سلوك الادخار، هو احتفاظ الفرد بجزء من المال عندما يزداد دخله ويفيض عما ينفقه أو يستهلكه، والادخار هو الامتناع عن الإنفاق في الوقت الحاضر لرغبة الفرد في الإنفاق في المستقبل.
سلوك الادخار من الموضوعات التي لم يتطرق إليها البحث السيكولوجي إلا فيما ندر، فعلى قدر علمي المتواضع، أعتقد أنه لا توجد دراسة نفسية عربية واحدة عن سلوك الادخار، وأن الدراسات القليلة في هذا المجال هي دراسات غربية بدأت على يد كينيس في العام 1936م في كتابه «النظرية العامة في التوظيف: المنفعة والمال»، وفي هذا الكتاب وضع كينيس بعض هذه التصورات النظرية لتحديد أسباب الادخار وتفسيره تفسيراً سيكولوجياً.
ثم انقطعت الدراسات النفسية بعد هذا الكتاب فترة طويلة، وعادت من جديد على يد دوسنبري في العام 1949م، ثم كاتونا في العام 1975م، حتى جاءت فترة التسعينيات، حيث ظهرت بعض الدراسات النفسية على يد كل من ويبلي، وسونغ، وليفنغستون، ولنت، ودولباك.
وعلى الرغم من أن هذه الدراسات قد أماطت اللثام عن كثير من أسباب الادخار، ووضعت لنا عدداً من الأطر النظرية السيكولوجية التي فسرت كثيراً من دوافعه، فإننا ما زلنا في حاجة إلى نظرية شاملة تجيب عن عدد من الأسئلة الخاصة بشخصية المدخرين وسماتهم، وفي أي الظروف يتحولون من الادخار إلى البخل والاكتناز؟ وما الأنماط السلوكية للادخار ومحدداته النفسية والاجتماعية؟ ومتى يدخر الفرد من أجل الادخار؟ أي متى يصبح الادخار علة لذاته؟ وما العمر الذي يدرك فيه الفرد معنى الادخار، سواء كان ادخاراً اختياراً أو ادخاراً إجبارياً؟ وهل هناك فروق بين ادخار الكبار وادخار الأطفال؟
في محاولة للإجابة عن السؤال التقليدي في سلوك الادخار: لماذا يدخر الأفراد أموالهم؟ يقدم لنا كينيس 8 أسباب رئيسة لسلوك الادخار، تتمثل فيما يلي:
1- الحذر.
2- الحكمة.
3- الرؤية والتفكير المحسوب.
4- التقدم إلى الأحسن.
5- الاستقلالية.
6- حب المغامرة.
7- الافتخار والتباهي.
8- حب المال واكتنازه.
لقد تناول دوسنبري سلوك الادخار بشكل أكثر موضوعية وعلمية من كينيس، وذلك في كتابه المعنون باسم «الدخل والادخار وسلوك المستهلك» في العام 1949م، وقد أكد أهمية دور العوامل الاجتماعية وديناميات الجماعة في تحديد أسباب سلوك الادخار.
فيذكر دوسنبري أن سلوك الادخار يرتبط بالوضع المادي للفرد والجماعة، وكذلك بنسبة دخل الفرد وتوزيعه النسبي داخل الجماعة التي ينتمي إليها.
باختصار، تتحدد أسباب الادخار وفقاً للزيادة المالية، وما يساعد على ذلك معايير الجماعة ومرجعيتها.
وفي العام 1975م، أصدر كاتونا كتاباً بعنوان «الاقتصاديات النفسية»، حدد فيه أسباب الادخار فيما يلي:
1- الخوف من التعرض لأحداث ومواقف طارئة في المستقبل.
2- التقاعد عن العمل.
3- الرغبة في تلبية احتياجات الأطفال.
4- الرغبة في تحسين أحوال المعيشة.
5- السعي وراء الربح والفائدة المالية.
6- الخوف من الموت قبل تأمين حياة الأسرة.
7- الادخار من أجل الادخار باعتباره قيمة خلقية مرغوباً فيها، وقيمة اقتصادية تزيد من ثروة الفرد.
8- يزداد سلوك الادخار بتحسن الأحوال المالية للفرد والمجتمع وزيادة الفائض المالي.
يرى دولباك، في دراسته المسماة «الادخار وسلوك المخاطرة»، أن هناك علاقة ارتباطية موجبة بين سلوك الادخار وسلوك المخاطرة، بحيث يدخر الفرد المال لحماية ذاته من الأخطار الاقتصادية، وأن سلوك الادخار قد يصبح سمة أساسية في الشخصية في حال ما إذا كان سلوك المخاطرة نمطاً ثابتاً في الشخصية أيضاً.
يرى سونغا وويبلي أن سلوك الادخار له أسبابه الاقتصادية والنفسية معاً، لكن الأسباب الاقتصادية لا تتعدى مجرد الحصول على الفائدة من الأموال المدخرة ورغبة الفرد في الإنفاق في المستقبل، أما الأسباب النفسية فقد ترجع إلى الطفولة المبكرة وعمليات التطبيع الاجتماعي وطرق المعاملة الوالدية التي تدفع الفرد منذ صغره إلى سلوك الادخار على اعتباره سلوكاً مرغوباً فيه اجتماعياً ويلقى القبول والاستحسان من الآخرين، خصوصاً الوالدين.
في دراسة بعنوان «المدخرون والمدينون: فنيات الإدارة المالية الشخصية»، أشار ليفنغستون، ولنت إلى أن هناك علاقة بين سلوك الادخار وسلوك الاستدانة، فالذين يدخرون أموالهم بصورة منتظمة ودائمة، عادة ما يكون مستوى الدافعية لديهم أكبر من أولئك الذين اعتادوا الاستدانة والاقتراض.