بلغني عن عضد الدولة أنه كان في بعض أمرائه شاب تركي، وكان يقف عند روزنة ينظر إلى امرأة فيها، فقالت المرأة لزوجها: قد حرم عليَّ هذا التركي أن أتطلع في الروزنة، فإنه طول النهار ينظر إليها وليس فيها أحد فلا يشك الناس أن لي معه حديثاً، وما أدري كيف أصنع.
فقال زوجها: اكتبي إليه رقعة وقولي فيها: لا معنى لوقوفك فتعال إليَّ بعد العشاء، إذا غفل الناس في الظلمة فإني خلف الباب، ثم قام وحفر حفرة طويلة خلف الباب ووقف له، فلما جاء التركي فتح له الباب فدخل فدفعه الرجل فوقع في الحفرة وطموا عليه، وبقي أياماً لا يدري ما خبره، فسأل عنه عضد الدولة، فقيل له: ما لنا فيه خبر.
فما زال يعمل فكره إلى أن بعث يطلب مؤذن المسجد المجاور لتلك الدار فأخذه أخذاً عنيفاً في الظاهر ثم قال له: هذه مائة دينار خذها وامتثل ما آمرك إذا رجعت إلى مسجدك، فأذن الليلة واقعد في المسجد، فأول من يدخل عليك ويسألك عن سبب إنفاذي إليك فأعلمني به، فقال: نعم.
ففعل ذلك، فكان أول من دخل ذلك الشيخ، فقال له: قلبي إليك ولا شيء أراد منك عضد الدولة؟ فقال: ما أراد مني شيئاً، وما كان إلى الخبر، فلما أصبح أخبر عضد الدولة بالحال فبعث إلى الشيخ فأحضره، ثم قال له: ما فعل التركي فقال: صدقك لي امرأة ستيرة مستحسنة كان يراصدها ويقف تحت روزنتها فضجت من خوف الفضيحة بوقوفه، ففعلت به كذا وكذا، فقال اذهب في دعة ﷲ فما سمع الناس ولا قلنا.
______________________________
«الأذكياء»، ابن الجوزي.