فتحت أزمة المساجد الأخيرة في إثيوبيا الباب للتساؤلات حول وضع المسلمين هناك، وهل ما حدث من هدم لمصليات بحجة أنها غير مرخصة له أبعاد طائفية، أم مجرد سوء تنظيم؟ وما زاد الأمر إشكالاً هو استخدام العنف في مواجهة احتجاجات المسلمين السلمية، فما حقيقة ما يحدث؟ وإلى أين وصلت جهود الحوار؟
العام الماضي أطلقت السلطات الفيدرالية ومنطقة أوروميا مشروعاً لدمج عدة مناطق وبلدات محيطة بالعاصمة أديس أبابا، في مدينة واحدة حديثة تحمل اسم مدينة «شغر»، وعلى خلفية هذا المشروع بدأت سلطات المدينة في هدم وإزالة العديد من المنشآت والمباني، من بينها مساجد ومصليات بدعوى أنها بنيت بدون ترخيص؛ الأمر الذي يراه البعض سياسة تمييزية ضد المسلمين ويعبر عن سياسة طائفية، فيما يراه آخرون إعادة تنظيم، لكن يتفق الكثيرون في كون طريقة التنفيذ لم تراع مشاعر المسلمين وقدسية المصليات.
23 مسجداً
تُقدر أعداد المساجد التي تم هدمها، بحسب بيانات المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية الإثيوبي، نحو 23 مصلى، كما قتل نحو 8 أشخاص من المسلمين، منهم شخصان بعد الجمعة الأولى للتظاهرات، بحسب بيانات الشرطة والمجلس؛ بسبب العنف المستخدم ضد الاحتجاجات السلمية للمسلمين التي خرج بعضها من مسجد أنور شمالي أديس أبابا، غير المصابين والمتضررين.
ثمة كراهية
في مقابلة مع «المجتمع»، قال عضو بالمجلس الفيدرالي الإسلامي، طلب عدم ذكر اسمه: ما تم من هدم من منازل ومساجد بحجة أنها غير مرخصة عمل غير مقبول، لا سيما وأن نحو 80% من المساجد في البلاد غير مرخصة، يبنيها المسلمون في ظل صعوبة استخراج الترخيص ووجود عوائق كثيرة وتعقيدات، ونفس الأمر في مدينة شغر ومساجدها قبل الهدم، فمساجد المدينة إما أنها بنيت بشراء أرض من المزارعين تم جمع أموالها من المسلمين؛ لأن المسلم لا بد أن يكون له مسجد في أي منطقة يسكنها، فضلاً عن ذلك فإن كثيرين من سكان المدينة مسلمون جاؤوا من مناطق متعددة تسكنها أغلبية مسلمة.
خطأ يتطلب التصحيح
وأضاف: وما حصل من هدم أمر غير نظامي ولم تتم استشارة المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية قبل الهدم، وهذا سلوك غير صحيح يؤجج التعصب الديني والكراهية، خاصة وأن أغلبية المسؤولين الذين يحكمون مدينة شغر من غير المسلمين يبدو وكأنهم تعصبوا لدينهم ولا يريدون وجود المساجد؛ لأن المسلمين وكما هو معلوم أي منطقة يتواجدون فيها بكثافة ولاسيما في شغر التي هي ضواحي العاصمة أديس أبابا، وبالتالي ما حدث خطأ وعليهم العودة للصواب ومراعاة واقع المسلمين وقدسية أماكن الصلاة عموماً لتجنيب البلاد الأزمات الطائفية.
مساعٍ بلا استجابة
وعن جهود ودور المجلس الإسلامي إزاء ما حدث من هدم واستخدام العنف ضد المظاهرات السلمية للمسلمين، قال عضو المجلس الفيدرالي: إن المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية كتب إلى الحكومة الفيدرالية، وكذلك حكومة إقليم أوروميا التي تقع مدينة شغر ضمن نطاقه، وإلى عمدة مدينة شغر، لكننا لم نتلق استجابة، وهذا ينافي حقوق المواطنة والتدين والتساوي فيها، فكل مواطن له حق حرية التعبير، وعلى المسؤول أن يراعي حقوق جميع المواطنين بالمساواة.
يشار إلى أن المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية عقد اجتماعاً استثنائياً فور وقوع الأحداث، وأصدر بياناً أكد فيه أن الهدم واستخدام العنف إزاء المسلمين عمل غير شرعي ولا بد من الرجوع للمجلس في مثل هذه الأمور كونه ممثل المسلمين، وشدد على ضرورة إعادة البناء والاعتذار للمسلمين عما حدث.
وأوضح عضو المجلس الفيدرالي أنه تم تشكيل لجنة تتكون من 9 أعضاء عبارة عن 3 أعضاء من المجلس الإسلامي، و3 من مجلس أديس أبابا، و3 من مجلس أوروميا، بدأت هذه اللجنة عملها ببحث القضية مع الحكومة الفيدرالية ووزارة السلام وحكومة مدينة شغر وحكومات الأقاليم للوصول إلى حلول لهذه الأزمة، التي تعد انتكاسة في تعامل المسؤولين مع المسلمين.
تنظيم لا طائفية
من جانبه، قال الكاتب الصحفي عبدالشكور عبدالصمد لـ«المجتمع»: إن ما تم هدمه هي مصليات لا تتوافر في غالبها الأعم أدنى متطلبات المسجد، من حيث المساحة والنوعية والمتطلبات القانونية والنظامية، وهو ليس استهدافاً للمسلمين، من وجهة نظره، بقدر ما هو عمل تنظيمي للبيئة العمرانية والسكنية والخدمات التي تحتاجها.
الحلول ممكنة
وأشار إلى أن إمكانية توصل إدارة مدينة شغر والمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية للتفاهم قائمة ومستمرة، موضحاً أنه تم أمس الاحتفال بتشكيل إدارة فرع المجلس الإسلامي على مستوى مدينة شغر بحضور إدارة مدينة شغر وممثل حزب الازدهار ورئيس المجلس الأعلى للشؤن الإسلامية الفيدرالي.
وحول عدم ترخيص المساجد، قال: إن عدم ترخيص المساجد لا يبرر الهدم، وإنما يمكن التوصل لاتفاق وتفاهم يراعي المصلحة ومشاعر المسلمين، وربما لحداثة تأسيس المدينة والاستعجال في استكمال المراحل المطلوبة بفتراتها الزمنية، كما أنه ربما يوجد في الإدارة من قام ببعض التجاوزات خطأ أو عمداً لسبب أو آخر كلها احتمالات واردة.
عنف مفرط
وفيما يتعلق بالتظاهرات والعنف الذي واجهها، يرى عبدالشكور أن هناك خطأ من المنظمين للمظاهرات بدون تصريح أو موافقة من الجهات المختصة، بل وحتى مع المجلس، كما أن رد فعل الأجهزة الأمنية فيها تجاوز للحد بالعنف المفرط.
أما الداعية والناشط الاجتماعي عبدالرحمن سعيد فيرى أن الأزمة توسعت وليس لها حلول واضحة بعيداً عن مساعي التوافق بين المسلمين والحكومة من خلال جهود المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في إثيوبيا، وأن الهدم ليس مقصوداً به المصليات والمساجد أو مقتصراً عليها، بل هو هدم كثير من المنشآت من منازل ومصليات غير مرخصة.
ولفت إلى أن أفراد السلطات الذين قاموا بهدم المساجد لم يراعوا حرمتها، ولم يمنحوا المسلمين مهلة لإخراج المصاحف، بل أظهروا كراهيتهم للمسلمين خلال عملية الهدم، وأشار إلى أن المسلمين حققوا كثيراً من المكتسبات خلال السنوات الأخيرة.
يذكر أن الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين دعا، في بيان سابق له، السلطات الإثيوبية إلى تعويض البيوت والمساجد التي هدمت وضمان سلامة كل المواطنين، ومحاسبة من تسبب في قتل المتظاهرين، والعمل على تهدئة الأوضاع في البلاد.
وأكد الاتحاد، في بيانه، أهمية الحوار وتغليب لغة الاحترام وتقدير المصالح المشتركة، ودعم ما يقوم به المجلس الأعلى الإسلامي في إثيوبيا من فتح قنوات الحوار والتفاهم لتحقيق الأمن والسلم المجتمعي، وأعلن استعداده التام للتعاون والتنسيق مع جميع الأطراف المعنية في إثيوبيا، بهدف إرساء قيم التعايش بين جميع المكونات في ظل العدل واحترام القانون.