- أنا شاب بإحدى الجامعات التي تنظم سنوياً معسكرات صيفية، وبالطبع فإن هذه المعسكرات تكون مختلطة، ولكني كنت قد ذهبت إليه في العام الماضي، ولم أشعر أنني ارتكبت معاصي في هذا المعسكر، إذ كان معظم وقتي مع أصدقائي البنين، وحتى علاقتي مع الطالبات كانت في إطار الأدب والحياء، لا أنكر أنه كانت هناك علاقات غير سليمة، ولكني كنت حريصاً أن أبتعد عنها، وكما قلت: إنني لم أشعر أنني ارتكبت معصية في هذا المعسكر، فما الرأي الشرعي في هذا الموضوع، نظراً لأنني أرغب في الذهاب إليه هذا العام مرة أخرى؟
– اللقاء بين الرجال والنساء في حد ذاته ليس محرماً، بل هو جائز أو مطلوب إذا كان القصد منه المشاركة في هدف نبيل، من علم نافع أو عمل صالح، أو مشروع خير، أو جهاد لازم، أو غير ذلك مما يتطلب جهوداً متضافرة من الجنسين، ويتطلب تعاوناً مشتركاً بينهما في التخطيط والتوجيه والتنفيذ.
ولا يعني ذلك أن تذوب الحدود بينهما، وتُنسى القيود الشرعية الضابطة لكل لقاء بين الطرفين، ويزعم قوم أنهم ملائكة مطهرون لا يُخشى منهم ولا عليهم، يريدون أن ينقلوا مجتمع الغرب إلينا، إنما الواجب في ذلك هو الاشتراك في الخير، والتعاون على البر والتقوى، في إطار الحدود التي رسمها الإسلام، ومنها:
1- الالتزام بغض البصر من الفريقين، فلا ينظر إلى عورة، ولا ينظر بشهوة، ولا يطيل النظر في غير حاجة، قال تعالى: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ {30} وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا) (النور).
2- الالتزام من جانب المرأة باللباس الشرعي المحتشم، الذي يغطي البدن ما عدا الوجه والكفين، ولا يشف ولا يصف، قال تعالى: (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ) (النور: 31)، وقد صح عن عدد من الصحابة أن ما ظهر من الزينة هو الوجه والكفان، وقال تعالى في تعريف الأمر بالاحتشام: (ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ) (الأحزاب: 59)؛ أي أن هذا الزي يميز المرأة الحرة العفيفة الجادة من المرأة اللعوب المستهترة، فلا يتعرض أحد للعفيفة بأذى؛ لأن زيّها وأدبها يفرض على كل من يراها احترامها.
3- الالتزام بآداب المسلمة في كل شيء، وخصوصاً في التعامل مع الرجال:
أ- في الكلام؛ بحيث يكون بعيداً عن الإغراء والإثارة، وقد قال تعالى: (فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً) (الأحزاب: 32).
ب- في المشي؛ كما قال تعالى: (وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ) (النور:31)، وأن تكون كالتي وصفها الله بقوله: (فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء) (القصص: 25).
جـ– في الحركة؛ فلا تتكسر ولا تتمايل، كأولئك اللائي وصفهن الحديث الشريف بـ “المميلات المائلات”، ولا يصدر عنها ما يجعلها من صنف المتبرجات تبرج الجاهلية الأولى أو الأخيرة.
4- أن تتجنب ما من شأنه أن يثير ويغري من الروائح العطرية، وألوان الزينة التي ينبغي أن تكون للبيت لا للطريق ولا للقاء مع الرجال.
5- الحذر من أن يختلي الرجل بامرأة وليس معهما محرم، فقد نهت الأحاديث الصحيحة عن ذلك، وقالت: “إن ثالثهما الشيطان”، وخصوصاً إذا كانت الخلوة مع أحد أقارب الزوج، وفيه جاء الحديث: “إياكم والدخول على النساء”، قالوا: يا رسول الله، أرأيت الحمو؟! قال: “الحمو الموت”! أي هو سبب الهلاك، لأنه قد يجلس ويطيل الجلوس، وفي هذا خطر شديد.
6- أن يكون اللقاء في حدود ما تفرضه الحاجة، وما يوجبه العمل المشترك دون إسراف أو توسع يخرج المرأة عن فطرتها الأنثوية، أو يعرضها للقيل والقال، أو يعطلها عن واجبها المقدس في رعاية البيت وتربية الأجيال.
- أرجو تفسير الآيتين الكريمتين من سورة “الإسراء”: (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً {36} وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً) (الإسراء: 36).
– هاتان الآيتان الكريمتان ذكرهما الله تعالى في الوصايا الحكيمة التي وصى بها عباده في سورة “الإسراء”: (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً {36} وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً).
في الآية الأولى يعمل القرآن على تربية العقلية العلمية في المسلم، فهناك نوعان من العقليات:
1- عقلية خرافية، تصدق الأوهام، وتجري وراء الأباطيل، وتسمع كل ما يقال لها، وتتبع كل ناعق، وهذه عقلية يرفضها الإسلام.
2- والعقلية الأخرى –وهي التي يريدها الإسلام– هي العقلية التي تتبع الدليل وتخضع للمنطق في العقليات، وتمشي وراء الملاحظة والتجربة في الماديات، وتستعمل الأدوات التي وهبها الله إياها؛ السمع والبصر والفؤاد.. فهذه أدوات المعرفة كما قال تعالى: (وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (النحل: 78).
فمن هنا يجب أن يستعمل الإنسان سمعه، فبه تنتقل المعلومات من الناس بعضهم إلى بعض بطريق الرواية، والبصر به تكون الملاحظة والتجربة، وعليهما قام صرح العلوم الكونية، والفؤاد –أي العقل– به يستعمل الإنسان المنطق، ويستنتج النتائج من المقدمات.
وهذه الأدوات هي النوافذ التي يطل منها الإنسان على أمور هذه الحياة، والكون والشرع، وعلى خلق الله تعالى، وعلى نهيه وأمره، فلا يجوز إذن أن يعطلها ويهملها، ويتبع الظنون والأوهام أو يتبع الإشاعات والأباطيل.
ولهذا جاء في آيات كثيرة من القرآن مثل التذييل والتعقيب: “أفلا تسمعون؟”، “أفلا تبصرون؟”، “أفلا تعقلون؟”، وفرق ما بين المؤمنين المهتدين، والكافرين الضالين، أن الآخرين عطلوا أدوات المعرفة والهداية التي مُنحوها، فلم تعد تقوم بوظيفتها: (لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ) (الأعراف: 179).
لهذا حذرت الآية من إهمال هذه القوى، فقال تعالى مخاطباً الإنسان: (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ)؛ أي لا تتبع ما ليس لك به علم، فتجري وراء الظنون، أو وراء الأوهام والخرافات.. استعمل سمعك وبصرك وفؤادك، فإن الله سائلك عن هذه الأدوات، هذا معنى الآية الأولى بإجمال.
العدد (2102)، ص66-67 – ربيع الأول 1438ه – ديسمبر 2016م