تصديق ذلك! والأدهى والأمر كان سكوت بعض القوى السياسية المنجزة للثورة عن الانتهاكات الواسعة لهذه المليشيات في الخرطوم والولايات التي اندلعت فيها الحرب بشكل اظهرها مساندة أو محايدة سلبيا في موقف يتطلب الشجاعة في الانحياز للدولة وجيشها القومي أيا كان الخلاف معه لأن هذه الديمقراطية لا يمكن ان تتأسس في الرياح! ولا يتصور عاقل أن قائد الدعم السريع وقواته كان سيقدم الدولة على طبق من ذهب لهؤلاء لترسيخ الديمقراطية! التي لم يعرفها في حياته ولم يمارسها ولا يؤمن بها. وخلاصة التجربة المؤلمة في ثوة السودان حاليا هو المجهول! بكل معنى الكلمة وهو نفسه حصاد ثورة ليبيا واليمن وبشكل أقل في سوريا وتونس فقد أعاد النظام العربي سوريا لحاضنته بعد مقاطعة لإثني عشر عاما وعداوة ما كان يتوقع أن تزول!.
وللخروج من هذا المأزق الذي سقطنا جميعا فيه كشعوب في بلدان الربيع العربي فيبدو أننا نحتاج ان نناقش التالي:
أولا/ ضرورة تقديم الحفاظ على الدولة ومؤسساتها ومنجزاتها كخط أحمر لا يتجاوزه أحد ومن ذلك مؤسسات الجيش والشرطة والخدمة المدنية والتعليم والصحة وان يكون الإصلاح المتدرج هو السبيل للتعامل مع هذه المؤسسات والابتعاد عن الثورية المدمرة في شأنها لأنها تعرض الأمن القومي للخطر الشديد وبالتالي ضياع الدولة نفسها دعك من انجاز التغيير.
ثانيا/ لابد من اعتماد مشروع سياسي اجتماعي اقتصادي واضح لكل من يرغب في التغيير ويطرحه كبديل ونبذ الشعارات الجوفاء ودغدغة مشاعر الشعوب الفقيرة التي تحتاج للتنمية أولا وقبل كل شيء.
ثالثا/ ضرورة الحوار بين الأنظمة الحاكمة والتيار الإسلامي واليساري أيا كان الخلاف معهم وضرورة الحوار الإسلامي – اليساري – القومي للوصول لنقاط التقاء لتفويت الفرصة على المشروع الغربي الصهيوني الداعم للتفكيك والتفتيت للدول والمجتمعات.
رابعا/ تقديم أولوية التنمية الاقتصادية ومحاربة الفقر في الإصلاح والتغيير والكف عن التصورات المثالية في تطبيق الديمقراطية في بلدان ينتشر فيها الجهل والتخلف والأمية والحرص على نشر القيم الفاضلة ودعم الوحدة القومية والتكافل الاجتماعي.
خامسا/ ضرورة مراجعة التيار الإسلامي لفكرة الدولة وطبيعتها وهل يكفي النموذج الأخلاقي المطروح دون نموذج ورؤية سياسية اقتصادية واضحة؟ ولماذا يجب تغيير الأنظمة دون الشروع في حوار بناء معها يجمع المصالح المشتركة.
سادسا/ ضرورة مراجعة التيار اليساري والعلماني خاصة لخطاب الدولة العلمانية واستعداء المجتمعات بأفكار الحداثة والعلمنة التي لا تتناسب وهويتنا القومية ولا الإسلامية ولا تاريخ المنطقة وطرح رؤية عدالة اجتماعية وحقوق انسان تستند على مرجعيات وطنية مستقلة عن المنظومة الغربية.
هذه بعض الرؤى التي يمكن ان تفتح افاقا جديدة للحل في نظري لتجاوز ازمة انهيار الدولة وتفتيت المجتمعات التي تعمل بقوة لصالح المشروع الصهيوأمريكي والمدعوم للأسف من بعض النخب والأنظمة العربية التي يستخدمون معها فزاعة الإسلاميين والهدف الجميع بلا تمييز فحين سقوط الدولة لن يميز العدو بين يسار ويمين وبين مسلم وغير مسلم فهل ينتبه العقلاء أم ستعود ندامة الأندلس من جديد في المشرق؟
*كاتب وباحث في العلوم السياسية